السلام عليكم


10 آليات للغة بسيطة وممتعة

* جاك تروت/ ستيف وفكن - ترجمة: عيسى زايد
حينما كتب (شكسبير) رواية (هامليت) كان لديه (000ر20) كلمة يتعامل بها، وحينما خطّ (لنكولن) عنوان (جتسبيرغ) على ظهر مغلف، وضع تحت تصرفه (000ر114) كلمة. واليوم يحتوي معجم (ويبستر) على (000ر600) كلمة، ويبدو أن (تُوم كلانسي) استخدم جميع هذه الكلمات في روايته الأخيرة التي بلغ عدد صفحاتها ألف صفحة.
اللغة تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم، ونتيجة لذلك، على الناس أن يقاوموا النزعة المتأصلة فيهم إلى محاولة استعمال الكلمات الجديدة، والنادرة الاستعمال.
ما الذي كان سيحدث لو أن بعض الأقوال المأثورة قد كتبت بيد مُثقلة، وكلمات خيالية؟ لا شك أنها ستثقل القارئ بالهموم، وتُمعن في تعقيد الأمور بدلاً من تبسيطها.
أعتقد أنك فهمتَ ما أقصده، فالكتابة المُقنِعة، والكلام الوجيه لا يمكن أن يربكا القارئ، والمستمع، ويجب أن يكونوا واضحين، ومفهومين، وكلما كانا موجزين كانا أفضل.
قدّم الصحافي التلفازي (بل مويرز) نصيحة مفيدة عن الكتابة المقنعة، جاء فيها: أفرغ جعبتك من كافة النعوت، والظروف، وأشباه الجمل التي تُبطئ خطواتك وتُضعف تقدمك، انتقل برويّة من فكرة لأخرى، وتذكّر أن أكثر الجمل التي يمكن حفظها في اللغة الانجليزية هي الأقصر أيضاً، وكمثال على ذلك، تأمل العبارتين القصيرتين التاليتين: (توفّى الأب) و(انتحب الابن).
لو لم تكن جميع هذه الكلمات الجديدة رديئة بما فيه الكفاية، لانشغل المختصون من رجال الأعمال في اختراع لغة خاصة بهم، وإليكم فيما يلي تضميناً مباشراً من مرشد إداري يؤمن بالمستقبل: «أصبح المديرون يفهمون وجود عدد من أنماط التغيير، وأطلق على أحد هذه الأنماط اسم (تعزيز إجراءات العمل) الخاصة بالجودة الشاملة، والتحسين المتواصل، وعليك أن تتعامل مع التغييرات الراديكالية الأخرى، أو التغييرات المدخلة على تلك الإجراءات، لتي لا تُشبه أي نوع من التغييرات».
أفادت مجلة (فورتشن) أن شركة (بتر كوميونيكيشنز)، وهي إحدى شركات (ليكسينغتون ماساشوسيتس)، التي تتولى تعليم مهارات الكتابة لأصحاب العمل، قامت بقص العبارات الإدارية المستخدمة في المحادثات، والتي تصفها بعبارة «مذكرات من جهنم»، ثم قامت بتوزيعها على الخمسمئة شركة التي تتعامل معها المجلة، وقد جاء في تلك المذكرات العبارات التالية:
ـ القيادة العليا حامت فوق هذه الرؤية، والمعنى المقصود من هذه الجملة هو: «المديرون يتطلعون إلى ما بعد الأسبوع القادم».
ـ القيمة المضافة هي حجر الأساس في زيادة منحني الأرباح زيادة أسيّة، والمعنى المقصود من هذه الجملة هو: «لنعمل على زيادة المبيعات، والأرباح عن طريق تقديم المزيد مما يريده العملاء».
ـ نحتاج إلى تحديد أبعاد هذه المبادرة الإدارية، والمعنى المقصود من هذه الجملة هو: «لنساهم جميعاً في وضع خطة».
ـ استخدمنا مجموعة متناغمةً من الخبرات الوظيفية المتقاطعة، والمعنى المقصود من هذه الجملة هو: «تحادَث موظفون من إدارات مختلفة فيما بينهم».
ـ لا تؤثر على برامج تحفيز الموظفين، والمعنى المقصود من هذه الجملة هو: «لا تتلاعب بأجور العاملين».
ـ أُطلقَ لفظ «تحت التحفظ» على وظيفتك في الوقت الراهن، والمعنى المقصود من هذه الجملة هو: «لم يتم تسريحك حتى الآن».
