( 1 ) الأسلوب العلمي:

نسبة إلى العلم، والعلم _ كما مر _ هو المعرفة المنظمة.
والأسلوب العلمي: هو الشكل أو الصورة اللفظية التي تصاغ فيها المادة العلمية أو المضمون الفكري.
(عناصره):
وأهم مقومات الأسلوب العلمي:
1_ الإلتزام باللغة العلمية شكلاً، والفكر المنطقي مضموناً.
2_ الدقة في صوغ العبارة صياغة تعتمد الألفاظ الحقائق، وتبتعد عن استخدام الألفاظ المجازية والمحسنات الكلامية.
3_ الوضوح في الأداء، والإبتعاد عن الغموض:
4_ الإقتراب من ذهن المخاطب بالأسلوب _قارئاً كان أو سامعاً _ ما أمكن ذلك.
5_ وضع العبائر في خط سياقها مترابطة لفظاً ومعنى، بحيث تمهد السابقة للاحقة، وتأخذ التالية بعناق المتقدمة.

( 2 ) الأسلوب الأدبي:

نسبة إلى الأدب الذي يراد به _هنا _ "الكلام الإنشائي البليغ الذي يقصد به التأثير في عواطف القراء والسامعين".
وهو ما يعرف قديماً بـ (صناعة الأدب).
أو كما يعرّفه (المورد _مادة Literature _ الأدب: مجموع الآثار النثرية والشعرية المتميزة بجمال الشكل أو الصياغة، والمعبرة عن فكرات ذات قيمة باقية".
ويتحدث عنه عبد النور فيقول: "الأدب في معناه الحديث هو علم يشمل أصول فن الكتابة، ويعني بالآثار الخطية، النثرية والشعرية.
وهو المعبر عن حالة المجتمع البشري، والمبين بدقة وأمانة عن العواطف التي تعتمل في نفوس شعب أو جيل من الناس، أو أهل حضارة من الحضارات.
موضوعه:
وصف الطبيعة في جميع مظاهرها، وفي معناها المطلق، في أعماق الإنسان، وخارج نفسه، بحيث أنه يكشف عن المشاعر من أفراح وآلام، ويصور الأخيلة والأحلام، وكل ما يمر في الأذهان من الخواطر.
من غاياته:
أن يكون مصدراً من مصادر المتعة المرتبطة بمصير الإنسان وقضاياه الإجتماعية الكبرى، فيؤثر فيها ويغنيها بعناصره الفنية.
وبذلك يكون أداة في صقل الشخصية البشرية وإسعادها، ويتيح لها التبلور والكشف عن مكنوناتها.
وهو يؤدي من خلال فنونه المتطورة، المعاني المتراكمة خلال الأزمنة، والمستحدثات المعاصرة في شموليتها الإنسانية أو حصريتها الفردية.
ويبرز في نصوصه المتوارثة إسهام الشعوب كبيرة وصغيرة، قديمة ومعاصرة، في بناء الحضارة، متوخياً المزاوجة بين المضمون والشكل ليجعل منهما وحدة فنية.
يستوعب الأدب معظم الفنون الأخرى ويتجاوزها:
باستعماله الأصوات والجرس وتناغم المقاطع هو موسيقى.
وبالتأليف والتركيب واللون وبراعة الأسلوب هو هندسة معمارية ورسم ونحت.
وهو يحلق بجناحي الفكر متخطياً الزمان والمكان.
ولذلك يعتبر الأدب أكمل الفنون وأسماها.
وهو أقلها تعرضاً للفناء، لأن عوامل الزمان والمكان تعجز عن تدميره والقضاء عليه، لا سيما بعد اهتداء الإنسان إلى عملية النساخة والطباعة.
ففي حين أن لوحة الرسام قد تتعرض للفساد أو للحريق، وأن التمثال قد يتحطم، فإن الأثر الأدبي لتعدد نسخه، وانتشاره في أماكن مختلفة ينجو في معظم الأحيان من الضياع".
_ نموذج الأسلوب الأدبي:
نص رسالة من عبد الحميد بن يحيى بعث بها إلى أهله وهو منهزم من مروان إثر سقوط الدولة الأموية:
"أما بعد: فإن الله تعالى جعل الدنيا محفوفة بالكره والسرور، فمن ساعده الحظ فيها سكن إليها، ومن عضته بنابها ذمها ساخطاً عليها، وشكاها مستزيداً لها، وقد كانت أذاقتنا أفاويق استحليناها، ثم جمحت بنا نافرة، ورمحتنا مولية، فملح عذبها، وخشن لينها، فأبعدتنا عن الأوطان، وفرقتنا عن الإخوان، فالدار نازحة، والطير بارحة.
وقد كتبت والأيام تزيدنا منكم بُعداً، وإليكم وجداً، فإن تتم البلية إلى أقصى مدتها يكن آخر العهد بكم وبنا، وإن يلحقنا ظفر جارح من أظفار عدونا نرجع إليكم بذل الإسار، والذل شر جار.
نسأل الله تعالى الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، أن يهب لنا ولكم ألفة جامعة في دار آمنة، تجمع سلامة الأبدان والأديان، فإنه رب العالمين وأرحم الراحمين".
والأسلوب الأدبي الرائع، والتصوير الدقيق، وتلمس أوجه الشبه البعيدة بين الأشياء، وإلباس المعنى ثوب المحسوس، وإظهار المحسوس في صورة المعنوي".

