أوراق ذابلة من حضارتنا



كتبها ( دكتور ) عبد الحليم عويس
علق عليها:فيصل الملوحي






الحلقة الثانية
من قصص سقوطنا في أوروبة
آخر خطواتنا في أوروبة



قصة ‏"‏ الغنيمة ‏"‏ في تاريخنا غريبة، والدرس الذي تلقيه علينا-كذلك- أغرب‏!‏‏!‏

لقد بدأت أولى هزائمنا بسبب الغنيمة، ولقد وقفنا مرغمين- عند آخر مدى وصلت إليه فتوحاتنا، بسبب الغنيمة - كذلك ‏!‏‏!‏

فقصة الغنيمة.. هي قصة الهزيمة في تاريخنا ‏.‏
( نعم! التفكير في الغنيمة سبب للهزيمة، غير أن قصة الهزيمة في تاريخنا لا يرويها الطمع في الغنيمة وحده، فهناك هزائم أخرى كثيرة لم يكن فيها الطمع في الغنيمة سبب الخذلان!! )
كان قائد المعركة الأولى الرسول العربي- عليه الصلاة والسلام-، وخالف الرماة أمره، وخافوا من أن تضيع فرصتهم في الغنيمة.. فكانت‏"‏ أحد‏"‏ وشهدالجبل العظيم استشهاد سبعين رجلا من خيرة المسلمين.. بسبب الغنيمة.. نعم بسبب الغنيمة ‏!‏‏!‏

وكان قائد المعركة الأخيرة‏"‏عبدالرحمن الغافقي‏"‏ آخر عربي قاد جيشا عربياً منظما لاجتياز جبال البرانس، وفتح فرنسة ، وللتوغل - بعد ذلك - في قلب أوروبة ‏.‏

وهزم الغافقي..سقط شهيدا في ساحة‏"‏ بلاط الشهداء ‏"‏إحدى معارك التاريخ الخالدة الفاصلة..وتداعت أحلام العرب في فتح أوربة، وطوَوْا صفحتهم في هذا الطريق.. وكان ذلك السبب نفسه الذي استفتحنا به دروس الهزيمة.. أعني بسبب الغنيمة ‏.‏

ومنذأن استقر العربفي المغرب والأندلس وهم يطمحون إلى اجتياز جبال البرانس وفتح ماوراءها، هكذا أراد‏"‏موسى بن نصير‏"‏لكن الخليفة الوليد بن عبدالملك‏"‏خشي أن يغامربالجيش في طريق مجهولة. ثم فكرالسمح بن مالك الخولاني‏"‏والي الأندلس تفكيراًجادّاًمابين عامي١۰۰- ١۰٢هجرية،وتقدم فاستولى على ولاية"‏سبتماية‏"‏الساحلية المطلةعلى البحر الأبيض المتوسطجنوب فرنسة، وعبرجبال البرانس، وتقدم فنزل في أرض فرنسة منعطفا نحو الغرب حيث مجرىنهرالجارون، مستوليا في طريقه على ما يقابله من البلدان، حتى وصل إلى- تولوز- جنوب فرنسة-لكن لم يستطع أن يستقر فيها، وقتل السمح، وتراجعت فلول جيشه تحت قيادة أحدقواده‏"عبد الرحمن الغافقي‏"‏فكأن السمح لم ينجح إلافي الاستيلاء على سبتماية.‏

ثم واصل الوالي الجديد بعد‏"‏عنبسة بن سحيم الكلبي‏"‏ التقدم نحو أوربة، وإن كان قدغيّرطريق سيره، وتمكن من الوصول إلى‏"‏ أوتان‏"‏ في أعالي نهر الرون، لكنه لم يكن حذرا فلم يؤمِّن طريق عودته فانتهى الأمر بقتله وعاد جيشه إلى أربونة في سبتماوية .‏

لكن عبد الرحمن الغافقي، كان الشخصية الحاسمة التي أرادت التقدم في أوربة وحرصت عليه، وكان عبد الرحمن مشبعا بروح الواجب والرغبة في الثأر لما أصاب العرب من قبل بقتل‏"‏السمح‏"‏وحين رجع بالجيش إلى سبتماوية- أعلن الغافقي النفير للجهاد في الأندلس كلها وفي أفريقية، وقد جاءته وفود المتطوعين من كل مكان، كما أنه من جانبه استعداستعدادا كبيرا لهذا الغزو-‏ ‏.‏

ولقد التقى العرب والبربر- (بربر في الفرنسيّة berbères، وأصل اللفط عربيّ، أما برابرة = barbares وأصل اللفط لاتينيّ. ووقع الالتباس بين اللفظين لتقاربهما، والخطأ كان خطأ تعريب لفظbarbaresتعريب الألفاظ - وليس النصوص- لا يعني نقل المعنى إلى العربيةهنا – و إنّما صوغ اللفظ غير العربيّ على الوزن العربي ).- بالأفرنج بين بلدتي‏"‏ تورو‏"‏ و‏"‏ بواتيه‏"‏على مقربة من باريس، وكان قائد الأفرنج"‏شارل مارتل‏"‏ وزير دولة الفرنجة وأمين القصر، و"‏ عبد الرحمن الغافقي ‏"‏ - قائد جيوش العرب .

كانت المعركة شديدة قاسيةاستمرت قريبا من سبعة أيام،والجيش الفرنجي وحلفاؤه أكثرمن جيش العرب، ولكن العرب أحسنوا البلاء في القتال،وكاد النصر يتم لهم.. لولا أن ظهرت قضية‏"‏الغنائم ‏"‏!‏‏!‏ عرف المسيحيون أن لدى الجيش العربي غنائم كثيرة حصل عليها من معاركه أثناء تقدمه من قرطبة حتى ‏"‏ بواتيه ‏"‏..وقد أثقلت هذه الغنائم ظهور العرب، وكان من عادة العرب أن يحملوا غنائمهم معهم، فيضعوها وراء جيشهم مع حامية تحميها‏.‏ وقد فهم الأفرنج هذا، ونجحوا في ضرب العرب بالتركيز على هذا الجانب، لقد شغلوهم من خلفهم‏.‏من جانب الحامية المكلفة بحراسة الغنائم..ولم يفطن العرب للتخطيط الأفرنجي، فاستدارت بعض فرقهم لحماية الغنائم من الخلف.. وبقيت أخرى قليلة تقاتل الأفرنج من الأمام.. واختل نظام الجيش العربي.

وعبثا حاول عبدالرحمن الغافقي إنقاذ نظام الجيش العربي، إلا أن سهما أصابه وهو يبذل محاولاته المستميتة..فوضع حدا لمحاولات الإنقاذ، وأصبح الجيش العربي دون قيادة..وتقدم الأفرنج فأخذوا بخناق العرب من كل جانب وقتلوا من جيشهم كثيرين‏!‏‏!‏

لقدكانت‏"‏بلاط الشهداء‏"‏سنة١١٤هجريةآخرخطوات المدالعربي في اتجاه أوربة، أوعلى الأقل آخر ماعُرف‏.‏

توقف المد.. لأن بريق المادة تغلّب على إشعاعات الإحساس بالواجب ‏!‏‏!‏
ومن يسقط في هاوية البحث عن الغنائم فلا يمكن أن ينجح في رفع راية حضارة‏.‏