انتابت مشاعر الغيظ والحسد الخل الخائن عندما رأى العرب في الخل الوفي ثالث المستحيلات إذ رأى في ذلك مدحا له وإن كان فيه أيضاً


معاني سيادته في أرجاء المعمورة لكن الغيرة المنحرفة عن قطارها الفطري حجبت عن أعينه تلك المعاني فأراد أن أن يثبت للشعر والنثر


والذاكرة البعيدة والحاضر القريب , بأن الخل الوفي ليس ثالث المستحيلات, رغبة منه في إخفاء الخل الوفي حتى من ألفاظ العرب ليصبح


حكمه حكم العدم الذي لم ولن تعرف الإنسانية شيئا يذكر عن معانيه و.......ألفاظه , فمضت السنين , وطال السفر , ولما يجد ضّالته بعد


, حتى رمت به الأقدّار أمام أبواب مدينة يسودها الضباب والظلام في جلّ أوقاتها , فإذا به يصطدم برجل قد خرج منها وهو يسارع في خطاه


ويتلفت من حوله , كالهارب من خطر قادم لا يعلم من أين جهة سيأتيه .

فقال له بدهشة واستغراب : ويحك يا رجل لماذا تسارع في خُطاك كمن يسابق الفهد والغزال في سباقهما إلى الحياة الآمنة في صورة نجاح


في القتل أو الهرب فأجابه : أنا الخل الوفي , و إني أعيش ُ وحيداً في هذه المدينة مع قومٍ يدعون المودّة والصداقة و رائحة الخيانة تفوح


من أقوالهم و أفعالهم , طعامهم التملق و شرابهم الرياء فلبثت فيهم بضع سنين باحثا في كل أرجائها عن الصّاحب البّار لصاحبه


الصادق في وده المخلص في عشرته لكنني لم أفلح في غايتي هذه واليأس قد وجد أخيراً طريقه إلى نفسي والتعب من كثرة التطواف


والبحث قد نال من جسدي و أحبط همتي رغم أن الإحساس بأن هناك أناس قليلون مثلي يقطنون في هذه المدينة ويبحثون عني كما أبحث


عنهم لا يفارق مخيلتي, يجمعنا طريق الأمل باللقاء ويفرقنا صعوبة الوصول إليه , فأثرت الرحيل إلى مدينةٍ أخرى لعلّي أجد ضّالتي

المنشودة فيها و أسأل الله أن يجمعني به عما قريب ,فارتسمت ابتسامة عريضة على وجه الخل الخائن كابتسامة القائد المنتصر الذي

اعترته نشوة النصر

وقال له : ها قد عرفتك يا رجل فمال بال العرب يدعون أنك ثالث أبناء المستحيل


فأجاب الخل الوفي : نعم .........يا نقيضي إن في الحياة أشياء جميلة تُعطيك من الحب..... هو ومن العلم......هو

ومن البصيّرة...... هي ومن الفضيلة ........هي ولكنها أشياءُ باهظة الثمن نفيسةُ المنشأ تكاد أن تمسي ولعلّو قدرها مهراً

تحلم به كُل أميرات القصر في زمن الفارس الوحيد , و لكنها أشياءُ نادرة الوجود حتى إنّها لتبدو خارجة من رحم العقم

و لأجل ذلك رأى العرب في الغول والعنقاء مستحيلان يشبهان زوايتي مثلث تبحثان عن أختاهما الثالثة , ليكتمل رسم المثلث

بخيالين وحقيقة تشبه الخيال لغلبة الظل فيها على الوجود المادي والإنساني والعاطفي لها .


فنظر إليه الخل الخائن نظرة المحتار في أمره إذ كيف يقول العرب إن الخل الوفي هو ثالث أبناء المستحيل , رغم يقينهم

بأنه الحقيقة التي تندر الأوقات التي يشعرون بها ثم قطع حديثه مع نفسه ونظر إلى الخل الوفي وسأله سؤالا أراد من جوابه

حسم الأمر نهائيا حتى يقطع مع الشك حيرته


فقال له : إذا لست أبناً شرعياً من أبناء المستحيل


فأجاب الخل الوفي : ثكلتك أمك يا رجل أفلا تراني أمامك أحادثك وتحادثني :


فقال الخل الخائن له : حسنا لقد تأكدت أنك الأبن الضّال الكاذب من أبناء المستحيل , ولكن أين لي أن أراك إن أردت اصطحابك

إلى كل بلاد العرب حتى أريهم إياك بأم أعينهم فيكفوا عن الحديث عنك .


فأجاب الخل الوفي : إنك لا تقدر على رؤيتي وصحبتي ما دامت رائحتك الكريهة تصل لي قبل قدومك فأغادر المكان حالا

كما أني وقومي نسكن في بلاد ليس بوسع أمثالك العيش أو التواجد فيه إننا نقطن في دولة الفضيلة في مدينة الوفاء

هناك يتربى الواحد فينا تربية الإنسانية التي يريدها الرحمن البارىء المصور في أبهى صور نفسية لا التي يريدها أباك إبليس

و أعوانه هناك موطني وموطن أقراني كما أن شجرة الزيتون عندما تغرس في أرض خصبة طيبة , لا تعطيك كل زيتونة منها

إلا زيتا يسّر الناظرين إليه , ويشفي صدور قومٍ مؤمنين .


فقال الخل الخائن : حسناً.........هل لك أن تتفضل عليّ بحسن خلقك وسعة صدرك ونُبلِ معدنك فتهبني بصورة لك حتى أضع العرب

أمام حقيقة أنك لست ثالث المستحيل عندهم حتى ولو من باب التشبيه والبلاغة .


فأجاب الخل الوفي : بالتأكيد لن أعطيك صورة لي لأني لا آمن بوائقك , ولكني أنصحك بالرجوع إلى التاريخ فهناك تصور لك صفحاته


, أبهى وأجمل الصور للخل الوفي , هناك سترى صور العتيق من النار صاحب الإيثار والفاروق صاحب العدل , وذو النورين صاحب الحياء


, و الذي كرم الرحمن وجهه علي صاحب الحكمة , وهم الأخلاء الأوفياء لخير البريّة وقدوة الإنسانية النبي محمد عليه الصلاة والسلام

فقال الخل الخائن بغضبٍ و أسى : إذا فأشهد يا نقيضي مقالتي هذه : ثم أنشد قائلاً :

إنما المستحيل عند العرب ثلاثة :


الغول والعنقاء وكل ذو عقلٍ يرى في الخل الوفي مستحيلا










هذا وما الفضل إلا من الرحمن












بقلم...........صاحب القلم