كيف أغرس في أولادي القيم الإسلامية (2)

إبراهيم بن عبدالعزيز الخميس
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/5/2008 ميلادي - 16/5/1429 هجري زيارة: 4884







شخصية الإنسان بين الظاهر والباطن


الإنسان له ظاهر وباطن، فظاهره السلوك، وباطنه ما يكنه في نفسه من أفكار وقناعات وقيم. والمشاعر هي الحد الفاصل بين الظاهر والباطن، فهي برزخ بينهما؛ بمعنى أن المشاعر بين الظهور والكتمان*..

ويمكن تعريف هذه المكونات كما يلي:
- السلوك: هو ما يظهر من الإنسان ونلاحظه عليه مشاهدةً أو استماعاً أو حساً (كلام، كتابة، نشاط، صمت..).
- المشاعر: هي العواطف والرغبات التي يشعر بها الإنسان.
- الأفكار: هي ثمرة الأعمال العقلية التي تدور في ذهن الإنسان ابتداءً، أو نتيجةً لتعرضه لمثير ما.
- القناعات: هي النتائج التي يصل إليها الإنسان بعد عمليات التفكير المستمرة، أو بعد مروره بالتجارب والخبرات المختلفة، لكنها لا تصل إلى درجة القيم.

• القيم: هي المبادئ والمعايير التي تحكم حياة الإنسان، وعامة أفراد المجتمع.
الإنسان مطالب شرعاً أن يضبط ظاهرَه وباطنَه وَفق شرع الله، وأن يزن كل هذه المكونات السابقة بميزان الشرع قال تعالى: {وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120]، أما في تعامل الناس، فالمسلمون يعاملون الناس على ظواهرهم ولا يفتشون نياتهم؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُواْ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} [النساء: 94]، وعندما قَتَل أسامةُ الرجل الذي تشهد معتقدًا أنه فعل ذلك خوفاً من الموت قال له صلى الله عليه وسلم: ((يَا أُسَامَةُ أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)) قَالَ:قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [صحيح البخاري - (ج13/ص164)].

أثر الباطن في صياغة الشخصية الظاهرة:
باطن الإنسان هو المحرك الحقيقي لظاهره، وبناء على ما يُكِنّه الإنسان في باطنه تجاه المثيرات المختلفة تتكون استجابات مناسبة لها بحسب ما يوجد في باطنه من أفكار وخبرات وقناعات وقيم، بمعنى أن الباطن يؤثر في الظاهر من ثلاث جهات:
الأولى: قبوله أو رفضه للمثيرات. (استجابة داخلية).
والثانية: التعبير عن القبول أو الرفض. (استجابة خارجية).
والثالثة: طريقة تعبيره عن القبول أو الرفض. (طريقة الاستجابة الخارجية).

ولذا جاءت نظريات التربية لتعلي من شأن القيم وأثرها في التربية.. والنصوص الشرعية تتضافر لتوضيح هذا المعنى، فمنها التأكيد على غرس العقيدة الصحيحة ثلاث عشرة سنة في مكة لتربية قاعدة النهوض قبل الهجرة، ومنها فضح المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد والطاعة بسبب بواطنهم التي يخفون فيها الكفر.. ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) [صحيح البخاري - (ج 1 / ص 90)].

نظرية الجبل الجليدي:
ما سبق ذكره عن مكونات شخصية الإنسان موافق لنظرية الجبل الجليدي iceberg وهي نظرية جيولوجية ثابتة علمياً خلاصتها أن رأس الجبل الجليدي (الظاهر) على سطح البحر لا يمثل إلا 10% من كامل هذا الكيان، في حين يختبئ في (الباطن) تحت سطح البحر 90% منه، وتكون هذه النسبة أساس الثبات لهذا الجبل.


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

شكل (1): صورة مقربة لشكل الجبل الجليدي

توظيف النظرية في دراسة شخصية الإنسان:
علماء النفس قاسوا هذه الظاهرة على الإنسان وقالوا: إن الإنسان مثله مثل الجبل الجليدي لا يمثل سلوكه الظاهر إلا 10% فقط من شخصيته، أما المحرك الحقيقي له فهو الباطن.. ومع أننا لا نستطيع الجزم بمثل هذه النسب إلا أننا نرى أن السلوك الظاهر لا يمثل من شخصية الإنسان إلا نسبة قليلة. ويمكن أن نوضح شخصية الإنسان من خلال الشكل التالي:


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

شكل (2): شخصية الإنسان بين الظاهر والباطن


وللحديث صلة..


ــــــــــــــــــــــــــــ
* الأصل في المشاعر أنها في باطن الإنسان، لكنها قريبة جداً من الظاهر إلى درجة قدرة الفطِن على معرفتها من أول نظرة.. وفي قصة إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير قول سعد: "أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذى ذهب به من عندكم" [السيرة النبوية لابن كثير - (ج 2 / ص 183)] والبرزخية سنة كونية جعلها الله حداً فاصلاً بين كل متجاورين مكاناً أو زماناً أو موضوعاً مختلفين في الصفات، وأمثلتها كثيرة: فاليوم الآخر برزخ بين الدنيا والآخرة، ومابعد الغروب وقبل الإشراق برزخ بين الليل والنهار، والوَسَن برزخ بين النوم واليقظة، وحالة غليان السائل برزخ بين السائل والغاز، والمشتبهات برزخ بين الحلال والحرام.. فهذا الحد الفاصل فيه من صفات المتجاورين، وربما كان في بعض حالاته إلى أحدهما أقرب.