قصيدة النثر
ما لها ؟ وما عليها؟

لا بد من التذكير بألوان القصيد في العصر الحالي :
ـــ الشعر العمودي : وهو النوع الذي يلتزم بأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي وعلى تشطير البيت إلى شطرين متساويين بعدد التفعيلات وتنتهي الأبيات بقافية واحدة
ـــ شعر التفعيلة : هو شعر موزون لا يلتزم بعدد التفعيلات في السطر الشعري / ولا نقول البيت الشعري في هذا النوع / ولا يلتزم قافية واحدة
ـــ قصيدة النثر : ورغم اعتراض كثيرين على هذا النوع ولكنه كل يوم يثبت نفسه ، ولا بد أن نعترف بوجوده فهو نوع من الشعر لا يلتزم الوزن ولا القافية وإنما هو تصوير أدبي للمشاعر والأحاسيس ÷و بوح شجي في معظم الحالات يعبر بأسلوب أدبي راق عما يعتلج في النفس من خوالج
ويرسم تصويرا رائعا لهذه المشاعر وبشكل خاص لوحة فنية متكاملة بما تتكون من خطوط اللون والحركة والصوت والحياة
وقد تكون أحيانا لوحة فيها تتناثر الصور في تكوينها كمت عند الشاعرة / رفيف الفارس / في نص ( كما النخيل ) :
على الضفة صياد يقلب حظه بالرزق القليل
كما النخيل
لا ينحني ولا يستكين
لقيظ أو برد
ضاربا الحذور
السعف في السماء
فهذه لوحة رسمت بدقة والجميل فيها أنها تحتوي على بعض الغموض الجميل الذي يجعل كل قارئ يفسره كما يراه وهو ما يطلق عليه النقاد الغموض المحبب ، ونجد فيها الألفاظ الدالة على اللون والصوت والحركة ولو طلبنا من رسام أن يرسم هذه اللوحة لرسمها بالالوان .
أما الشاعر / فائز حداد / في نص ( دمعة على عرش ) فيقول :
تلك مدني الباكية تحت خيمة البيت الأصفر
والرأي الأحمر ورمال الربع الخالي
بقايا أجساد تعرف ما بحقيبة ( البابا ) من
شهادات ختان
لفرسان الذهب الأسود
فقد رسم صورة ملونة بجميع أبعادها ، وجزئياتها ولكن اللوحى اكتنفت بغموض شفاف أفصحت عن نفسها في السطر الأخير، بالإضافة لاستخدامه الصورة الممتدة ( وهي صورة عبارة عن تشبيه بليغ أو استعارة نضيف للمشبه به نعوتا متعددة مثل / وجه الفتاة قمر / وأضيف نعوتا للمشبه به / القمر / من مثل : وقد برزفي منتصف الشهر القمري منير في ليلة صافية ........
ورمال الربع الخالي
بقايا أجساد تعرف ما بحقيبة ( البابا )
أما الشاعرة / إيلينا المدني / في نص ( قرص العسل) فتقول في لوحة شعرية رائعة :
يلملم تفاصيلي
يعقدها بالدهش
يفتح وريقات الزهرة
يرشها بالندى
وعميقا يغوص
يفجر قوارير العطور
المحاطة بعرائش الياسمين
العبقة بألوان الزمن
فقد رسمت بالاستعارات التصريحية الكتيرة حيث أقامت علاقات مجازية مستخدمة الرمز الشفاف ليكمل الغموض اللذيذ المشبع بعبير اللفظ والمشاعر الأنثوية المتدفقة ، فلو تفكرنا قليلا ما العلاقة بين التفجير وبين فوارير العطور ؟
او بين القوارير وعرائش الياسمين ؟ وقد استعارتها من عرائش الياسمين المنتشرة في البيوت الدمشقية الرائعة
لنقرأ : العبقة بألوان الزمن
ثلاثة ألفاظ حملت اللون والرائحة لشي غير محسوس وهو الزمن فأقامت علاقات مجازية تترك لذهن القارئ أن يربط بينها ، وتجعله يشغل التفكير في هذه العلاقات
قد يقول قائل إن هذا شعر جميل ويدافع عن نفسه أن هذه المواصفات هي مواصفات الشعر دون الاتباه إلى أوزان الخليل فالشعر شعور وإحساس وتصوير خيال
ويرد آخر قائلا : عندما نقرأ كلمات أغنية هل نشعر بجمالها كما لو كانت مموسقة ؟
ولتسمح لي الشاعرة رفيف أن أجعل الفقرة التي استقيتها من قصيدتها على شكل شعر التفعيلة :
هذا النخيل
لا ينحني لا يستكين
فالقيظ أحرق مهجتي
والبرد زاد
لا زال يضرب في الجذور
لا ينحني سعف النخيل
فقد جعلتها على تفعيلة البجر الكامل مفاعلتن / مفاعلْتن
ولقد حاولت أن ابقي على المشاعر والمعاني ولكنني التزمت فيها بتفعيلات عمنا الخليل
ومن قبيل الموازنة لا بد أن أورد شيئا من شعر التفعيلة
من قصيدة للشاعر / سعود الأسدي / بعنوان : بين صورتين :
ما الذي أختاره
يا حلوتي
هذه عين
وهذي الأخت عين
ما الذي أختاره يا سيدتي
وأنا بينهما ما بين بين
غنائية جميلة وتصوير رائع لحيرته وهو يتأمل جمالا معينا ولا يدري إلى أية جهة يميل وقد أسهمت التقفية / القوافي / الداخلية في موسيقية جميلة ، وكذلك التفعيلة فاعلاتن
ولا بد أن أنوه إلى أن جميع أنواع القصيد يستخدم الإيحاء : (وهو التخلص من المعنى المعجمي ‘لى دلالة شعورة ) وكلما كان الإيحاء شفافا أدى دوره في تسليط الضوء على شاعرية الشاعر وعلى مشاعره وأحاسيسه كما عند الشاعرة / رؤى زهير / :
في جوف ليل أصم
صرخات
تصدع جدران القمر
تخترق بريق النجوم
فقد أوحت كلمة أصم بالهدوء المتناهي لتبرز قوة الصرخة والحوف منها ، ولم تقل صرخة وانتهى المر ولكنها صرخات متكررة لتدل على الألم المستمر او الخوف الرهيب .....
وتصدع جدران القمر إيحاء بالعنف حيث جعلت للقمر جدران تتصدع من تلك الصرخات
ويبقى النص المموسق يشد السامع والقارئ لأن النفس البشرية تميل إلى الموسيقا


رمزت ابراهيم عليا