( 3 ) الأسلوب العلمي المتأدب

إذا كان الأسلوب العلمي محدد المعاني ، خاليا من العاطفة والخيال والبلاغة لأن هدفه الإفهام والإقناع . وإذا كان الأسلوب الأدبي حافلا بالعاطفة محشوا بالخيال ، قائماً على الأساليب الفنية البلاغية لأنه يهدف إلي الإمتاع والتأثير - كما في الأمثلة السابقة - فإن هناك أسلوباً يجمع بين الحسنيين - يجمع بين أهداف الأسلوب العلمي في عرض الحقائق العلمية ويقصد إلي الإفهام والإقناع ، ويجمع بين بعض سمات وجماليات الأسلوب الأدبي - هذا الأسلوب يسمي " الأسلوب العلمي المتأدب - وهو المتمثل في النصوص العلمية التي تكتسب قيمة أدبية من طريقة عرضها - وعلى رأس هذا النوع كتب التاريخ وكتب الرحلات . فمن مؤلفيها من يمتعون القارئ بطريقتهم في سرد الأحداث ، ووصف المناظر ، وتقديم الشخصيات ، وتحليل الدوافع الإنسانية . حتى لتحسب أنك تقرأ قصة خيالية لاعرضا علمياً .
إنه أسلوب يقدم لنا الحقائق العلمية في أسلوب يقربها إلينا وتخفيف جفافها باستخدام الأسلوب الأدبي الجميل .

1 - أركان الأسلوب العلمي المتأدب :
1. الأفكار والمعاني .
2. الصياغة
3. بعض جماليات الأسلوب الأدبي

2 - نموذج للأسلوب العلمي المتأدب :
من مقال لوظيفة الكبد للدكتور / خالص جلبي قال :
" الكبد سد كبير أمام نفوذ أي سم إلي البدن ، ما لم يتغلب على الخلايا الكبدية ويدمرها ، وبذلك تكون خلايا الكبد الحارس الأمين للبدن فلا يسمح بأن يتأذي حتى يكون العطب قد استولي على خلايا الكبد بالذات فهل بعد هذا الفداء والتضحية من تضحية ؟
إن جملة من طرائق الكبد في التخلص من السموم ، ما هو بسيط في ضرب الحصار حوله ، أو إتلافه وإيثاقه ، كما في إيثاق المجرمين ، وعملية الأيثاق هنا هي المعروفة باتحاد السم مع حمض الكبريت ، أو حمض الفلوكورنيك .
وبهذه الطريقة يمكن نقل هذه المادة السامة بأمان من خلال المصرف العام أي : القناة الصفراوية ، حيث تطرح في الأمعاء مرة أخري لتلقي خارج الجسم .
المتأمل لهذه الفقرة العلمية التي تشرح بطريقة علمية وظيفة الكبد وأهميته في حياة الإنسان ، يري أنه قد شرح هذه الحقائق العلمية من تركيبات الخلايا ، والأحماض ، ودورات الدم ، والقناة الصفراوية - وكلها مصطلحات علمية جافة - إلا على المتخصصين في مجالها . نري الكاتب هنا قد صاغ هذه الحقائق العلمية بأسلوب ملتزم بالحقائق العلمية لكن مع تخفيف الجفاف العلمي ، والتفسير الطبي - فاستخدم ألفاظا لاجفاف فيها . ( الحارس الأمين - الفداء - التضحية - ضرب الحصار حوله ، المصرف العام) .
ومع احتفاظه بسلامة الحقائق العلمية فإنه قد قربها إلي الأذهان ووضحها بالصور الخيالية ، مثل :
* الكبد سد كبير أمام نفوذ أي سم إلي البدن = تشبيه بليغ
* كما في إيثاق المجرمين = تشبيه .
* المصرف العام = استعارة تصريحية .
من هنا وجدنا أن هذه الفقرة تجمع بين موضوع وأهداف الأسلوب العملي ، وبين بعض سهولة ووضوح وخيال الأسلوب الأدبي ، فحق أن يسمي هذا الأسلوب العملي المتأدب . لأنه خليط من خصائص الأسلوب العلمي ومن خصائص الأسلوب الأدبي .

