حراسة مفهوم (الرمز) الغائب

الفرد في دهماء الشعب لا قيمة له واضحة، دون إلزام نفسه بالانضباط والالتزام بما يفرضه عليه مَن يؤمن (هو) بأنهم حراس للرمز الذي لا يجعل من فرديته البائسة ذرة من غُبارٍ متطاير لا قيمة لها. وحراس الرمز لا قيمة لهم من دون أن يكون لهم أتباعاً من دهماء الشعب، الذين لم يطمحوا للارتقاء بأنفسهم ليكونوا بمثابة حُراسٍ للرمز، كما لا يستطيع هؤلاء الأتباع أن يحافظوا على كينونتهم دون حراسٍ لديهم القدرة على ابتكار وسائل الحفاظ على جاذبية الرمز.



قد يكون (الرمز) حاضراً على قيد الحياة، بصفته الفردية وما يتمتع به من هالة لها كاريزمية فرضتها تسلسل الأحداث، وقد لا يراه كل أتباعه ومريديه، ولكن لن يقلل هذا من شأن ولاءهم الشديد له. وقد يختفي هذا الرمز فجأة بالموت، فيتشتت أتباعه لدرجة التشظي أو الاختفاء كلياً أحياناً. فقد كان ديجول مثلاً رمزاً هاماً لأتباعه، ولكن بموته، لم يبق أتباعه كما كانوا في حياته.

وفي حالات اختفاء الرمز، يهتم من كان محيطاً به ومفتوناً ومؤمناً بتعاليمه أن يدعي بأنه أكثر الأتباع أمانة وقدرة على الحفاظ على هيبة ومكانة الرمز. ويحدث أن يظهر أكثر من واحدٍ يدعي هذا الادعاء، فيحدث اصطدامٌ بين الأدعياء أو أتباعهم ليظهر بذلك انشقاقات مذهبية عقائدية وفكرية، وهذا كان يحدث في الديانات والمذاهب واختراع الطوائف المريدة لكل مُنشقٍ ومجتهد.

يكون الالتفاف حول رمزٍ معين مثاراً للانتقاد من قبل خصومه، فيركز هؤلاء الخصوم على نقاطٍ معينة ويشبعونها تعليقاتٍ لاذعة وساخرة، كما كان يحدث عندما تتناول الصحف الرأسمالية موضوعات معينة داخل الاتحاد السوفييتي السابق، أو كما تتناول اليوم بعض المواقع الإلكترونية طائفة دينية معينة، أو حتى ديناً كاملاً، كقضية الرسوم المسيئة للرسول صلوات الله عليه.

وبقدر ما تستهزئ التعليقات المعادية برمزية جماعة معينة، بقدر ما يزيد التفاف الجماعة حول رمزهم، فيصبح الالتفاف والولاء كأنه أحد النتائج التي صنعها الهجوم والسخرية الآتية من خارج الجماعة، ومثال ذلك اصطفاف الكتاب والفنانين والسياسيين بأنواعهم في مصر والجزائر كلٌ حول رمزه، بعد المباراة التي جمعت فريقي البلدين.

وأحياناً يطلق التابع لنفسه العنان للدفاع عن رمزٍ اختاره، دون توجيه من أحد، فكنا نرى بعض الشيوعيين العرب، يقدمون سيارة (لادا) الروسية الصنع، على سيارة (مرسيدس) الألمانية، وهم يعلمون حقاً أفضلية الأخيرة عليها. وكنا نرى بعض المراهنين العرب ممن لا يرغبون بانتصار حزب الله في لبنان، بالسخرية من إمكانياته أمام الآلة العسكرية الصهيونية الجبارة!

عندما تضعف قدرة حراس الرمز على الابتكار وشد أتباعهم نحو مركزية الرمز، فإن عموم الأتباع من الدهماء ستنصب من بينها حراساً للرمز كيف تشاء.