أخي في الإنسانية , أينما كنت , وحيثما حللت , لعلّني لا أجاوز الحقيقة إن قلت لك : لقد جرفتك الحياة في تيارها القوي وسكنت نفسك إلى ما تموج به من لذات ومتع , فأخذت تغرف من بحرها بنهم عجيب , لا تشبع من المال مهما اغترفت منه و لا تقنع من النساء بزوجة ولا اثنتين ولاثلاث ولاأربع , الجنس عندك أس الحياة , وربما تصوّرت أنك من أجله تعيش , إرضاء ولدك له شأن في حياتك وأي شأن ! ولو قادك إرضاؤه إلى الظلم ظلمت وإلى البطش فعلت , بل لاأبالغ إن قلت لك : ترضيه ولو كان ثمن إرضائه النار . فتنت بالمركب ولم تعد ترض بما رضي به من قبلك حيث كان مركبهم المفضّل , الخيل العربية الأصيلة , واخترت لك مركباً آخر , سيّارة فخمة , قطار سريع , طائرة , .. أجل إنها نعم امتنّ الله بها عليك , لكنها انقلبت إلى كأس من الخمرة , جعلك تتطوّح سكراً , وغاب منك أشرف ما فيك , عقلك وخلقك وتنكّرت للمنعم المتفضّل , فاستكبرت واستعليت على الآخرين وأخذت تعيث في الأرض فساداً . ملئ منك القلب أثرة وأنانية , وقلت : سعادتي أولاً وليذهب الآخرون إلى الجحيم . لا يهم أمتص دماء الشعوب وأحيا , أشنّ الحروب وأريق الدماء , وانهب ثروات الناس هنا وهناك , أخرّب بلدانهم لأبني بلدي . أعيش في كون الله , ولاضير إن عصيته , وآكل من رزقه , ولامشكلة عندي إن خالفت أمره وانقلبت على منهجه الّذي صاغه بكل عناية من أجلي , أنا حرّ ولو جرّت ممارساتي كل ألوان الأذى للآخرين . لا يحق لأحد أن يناقشني فيما أقول أو أفعل , أنا أعيش عصر العلم والحضارة فلا بد أن أسلك مع الآخرين طريق الصراع لأنه طريق البقاء . اخترت لنفسك طريق البقاء للأقوى وجنحت عن طريق البقاء للأعدل , أقول لك : هذا أنت . لكن قف معي لحظات أراها لك جدّ نافعة , وارعني سمعك وعقلك , فإني أمدّ يدي إليك غيرة مني عليك , لعلك تنقذ نفسك من المصير القاتم الّذي لابد أن تصير إليه مهما طال بك العمر , إنّه الموت , أجل إنه الموت الّذي لا يسعك إنكاره بحال من الأحوال , فربك إن كنت موقناً أن لك ربّاً , يذكرك بهذا المصير فيقول : ( كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشرّ والخير فتنة وإلينا ترجعون . ) إنها السنة الكونية الربانية الّتي يخضع لها الإنسان قسراً شاء أم أبى , فأحرز نفسك قبل أن تفاجئك سكرات الموت , وتقول : ( ربّ لولا أخّرتني إلى أجل قريب فأصّدّق وأكن من الصالحين . ) فيأتيك الجواب , ( ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون . ) تذكّر أنك كنت يوماً ما نطفة دقيقة لاتراك العين , فما أضعفك , وأنت تسبح بين ملايين النطاف في صلب أبيك , أما خطر منك على بال أيام كنت عاجزاً عن تهيئة طعامك وشرابك ولباسك الّذي تستر بدنك , ويقيك برد الشتاء القارس , ويدفع عنك حرّ الصيف اللافح , فأقام الله لك أبويك وحمّلهما مسؤولية رعايتك وتهيئة حاجاتك . لم نسيت هذا كله ؟ ولم تعد تذكر إلاّ أنانيتك وأثرتك ولم تعد تلوي على شيء إلاّ ما يصلك بدنياك , أجل دنياك , وانصرفت عن فاطرك ومولاك بكل وقاحة , وأنت تتمتع بأنعامه وأفضاله , فأي إنسان أنت يا أكرم الخلق على خالقك ؟! أنت تعرف من أنت . ولن أقول لك من أنت . لكن مهما طال بك البقاء في هذا الكون لابد أن تعلن ساعة الرحيل فإذا تمددت على الفراش واجتمع حولك الأهل والأصحاب والزوجة والأبناء , وربما الأطباء والعلماء من أقرانك , فاعلم أنهم لم ولن يغنوا عنك شيئاً , كيف وقد حلّ بك الموت وشبحه الرهيب منك يدنوا , الروح تفارق بدنك لحظة بلحظة , وقد حشرجت في صدرك الأنفاس , والجم لسانك عن الكلام وأصبحت على وشك الرحيل إلى عالم ما كنت أبداً تحسب له حساباً , ارحل غير مأسوف عليك لأنك فرطت أيما تفريط , أنقذ نفسك قبل فوات الأوان , حتى لا يعتصر الندم قلبك بعد فوات الأوان . أليست الكلمات في العمق ؟ الجواب عندك . والحمد لله ربّ العالمين .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