3 - خصائص الأسلوب العلمي المتأدب :
1. يعالج جميع القضايا العلمية والإنسانية .
2. يعرض أفكاره العلمية بأسلوب سهل مفهوم .
3. يخفف من استخدام المصطلحات العلمية ، ويبسط عرضها .
4. دقة استخدام الألفاظ والأساليب .
5. فيه بعض الصور الخيالية ، لتوضيح الفكرة وشرحها بصورة واضحة .
6. فيه بعض من مظاهر شخصية الكاتب ، دون طغيان على الحقائق العلمية .
7. يهدف إلي الإفهام والإقناع ، مع بعض التشويق والإثارة .
8. فيه قليل من المحسنات البلاغية - التي تجئ دون قصد . أو يخلو منها .

4 - نموذج للدراسة من الأسلوب العلمي المتأدب :
" مع الله في الأرض - الطير - من مقال الدكتور أحمد زكي - مجلة العربي أغسطس 1973)
[ إن الأحياء جميعاً نشأت من الوحدة على بساط من الخلق الواحد ، دليل صنعة فيها واحدة ، وصانع واحد ، ولكنها صنعة فاهمة عاقلة ، مدبرة قادرة مقتدرة تغير من أعضاء ووظائف أعضاء ما يتفق مع العيشة على الأرض ، أو العيشة في الماء ، أو العيشة في السماء .
ومن أجل ذلك اشتركت الطيور مع الزواحف في الكثير ، ولكن لما أريد للطير أن يصعد إلي الهواء تغير كنهه ، وتغيرت وظائف أعضائه في الكثير . تغيرت بكل ما يمهد أو يسهل على الطير أن يطير .
فأولاً شكله المسحوب : فهو يخترق الهواء بأقل ما يمكن من معارضة واحتكاك . ثم وزن الطير ؛ فقد قل هذا الوزن دون أن يفقد القدرة على إعطاء الطاقة اللازمة ، وعظام الطير خفت ، وهي مسامية ؛ ومنها ما يملؤه الهواء ، ورجلاه الأماميتان اللتان لذوات الأربع تحولتا إلي جناحين هما أداة الطير ، وفيهما من سر الخلق بحسن الصنع فشئ الكثير ] .
هذا النص جزء من مقال كتب بالأسلوب العلمي المتأدب ، وفيه نلاحظ :
1. المادة العلمية فيه سليمة دقيقة ، فلا تجاوز للحقائق العلمية في الحديث عن شكل الطير ، أو تكوين جسمه .
2. أنه مع هذه الموضوعية - يقف عند مواطن الإبداع ، وأسرار الخلق وقفات متأنية متأملة ، ليجلو ، ويوضح ، ويفسر ، ويملأ العقول باليقين والقلوب بالنور .
3. عبارات المقال تحتفظ بدقة اللغة العلمية ، وذلك باستخدام الألفاظ المحددة الدلالة ، مثل : بأقل ما يمكن ، تغيرت وظائف أعضائه في الكثير .
4. ومع هذه اللغة مؤثرات فنية تخفف من جفاف المادة العلمية ونعرضها عرضا جذاباً ، وتري ذلك واضحا في التصوير في قوله : " ولكنها صنعة فاهمة عاقلة ، متصرفة قادرة مقتدرة "
وهكذا جمع المقال بين دقة المادة العلمية والموضوعية في عرضها ، وبراعة في الكشف عما وراءها من أسرار - كما تري أسلوبا يجمع إلي الدقة في أداء المعاني القدرة على الإمتاع ، والتأثير وهي صفات الأسلوب العلمي المتأدب .

( 4 ) أما الأسلوب العلمي الميسر فلا أدري عنه شيئا

عن شبكو الفصيح لعلوم اللغة العربية