هجرة الحبيب
***
شعر
صبري الصبري
***


كَسَاني الحبُّ للمحبوب نورا= وأنزلني بحضرته القصورا
وقرَّبني بروضته مليَّا= ففارقت الأحبةَ والحضورا
لأحظى في ضيافته برغدٍ= وأصطحب السعادةَ والسرورا
وأدخلني لحجرته حبيبي= وأهداني الهدايا والعطورا
دعاني دعوة التكريم طه= فشرفني بها أحيا فخورا
ولاقاني بترحاب وود= تجلى في نضارته وثيرا
جميلا طيبا عذبا بهيا= سنيا ناعما فخما وفيرا
صلاةُ الله يا طه عليكم= وتسليمٌ بها أدعو الخبيرا
أيا محبوب أمتنا سلامي= لكم قلبي يرددها كثيرا
أود الهجرة الفيحاء قصدا= ومنهاجا ونبراسا منيرا
أوافيها .. توافيني ببسط= يوافينا ... ويعطينا الحبورا
سطرت لأجلها الأشعار تبرا= وبحرا وافرا فاق البحورا
يضم الحب للمختار ضما= بديعا رائقا يزهو نضيرا
فبعد الجهر بالقرآن شرعا= جليلا طاهرا حقا وقورا
تداعى الكفر والفجار صفا= أثيما ناعقا فظا عقورا
يلاحق ثلة الأخيار يطغى= خبيثا غادرا وغدا مكيرا
وساموا الهادي المختار شرا= كذا الأصحاب قد لاقوا الشرورا
ومازال العذاب يسوم صحبا= لطه واجهوا البغي الخطيرا
وجاء الأمر للهادي بترك= لمكة فابتدا الهادي المسيرا
لطيبة يرتجي فيها مقاما= مكينا آمنا يلقى النصيرا
ويعلن دولة الإسلام فيها= ويحمي في مهابتها الثغورا
أمام الدار بالعدوان سَلُّوا= سيوفهمُ وقد مدوا النحورا
وقبضتهم بها الشيطان يمشي= مع الفجار بهتانا وزورا
وخير الخلق ذو الأنوار يغشى= جموعهم وقد لاقوا الثبورا
ووقَّرهم ترابَ الأرض رغما= ليجعلهم لنومهم حصيرا
ونام الفَذُّ فارسنا (عليٌ)= مكان النور مقداما جسورا
فحيوا في سنا الأنوار فذا= شجاعا حيدرا ليثا هصورا
ويخطو المصطفى المبرورُ جهرا= إلى الصديق يرتقب الأمورا
فهلَّل مشرق الترحاب : أهلا= وسهلا بالهدى بث العبيرا
وأسرع باذلا أهلا ومالا= فكم أهدى لدعوته الدثورا
و(أسماء) التي شقَّت نطاقا= لتحمل زادها لهما طهورا
إلى غارٍ بثورٍ في هدوء= بهجرته ثوى الهادي قريرا
وصديق المآثر كان صنوا= لطه في مسيرته وزيرا
يسد بثوبه الأحجار وافى= شقوقا واكبت فيها الصخورا
وبالباب الحمامة فوق بيض= بعش قشه يأبى المرورا
وبيت العنكب المشتاق أضحى= لأيكتها وروضتها سريرا
تكاتف والقشور لها وعشٌ= رقيقٌ شامخٌ صَدَّ الكَفُورا
وأصبح في وصيد الغار سدا= منيعا باهرا .. حصنا مثيرا
يغالب في ذرا الإعجاز شركا= ويمنعه إلى طه العبورا
وجيش الكفر محتارا يلاقي= بباب الغار بالخسران بورا
يولِّي خائبا بالخزي يمضي= كئيبا محطبا فظا حسيرا
وطه المجتبى بالأمن يخطو= نديا واثقا يدعو القديرا
وصدِّيق الهداية كان يرنو= بعيدا يرتجي الله الكبيرا
يخاف على الحبيب عيون بيد= ويخشى خصمه الوغد المكيرا
يصون بحبه الهادي يفادي=(محمد) سيدَ الخلق الهجيرا
و(أحمد) سيد الأكوان بدرٌ= منيرٌ نوره ضاء البدورا
وبالوهم البهيم رأته عينٌ= يداعب سُكْرُها الضافي الخمورا
يروم (سراقةُ) الأموالَ يهوى= بها الإثراء مصطحبا غرورا
فيهوي في الثرى والصخر يعوي= كذئب قد ثوى يبكي أسيرا
يلاقي قبضة الأغلال قهرا= وذلا قاحلا صعبا مريرا
يكاد الموت يخطفه بحتفٍ= به يلقى مع الهول القبورا
فأنقذه الْمُشَفَّعُ .. إنَّ طه= رءوفٌ .. فامدحوا الهادي النذيرا !
