السلام عليكم
موضوع نقلته لنقاشه ودمتم بخير:
نصائح ومواعظ لبعض المعظَّمين عند الصوفيةفهل عمل بها المتأخرون ؟كتبه/ أمين السعدي- عفا الله عنه@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@
إنّ الحمد لله نحمدهونستعينه ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا،من يهده الله فلامضلّ له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أنّمحمداً عبده ورسوله( يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّوَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران : 102].
( َيا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍوَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراًوَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَكَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء : 1.].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاًسَدِيداً.يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنيُطِعْ اللَّهَوَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب71-72].

أما بعد :
فإنّ أصدقَ الحديث كلامُ الله،وخيرَ الهديّ هديّ محمد صلى الله عليه وسلم،وشرَّالأمور محدثاتها،وكلَّ محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار .
لا يخفى على المسلم أنّ الحق والحكمة ضالة المؤمن ، فحيث وجدها فهو أحق بها ([1]).
أحق به،وأعظم الحق: معرفة التوحيد وتعلم السنة المطهرة ،والعمل بذلك العلم ،ثم الدعوة إليه ،والصبر على ما قد يلاقيه المسلم في ذلك.
فمن جاءه الحق ثم أعرض عنه أو رده يخشى عليه من قول الله جل جلاله:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام : 110]،يقول الحافظ ابن كثير الشافعي-رحمه الله- عند تفسير هذه الآية:"فأخبر سبحانه أنهم لو ردوا لم يقدروا على الهدى،"([2]).
وإنّ من نعم الله الكثيرة -وهي حجة على المخالف للحق سواء بقصد أو بغير قصد - :أن ييسر الله جل جلاله له من ينبهه ويذكره بالحق ليعود إليه قبل فوات الأوان-اللهم اهدنا واهدِ بنا- .
ولم يترك الله جل وعلا الخلق دون بيان ما أراده منهم ولا ما نهاهم عنه ،فقد قال الله تعالى لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم:{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44].
وقد يستأنس بكلام أهل العلم ولا سيما الذين لهم منزلة كبيرة في قلوب الخلق،وسوف أذكر في مقالي هذا أمثلة لمن نطق بالحق ودعا إليه ؛إذ هو أولى الناس بإتباعه وترك ما سواه من الطرق الباطلة،وهكذا على الأتباع أن يستمسكوا بما ذكره من الحق،ليكون التعظيم واقعاً عملياً.
فمن أولئك المعظمين عند طائفة الصوفية :الجنيد بن محمد بن الجنيد،أبو القاسم القواريري الخزاز البغدادي الذي يصفه الصوفية بسيد الصوفية،أو سيد الطائفة ،والمتوفى سنة 297هـ ([3]).
يقول الجنيد :" من لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر ؛لأنّ علمنا مقيّد بالكتاب والسنة"([4]).
ويقول أيضاً:"الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا من اقتفى أثر الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتبع سنته ولزم طريقته فإن طرق الخيرات كلها مفتوحة عليه).
ويقول: الطريق إلى الله عز وجل مسدودة على خلق الله تعالى إلا على المقتفين آثار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين لسنته كما قال الله عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} "([5]).
ويقول أبو سليمان الداراني: ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتاب والسنة .وبإسناد عن طيفور البسطامي يقول سمعت موسى بن عيسى يقول قال لي أبي قال أبو يزيد :لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود"([6]).
فلينظر من يقدم قول المشايخ والمعظمين على قول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم،بل من يقدم الرؤى والأحلام والمكاشفات على دين الله تعالى،هل قيد علمه بالكتاب والسنة؟وهل يُقتدى به في هذا الأمر؟فكل يعرف الجواب،ورحم الله امرأً تواضع لله ورجع إلى الحق فترك تقليده وهواه.
وكذلك هي من الكرامة :ترك الصلوات،وفعل المنكرات من لمس النساء والرقص معهن أو الخلوة بهن،بل أشد من ذلك: هل ترك التوحيد وتقرير الشرك من التعلق بالقبور وصرف خالص حق الله تعالى لها وللأولياء والطاعة العمياء في الشرك ،وكذا تعمير المشاهد وهجران المساجد،هل ذلك-بالله عليكم- من المناقب والمفاخر التي يسطرها الخلف عن السلف؟!.
ومن البلايا عند المخالفين–والبلايا كثيرة-ما ذكروه وهو أنّ الحلاج مرّ يوما على الجنيد فقال له: أنا الحق! ،فقال الجنيد: أنت بالحق أية خشبة تقسد.فتحقق فيه ما قال الجنيد؛ لأنه صُلب بعد ذلك([7]).
انظر إلى إنكار الجنيد على من يتبجح بعقيدة الحلول الإلحادية ،وفراسته في هذا الزنديق الذي لقي جزاءه ،وأفتى علماء عصره بقتله،وشكروا من قتله ،بل أُحرقت جثته بعد قتله: {وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج : 18].
ويقول الجنيد:" التوحيد: إفراد القديم من المحدث بفتح الدال "([8]).فهذا التعريف على ما فيه من القصور يرد على القائلين بوحدة الوجود أو الحلول،وبيان أنّ الله هو الخالق وأن ما سواه محدث مخلوق بعد أن لم يكن شيء.
وقد ردّ الجنيد على أهل السماع من: حضرات وموالد مصحوبة بالآلات الموسيقية وغير ذلك مما لا يليق بالمسلم فضلاً بأهل الصلاح أو الخواص : "إذا رأيت المريد يحب السماع فاعلم أنّ فيه بقية من البطالة"([9]) .