لِمَ يتحدث رجال الأعمال بغموض عن شيء ما كالكفاءة الجوهرية (ما نؤديه على النحو المطلوب)، أو كمنح السلطات والصلاحيات (التفويض)، أو كاجراءات العمل (كيف نؤدي الأعمال). لقد ازداد الأمر سوءاً لدرجة اضطر معها مؤلف كتاب يُعرف باسم (فاد سيرفنغ إن ذا بوردوم) أن ينشر معجماً مع الكتاب يتضمن الكلمات التجارية الُمحدثة.
نُحِسُّ بأن رجال الأعمال يشعرون أن استعمالهم لهذه الكلمات الطنانة، يجعلهم يبدون أذكياء، ومثقفين، وعلى درجة من الأهمية إلى أكبر حد ممكن، ولكن ما تفعله هذه الكلمات حقاً هو أنها تجعلهم غير مفهومين، ويفتقرون إلى الوضوح.
شنّ الدكتور (رولف فليش) حملة أحادية الجانب على استعمال العبارات الطنانة، والمبهمة في الكتابة، ومن مؤلفاته كتاب بعنوان (فن الحديث الواضح)، فكان من أوائل مَن أوحوا بأن رجل الأعمال، الذين يكتبون كما يتحدثون، سيكتبون أفضل من غيرهم. قد يأتي أسلوب (فليش) على النحو التالي في الرد على أحد الخطابات: «شكراً يا جاك على اقتراحك، سأفكر به، وأرد عليك في أقرب فرصة ممكنة». أما الأسلوب المعاكس لأسلوب (فليش)، فربما يكون كما يلي: «تسلّمنا اقتراحك هذا اليوم، وبعد بحثه ومناقشته حسب الأصول، سنبلغك بالنتائج التي نتوصل إليها».
اكتشف الآخرون امكانية قياس البساطة في الكتابة قياساً عملياً، فقد قام (روبرت غانينغ) الذي يوضح سهولة القراءة حسب عدد الكلمات، وصعوبتها، وعدد الأفكار الكاملة، ومعدل طول الجملة في النص.
بامكانك أن تكسب المعركة مع الغموض عن طريق الالتزام بعشرة مبادئ للكتابة الواضحة التي تتصف بالشفافية، وهي:
1 ـ اجعل الجُمَل قصيرة.
2 ـ اختر الكلمات البسيطة دون الكلمات المعقدة.
3 ـ اختر الكلمات المألوفة.
4 ـ تجنّب استعمال الكلمات غير الضرورية.
5 ـ أنطق الكلمات الدالة على الأفعال.
6 ـ اكتب كما تتحدث.
7 ـ استخدم مصطلحات يستطيع القراء تصورها.
8 ـ أقم روابط، وصلات مع خبرات القراء فيما تكتب عنه.
9 ـ استخدم أساليب متنوعة.
10 ـ اكتب لتُعبّر عن موضوع ما لا لتُأثِّر فيه.
ينبغي عليك تشجيع اللغة البسيطة المباشرة، ومقاطعة العبارات الطنانة الخاصة بالأعمال، لا في الكتابة فحسب، بل في التحدث أيضاً. وعليك أن تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، كأن تُشجّع البساطة كمنهج للاستماع الأفضل. فقد أظهرت الدراسات بأن الناس يتذكرون نسبة 20% مما سمعوه في الأيام القليلة الماضية، وذلك بسبب إخفاق مهارة الاستماع لديهم في الأوقات الصعبة نتيجة هيمنة الثرثرة المتواصلة عن العالم الحديث على مسامعهم، فقد جاء في مقالة نشرت بتاريخ 10 تموز 1997 في صحيفة (پا وول ستريت جيرنال): إننا أصبحنا أمة ثرثارة لا تستمع أبداً، وتنتظر فرصةً للثرثرة.
وكما ورد في تقرير الصحيفة أيضاً، إذا لم تكن المعلومات السابقة سيئة بما يكفي، فإن علم الأحياء أيضاً يعمل ضد الاستماع اليقظ; فمعظم الناس يتكلمون بمعدل (120) إلى (150) كلمة في الدقيقة، وبامكان العقل البشري معالجة (500) كلمة في الدقيقة تاركاً وقتاً كبيراً للتململ العقلي. فإذا كان المتحدث من أقل الناس تعقيداً، وإرباكاً، فإنك تحتاج إلى جهد بطولي لتظل متيقظاً لحديثه بدلاً من التظاهر بذلك.
