مهنئون
د. فايز أبو شمالة
لم أكن أعرف أن العودة من الحج مناسبة اجتماعية، يأتي فيها المهنئون والأصدقاء، ويلتقي معها الأحبة مباركين، كنت أحسب أن الحج سفر إلى الخارج، ولا يحتاج كل هذا الاحتفال والاستقبال والتهنئة، وكنت أحسب أن أي سفر يطول إلى الخارج هو أقرب إلى الحج، وكنت أحسب أن الحج شعائر تؤدي، وأنه ركن من أركان الإسلام، مثله مثل الصلاة والزكاة والصيام، ولا داعي لكل هذا التوديع للذاهبين إلى الحجاز، ولا داعي لكل هذا الاستقبال للعائدين من الحجاز، ولا داعي لأن نقول: يا حاج!.
بعد أن جربت شخصياً، وسافرت إلى تلك البلاد البعيدة مكانياً، والقريبة وجدانياً من كل المسلمين، بعد أن خطوت على التراب ذاته الذي خطا عليه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، وخطا عليه الخلفاء والصحابة الأولين الصالحين، وبعد أن ذبت في المكان، وتسلقت على سلالم الزمان، تغيرت نظرتي للعائدين من بلاد الرسول، وصرت أراهم أناساً من جديد، بعد أن تحملوا المشقة، وتطهروا من دنس الدنيا ولو لأيام، واغتسلوا من ذنوبهم، وعادوا يحملون في وجدانهم نبض التجربة.
لقد فاجأني حجم المهنئين الذين زاروني في البيت، وأسعدتني التهيئة الخاصة من رئيس مجلس الوزراء الأخ إسماعيل هنية، أبو العبد، ولقد فرحت للعدد الهائل الذي زارني من الناس عامة لمدة أسبوع كامل، ومنهم الأصدقاء، ومنهم الوزراء، ووكلاء الوزارة، وضباط الأمن، ولكن أكثر ما شدني هو حجم أفراد عائلتي الذين جاءوا للتهنئة، ولم يتخلف إلا القليل منهم، وعندما سألت: لماذا لم يأت فلان، وفلان لتهنئتي؟ كان الجواب الذي أعرفه: إنهم يخافون من قطع الراتب، فلو جاءوا لتهنئتك، فإن رواتبهم ستقطع من رام الله، وهذا من سيئات الانقسام الذي صار مؤلماً اجتماعياً، ومفككاً للروابط الأسرية.
وسط هذا القطع الاجتماعي الرأسي الذي سببه الانقسام السياسي في ساحتنا الفلسطينية، أقدم احتراماً خاصاً للدكتور أسامة الفرا، أبو العبد، محافظ خان يونس، له ولمن جاء معه من حركة فتح مهنئين، لقد وثقوا بأنفسهم، ورفضوا أن يغيروا قناعاتهم.
في هذا الأجواء؛ أجد عذراً لأفراد عائلتي الذين لم يأتوا لزيارتي، ولاسيما أولئك الذين اتصلوا هاتفياً، واعتذروا. لأن أمثالهم كثير في كل العائلات التي تأثرت سلباً بالانقسام، فصار الولاء الفكري والانتماء السياسي والتنظيمي أهم من الانتساب العائلي.