يعتقد الكثير منا أن الثروة في جمع المال وتكدسه ولكن المال مهما كثر فمصيره إلى النفاد والزوال ولا تبقى إلا المبادىء والقيم .. وأذكر في هذا المقام ما كتبه الفاروق عمر بن الخطاب ( رضى الله عنه ) إلى ابنه عبد الله في غيبة غابها :
( أما بعد .. فإن من اتقى الله وقاه ومن توكل عليه كفاه ومن شكره زاده ومن اقترضه جزاه فاجعل التقوى عمار قلبك وجلاء بصرك فإنه لا عمل لمن لا نية له ولا خير لمن لا خشية له ولا جديد لمن لا خلق له ) .
وهذه القصة التي سأسوقها لك عزيزي القارىء وقعت فعلاً في الحياة حيث كان الحاج ( خليل ) العامل المتقاعد العجوز الذي جاوز سن المعاش القانوني عائداً إلى بيته فأحس بإحدى قدميه تصطدم بحقيبة ثقيلة على جانب الطريق وتوقف الحاج ( خليل) وانحنى يفتح الحقيبة فإذا به يفاجأ بما لم يكن على بال .. فقد كانت الحقيبة الأنيقة تحوى ثروة من المال .
أعاد الحاج ( خليل) غطاء الحقيبة إلى مكانه وحملها وراح يبحث عن اقصر طريق يوصله إلى قسم الشرطة الذي لم يدخله مرة واحدة في حياته .. وهناك سلم الثروة التي عثر عليها وعندما أحصوها وجدوا أنها تزيد على المائة ألف جنيه .
أنصرف الحاج (خليل) في هدوء عائداً إلى بيته بعد أن ترك أسمه وعنوانه .
فى الشقة التي يعيش فيها مع زوجته وابنه الوحيد جلس يروى قصته مع الحقيبة وقال لأسرته :
لم يخطر ببالي للحظة واحدة أن أحتفظ بهذا المال الكثير .. كان همى كله أن أعيده لصاحبه ولم يكن أمامي إلا الذهاب لقسم الشرطة .
استطاعت الشرطة أن تصل إلى صاحب الحقيبة .. انه أحد البنوك حيث كانت سيارة البنك تحملها مع ست حقائب أخرى تحوى مبالغ كبيرة وعندما فتح الباب الخلفي الذي أهمل الحرس إغلاقه سقطت الحقيبة فى الشارع .
فى مساء ذلك اليوم كان الحاج ( خليل) يشاهد أحد برامج التليفزيون وفجأة سمع اسمه يتردد على لسان رجل وقور يجلس إلى مكتبه .. انه مدير البنك الذى أعادت إليه الشرطة المبلغ الضائع وراح مدير البنك يشيد بأمانة الحاج (خليل) ويتوجه إليه بالشكر بينما كان الحاج (خليل) يستمع إلى كلماته وهو يشعر بين أهله ومعارفه بالسعادة والأمان .
وقالوا له بعد أن انتهى البرنامج التليفزيوني : ألم تحصل على مكافأة ؟
قال الحاج خليل : بل حصلت عليها وأكثر .. يكفى أننى أعيش اليوم مكرماً وسط أسرتي وأهلي وجيراني .. أنني فخور بما فعلت .. هذه هى ثروتي الحقيقية .
_________
من كتاب حديث القلم
للأديب الصحفى إبراهيم خليل إبراهيم