د. فؤاد بو علي
جــلــد الـــذات بين شفرة دافنتشي وماروك المراكشي
عرفت الساحة الفنية ـ على الصعيدين العالمي والوطني ـ في السنة الماضية نقاشا طويلا ومعقدا حول حدود الإبداع الفني ومدى موافقته لمعطيات الهوية وقيم الانتماء . فقد انبنت الحضارة الحديثة بقيمها العلمانية والديمقراطية والحداثية على الإيمان بقدسية الحرية في مختلف تجلياتها ، حتى وصلت إلى مستوى غدا فيه كل شيء مباحا للنقاش والتعريض ، والمقدس نموذجا للكبت والقمع والحرمان من الحقوق الآدمية . لكن الأحداث الأخيرة أثبتت أن القيم الحداثية في حاجة إلى مراجعة دقيقة وإعادة قراءة لتحافظ على هوية الشعوب ومعتقداتهم . فمن الرسوم الكاريكاتورية مرورا بالفيلم / الزوبعة "شيفرة دافنتشي "وصولا إلى "ماروك " ليلى المراكشي ...والقائمة طويلة ، أصبح الإبداع الفني تعبيرا واضحا على الحرية المتوحشة في عالم المتناقضات .
فقد أعلنت الطوائف الدينية في الغرب والشرق حربا ضروسا على فيام "شيفرة دافنتشي" الذي يتحدث عن مؤامرة خطط لها الفاتيكان بالاشتراك مع منظمة كاثوليكية محافظة تدعى "أوبوس داي" لإخفاء علاقة السيد المسيح عليه السلام مع مريم المجدلية وإنجابهما الذرية. وبالرغم من إحجام الفاتيكان عن الرد أو مناقشة العديد من الإنتاجات الفنية المتعاقبة ، فإن تدخلها في هذا الحديث قد فسر بمحاولة استعادة تدخله في توجيه دفة الحياة الاجتماعية والعقلية للإنسان المسيحي . وقد عب ر الكاردينال النيجيري فرانسيس أرينزار -الذي كان أحد المرشحين لخلافة البابا السابق جون بول- عن موقف أكثر حسما، حين دعا المسيحيين إلى عدم السماح بالانتقاص من العقيدة المسيحية. وحث أرينزار أنصار الكنيسة على استخدام الوسائل القانونية في التصدي لمن أسماهم "مشوهي المعتقد المسيحي"، وقال في إشارة إلى موقف المسلمين للدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يتعلق بالرسوم، "إن أتباع إحدى الديانات (أي المسلمين) لم يغفروا لأحد المساس برموزهم الدينية، وإن حدث فإنهم يجعلون العقوبة قاسية". كما طالبت العديد من المنظمات الإنجيلية حذف الفيلم الذي افتتح به مهرجان كان السينمائي من التداول . ونفس الموقف اتخذته بعض الحكومات العربية التي منعت دخوله أراضيها . حيث صادرت سلطات مطار القاهرة الدولى يوم 26 من حزيران الجاري نحو 300 نسخة من كتاب " شفرة دافينشى" لحساب احدى دور النشر المعروفة في مصر، وقال مصدر في الإدارة العامة للرقابة على المطبوعات في مطار القاهرة الدولى في تصريح صحافي أن الإدارة منعت دخول الطرد القادم من باريس على متن رحلة الخطوط الجوية الفرنسية وذلك تنفيذا لقرار من وزارة الثقافة المصرية بمنع تداول الكتاب .وكان وزير الثقافة المصري فاروق حسنى قد قرر منع تداول الكتاب في السوق المصرى ومنع طبعه اضافة الى منع عرض الفيلم المأخوذ عنه باعتباره يسيء إلى الدين المسيحى وذلك استجابة لطلب عدد من نواب مجلس الشعب المصري .
أما االفيلم المغربي"ماروك " فبالرغم من كل محاولات الدفاع التي ما فتئ زبانية التغريب والمدافعون عن القيم الحداثية يكيلونها للفيلم وصاحبته فإن الصدمة التي زلزلت الساحة الفنية والثقافية المغربية هو عرضه لنموذج انهزامي مؤسس على جلد الذات المغربية وعرضها بصورة أقل ما يقال عنها أنها هزيلة وسوداوية المسحة . يدور الفيلم حول مجموعة من الشباب المنتمين إلى الشريحة العليا من المجتمع المغربي وبينهم "يوري " الشاب اليهودي الذي يرتبط عاطفيا بفتاة مسلمة ‚ ويظهر الفيلم هذا الشاب بصورة ايجابية إلى جانب موقفه الأخلاقي في رفض ممارسة الجنس مع فتاة لا يعرفها خلافا لما فعله صديق مسلم له . يقابل ذلك صورة شقيقها المتدين الذي يؤدي الصلوات ولا يشرب الخمر والذي عندما يعرف بعلاقة شقيقته بالشاب اليهودي يضربها . والفيلم كما قال عنه أحد النقاد المغاربة وهو يتحدث عن مخرجته بأنها :" جعلت من الشخصية اليهودية بطلا وضحية وجعلت من المغاربة التوابع والخدم واللصوص وبائعي الحشيش بطريقة لم يستطع أي فيلم أجنبي أن يقدمها عن بلادنا ".