فأين الذين شغلوا أنفسهم وشغلوا الناس بالسماع،وأدخلوا آلات اللهو إلى بيوت الله جل وعلا باسم الحضرة ونحو ذلك ،هل يُطبق عليهم حكم الجنيد-رحمه الله-؟نسأل الله الهداية والرشاد.
وقيل لإسماعيل بن محمد السلمي -جد أبي عبد الرحمن السلمي- ،وقد لقي الجنيد وغيره :" ما الذي لا بد للعبد منه ؟ فقال : ملازمة العبودية على السنة ودوام المراقبة"([10]) .
فنسأل الله أن يبصرنا الحق ،وأن ييسر لنا درب العلماء الراسخين الذين يبنون الحق بدليله،يقول أبو ثور: ( لولا أنّ الله من علي بالشافعي للقيت الله وأنا ضال، قدم علينا وأنا أظن أنّ الله لم يعبده أحد بغير مذهب الرأي)، قال الشافعي: وضع الله نبيه وأهل دينه موضع الإبانة من كتاب الله مع ما أراد الله وفرض طاعته فقال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله )فليس لمفت أن يفتي ولا لحاكم أن يحكم حتى يكون عالما بهما ولا يخالفهما ولا واحدا منهما وإلا فهو عاص، وحكمه مردود ،وإن لم يجدهما منصوصين فالاجتهاد أن يطلبهما)([11]) .
فقارن هذا الكلام بمن خالف حكم الله في أعظم قضية وهي: التوحيد،ومن ثم قرر الشرك الأكبر ،والبدع المخالفات ودعا إلى ذلك ،وألّف المؤلفات لنصرة ما هو عليه،ولم يكتفِ بذلك بل كرس جهده في الهجوم على أهل السنة –الذين هم أرحم به من أبيه وأمه-،ونبزهم بالألقاب الجائرة،والأحكام الظالمة،ولا حول ولا قوة إلا بالله {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [قـ : 18].
ويقول المناوي:"رؤى الجنيد في المنام فقيل له: ما فعل الله بك قال: طاحت تلك الإشارات، وغابت تلك العبارات، وفنيت تلك العلوم، وبليت تلك الرسوم ،وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عندالسحر"([12]).
انظر –يا من تريد النجاة- إلى أسباب النجاة،وطرق الفلاح ،كما قال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون :1-2].فبادر أيها الموفق بكثرة العبادة للرحمن في السر والإعلان،ودع سبل الشيطان ،وطرق الخذلان فإنّ الأمر قريب،والسفر بعيد،أحيانا الله وإياكم على الإسلام والسنة.
وما أجمل ما ذكره الجنيد من الصفات التي تسمو بصاحبها إلى منازل الأخيار ،بقوله :" أربع ترفع العبد إلى أعلا الدرجات وإن قلّ علمه: الحلم، والتواضع، والسخاء ،وحسن الخلق"([13]).
انظر إلى هذه الصفات العظيمة التي ذكرها الجنيد،وهل اتصف بها من يكيل الشتائم للناصحين،وينبزهم بالأوصاف القبيحة،بل ويتهمهم في نياتهم وسرائرهم،والله الموعد.فنذكره بما قاله الماوردي الشافعي –رحمه الله-:" الهوى عن الخير صاد ،وللعقل مضاد ،ينتج من الأخلاق قبائحها ،ويظهر من الأفعال فضائحها ،ويجعل ستر المروءة مهتوكا ،ومدخل الشر مسلوكا"([14]).
وفي ختام هذا المقال: أسأل الله لي ولجميع المسلمين التوفيق والسداد،وأن يهدي من ضل إلى الهدى،وأدعو إخواني الناصحين إلى الصبر والمصابرة في الدعوة إلى الله تعالى،وليبشروا بالأجر الجزيل من رب الأرباب جل في علاه ،كما أدعو نفسي وإخواني للكتابة بأسلوب حسن لإلزام المخالف بالحق الذي قرره علماؤهم والمنسبين إليهم ،فلعل ذلك أوقع في نفوسهم،والهداية بيد الله وحده:{إنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود : 88]،والله أعلم ،وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
=======
([1]) يروى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم،ولا يصح.انظر:تخريج الشيخ الألباني لمشكاة المصابيح (1/49)برقم216.
([2]) تفسير ابن كثير(3/316).
([3]) انظر ترجمته في :طبقات الصوفية،لأبي عبد الرحمن السلمي(ص155)،وحلية الأولياء،لأبي نعيم الأصفهاني(10/255)،وسير أعلام النبلاء،للذهبي(14/66).
([4])الرد على القائلين بوحدة الوجود ،للقاري (ص135 ).
([5])تلبيس إبليس،لابن الجوزي (ص12).
([6])الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (1 / 389 )،وتلبيس إبليس( ص251).
([7])الفرق بين الفرق،للبغدادي(ص247):
([8])حاشية السندي على صحيح البخاري( 4/132).
([9]) الاعتصام ،للشاطبي(1/222).
([10]) المصدر السابق(1/67).
([11])أحاديث في ذم الكلام وأهله، لأبي الفضل المقرىء( 3/33).
([12])التيسير بشرح الجامع الصغير،للمناوي(1/593)،وفيض القدير،له أيضا(2/462).
([13])فيض القدير (3/115).
([14])المصدر السابق( 3/163).
**********
شبكة صوفية حضرموت