تعتبر الاجتماعات، والالقاءات المعقدة، والبعيدة عن صميم الموضوع مضيعة للوقت والمال، فقليل من المعلومات يتم نقله للناس بسبب عدم إنصاتهم، ناهيك عن التكلفة الباهظة المترتبة على ذلك.
منذ عدة سنوات، غادرتُ بصحبة أستاذ مساعد أحد الاجتماعات الذي بلغت مدته ساعتين، والذي قدمت فيه شركة متخصصة بالتصميمات توصياتها في مشروع لتصميم الشعارات بلغت تكلفته عدة ملايين من الدولارات. وكالعادة، استخدم الملقون اصطلاحات مثل (الشكلية)، و(الاجراءات)، والاشارات الغامضة حول (تفضيل الألوان). وكان الالقاء مثقلاً بالمفاهيم الغامضة، والمعقدة، فاعترفت لزميلي، بسبب انخفاض مرتبتي الوظيفية، بأنني كنت مرتبكاً مما سمعت ومتسائلاً عن رأيه في ذلك. ابتسم زميلي فجأة وبدا عليه الارتياح التام، ثم اعترف صراحة بأنه لم يفهم كلمة واحدة مما سمعه في الاجتماع، وكان خائفاً من الإفصاح عن ذلك خشية أن يوصف بالغباء.
لقد أشاعت تلك الشركة ملايين الدولارات بتغيير شعار جميل متكامل بسبب عدم جرأة أي شخص في الاجتماع على توجيه سؤال لشركة التصميمات يطلب فيه منها شرح توصياتها بلغة بسيطة يمكن فهمها واستيعابها. ولو أن الشركة استطاعت أن تقدم الشرح المطلوب لاعتبرها المشاهدون، والمستمعون، هي، وشعاراتها، غير جديرة بالنظر، والاهتمام ولكانت مثاراً للسخرية، والاستهزاء.
المغزى المستفاد من تلك القصة هو ضرورة عدم السماح باستعمال أية كلمة، أو مفهوم دون اختبارها، وإذا لم تفعل ذلك، يمكن ارتكاب أخطاء باهظة الثمن. اطلب من مقدمي الالقاءات ترجمة اصطلاحاتهم المعقدة إلى لغة سهلة مبسطة. لا تخشَ مطلقاً من قول «لا أفهم ما تعني»، ولا تتسامح مع الغطرسة الفكرية.
لا تتشكك في انطباعاتك الأولية عن شيء ما، فهي غالباً ما تكون الأكثر دقةً.
لا تكافح شعوراً ما قد تبدو عليه الأسئلة من سخيفة، ففي بعض الأحيان قد يثبت في نهاية المطاف أن الأسئلة التي تبدو ساذجة للغاية هي الأكثر عمقاً، ومعنىً.
دعنا نقدم (بيتر دروكر) كلمات أخيرة حول اللغة السهلة البسيطة: «إن أكثر النزعات انحلالاً، وتفسخاً في السنوات الأربعين الأخيرة تمثل في الاعتقاد السائد بأنك إذا استطعت أن تكون مفهوماص لدى الآخرين فإنك انسان عادي، وعامي. فحينما كنتُ في مرحلة النمو، كان من البديهي، والمسلّم به أن علماء الاقتصاد، والفيزياء، والنفس، ورواد العالم في أي حقل من حقول المعرفة كانوا يركزون على أن يكونوا مفهومين من قبل الآخرين. فقد أمضى (اينشتاين) سنوات وسنوات مع ثلاثة من المتعاونين لوضع نظرية النسبية في متناول الانسان العادي. حتى (جون مَينارد كينس) بذل قصارى جهده لوضع معلوماته الاقتصادية في متناول عامة الناس».
ولكنني في الأمس القريب سمعت أحد كبار العلماء يرفض رفضاً قاطعاً عمل أحد زملائه الأصغر منه سناً بسبب استطاعة خمسة أشخاص فهم ما يقوم به من عمل.. هذا ما سمعته بالحرف الواحد.
لا نستطيع تحمل هذه الغطرسة الفكرية، فالمعرفة قوة حاول القدماء ممن امتلكوها، في أغلب الأحوال، استنباط الأسرار منها. وفي مرحلة ما بعد الحقبة الرأسمالية، أصبح مصدر القوة نابعاً من نقل معلومات تُسهم في تخصيب هذه القوة، وجني ثمارها، لا من إخفاء تلك المعلومات.


من موقع بلاغ