لكن ما الذي يجمع بين الفيلمين / النموذجين ؟
نعتقد أن الجامع المشترك بين "شيفرة دافينتشي" و"ماروك" هو رؤيتهما المستفزة لقيم الذات ومحاولتهما الدؤوبة للانتقاص منها . فكما أن للفيلم الأمريكي مساندوه من أمثال الممثل توم هانكس الذي يؤدي فيه دور البطولة والمشرفين على مهرجان (كان) السينمائي باسم حرية الإبداع وعلمانية الفن ، فإن لماروك من يدافع عنه بأنه ليس إلا بورتريه أو وصف للشباب المغربي الميسور، الذي يعيش على الطريقة الغربية ويظل متشبثا بتقاليد بلده ، ومن بين المنافحين بقوة المشرفون على المهرجان الثامن للسينما الوطنية المغربية في مدينة طنجة تحت إدارة الناقد ادريس الجعيدي. كما أن حوار البطولة لا يختلف بين روبرت لانغدون الأستاذ في جامعة هارفرد الأخصائي في دراسة الرموز والشاب اليهودي يوري من حيث تعبيرهما عن محاولة القراءة الهجومية للذات . فهما معا يمثلان الآخر في تقمصه لرؤية هجومية مستوحاة من مطالبة الكشف عن المستور في هندسة الأنا . وهذا الكشف الذي يتسلح بالعلم (علم الآثار) في حالة الفيلم الأمريكي ، والسمو الخلقي عند اليهودي في النموذج الماروكي ، هو تعبير عن حالة انهزامية في معرفة مفاصل هذه الذات المقاربة .
إن ما قامت به المراكشي ليس بسيطا إلى غاية اعتباره أمرا عاديا في وطن يعيش تناقضات الانتقال الحداثي بل هو قراءة متعسفة لقيم الذات واعتراف صريح بعدم الانتماء إليها ، بل الأكثر من ذلك الهجوم الفاضح عليها بشكل لم نجده إلا في الأفلام الهوليودية التي تصور العربي بصورة نمطية بدوية همجية . فعن أي ماروك تتحدث (المراكشي) ؟ إنه مغرب متخيل في وهم المنتجين الأجانب الذين مولوا هذا المولود المشوه .
إن المعالجة الفنية والنقدية للإنتاجات الفنية الحديثة بمختلف أصنافها والزوابع التي تثيرها في المحافل الوطنية والدولية ،تثبت بما لا يدع مجالا للشك أننا في حاجة إلى مراجعة حضارية لقيم الحداثة وضبطا لحرية الإبداع بشكل لا يصادم قيم الذات ولا يزلزلها ولا يعرض مشاعر الناس وهوياتهم للاحتقار .

السلام عليكم
كنت اعتقد وقد كتبت مقالا في هذا الشان ان الأديب العربي تميز بجلد الذات طوعا وطبعا على غرار الغربي الذي مهما حدث له يبقى راكضا ركضا حثيثا لمستقبله بعناد..
وان كان العمل الفني الغربي يقلل من شاننا مثلا فقد قمنا بمساهمة فعالاة لجعل صورتنا بهذا الشكل
أما االفيلم المغربي"ماروك " فبالرغم من كل محاولات الدفاع التي ما فتئ زبانية التغريب والمدافعون عن القيم الحداثية يكيلونها للفيلم وصاحبته فإن الصدمة التي زلزلت الساحة الفنية والثقافية المغربية هو عرضه لنموذج انهزامي مؤسس على جلد الذات المغربية وعرضها بصورة أقل ما يقال عنها أنها هزيلة وسوداوية المسحة . يدور الفيلم حول مجموعة من الشباب المنتمين إلى الشريحة العليا من المجتمع المغربي وبينهم "يوري " الشاب اليهودي الذي يرتبط عاطفيا بفتاة مسلمة ‚ ويظهر الفيلم هذا الشاب بصورة ايجابية إلى جانب موقفه الأخلاقي في رفض ممارسة الجنس مع فتاة لا يعرفها خلافا لما فعله صديق مسلم له . يقابل ذلك صورة شقيقها المتدين الذي يؤدي الصلوات ولا يشرب الخمر والذي عندما يعرف بعلاقة شقيقته بالشاب اليهودي يضربها . والفيلم كما قال عنه أحد النقاد المغاربة وهو يتحدث عن مخرجته بأنها :" جعلت من الشخصية اليهودية بطلا وضحية وجعلت من المغاربة التوابع والخدم واللصوص وبائعي الحشيش بطريقة لم يستطع أي فيلم أجنبي أن يقدمها عن بلادنا ".
لكن ما الذي يجمع بين الفيلمين / النموذجين ؟

شيئ مؤسف حقيقة هل لواقعنا الحارق المنهزم دورا في ذلك؟
مازلت اتساءل
ولي معكم جولة اخرى في اضاءات على رواية للصحفية والكاتبة الكبيرة/ذكرى محمد نادر تعكس بيئتنا الصعبة المسحوقة بقهر الايتعكار حتى الثمالة.
الف تحية