وأعطاه الأساور وعد حق= به (كسرى) سيخسرها كسيرا
تلقَّاها (ابنُ مالك) من أميرٍ= فَحَيُّوا فارسَ العدلِ الأميرا
هو الفاروق من أضحى مثالا= لعدل ضم سيدنا الفقيرا !
وبالبيداء خيمتُها تراءت= بوحدتها وقد ظلت شهورا
تغالب وَحْرَ صَحْرَاءٍ تنامى= بها الإجداب يخترق الجحورا
ويطغى جم طغيان يعاني= به الأحياءُ عيشهم العسيرا
بكرب العيش (عاتكةٌ) تلاقي= حبيب الله يحبوها الغديرا
بشاة الوهن قد درت شرابا= مريعا طيبا غدقا شهيرا
وصاغت وصفها وصفا بليغا= لطه المصطفى ... صعبا يسيرا !
فما أبهاكِ بالتاريخ يروي= لـ(عاتكة) التي حازت ظهورا
وبالأحباب شوقهمُ تجلَّى= إلى المختار يدعون الشكورا
وقد تركوا المدينةَ في حنينٍ= لطه يحتوي ناسا ودورا
ولما هلَّت الأنوار طلَّت= بـ(أحمد) يلتقي الجمع الغفيرا
له بالحب قد حملوا قلوبا= ترافق في أكفهم الزهورا
وبثوا حبهم جمعا نشيدا= جميلا خالدا عذبا نميرا
فأغدق للورى صدحا بمدحٍ= لطه والتقوا النور البشيرا
بهجرته التي كانت لدينا= ستبقى بيننا غيثا مطيرا
ونبراسا جليل النور يزهو= ويمحو ليلنا الغافي النكيرا
فلن ننسى تفاصيلا حسانا= ولن ننسى من الذكرى نقيرا
سطرت لأجلها الأشعار رامت= ضياء المصطفى وافى الشعورا
فهجرة (أحمد) فينا تلالت= أنارت أمة ترجو النشورا
وتأمل قائدا فذا حكيما= بسنة (أحمد) يسمو مشيرا
لننهض نهضة فيها علاءٌ= وندحر خصمنا العاتي دحورا
ونصفو بالهدى نرقي رقيا= لنلقى في علا العليا الأجورا
وننجو من ردى الخذلان جمعا= نجانب في لظى الأخرى سعيرا
ونغشى في سنا الفردوس عزا= ومجدا نرتدي فيه الحريرا
ونسكن خيمة الروضات ضمت= بحسن فراشها المرغوب حورا
ستبقى هجرة المحبوب حصنا= وصوتا صادحا فينا جهورا
أفيضي أمة الإسلام علما= ولبا نابه الفحوى ذَكُورا
وداوِ يالتقى الأدواء فيها= نعالج بالهدى فينا القصورا
وأبلغ ربنا فضلا صلاتي= إماما شافعا بدرا منيرا
بشيرا طيبا هادٍ رءوفا= رحيما طاهرا .. دوما مَزُورا
وآلَ البيت يصحبها سلامي= تبث بمهجتي أُنْسَاً ونورا !!