كيف؟
ص 15
-هلم بنا ادربك.
ونكس صقر رأسه ثم رفع عينيه إلى أبي لبادة بين مصدق ومكذب .. وقد صعب عليه ما سمع فقال:
-هل الدراهم التي في جيوب الناس لنا؟هل أمد يدي إلى جيب أم محمد التي أسكن معها؟
جاءت هذه الكلمات مفاجئة لأبي لبادة , وحار بماذا يجيب! ثم جاء جوابه بطيئا في بادئ الأمر وقويت لهجته فيما بعد:
-الذي ليس معه يؤخذ منه , والذي معه يعطي ويزاد..
لم يفهم حجر من ذلك شيئا وظل مبهوتا فأصاف أبو لبادة :
-لماذا لايعطوننا ؟ يجب ان نعيش.
وسكت أبو لبادة ينتظر وفعل صقر _ ولكن حجر ظل ساكتا , صراع في نفسه قائم , وعاد أبو لبادة يقول :
-إلا إذا كان معك دراهم .. هل معك؟
لم يجب صقر بكلمة واحدة بل مشى مع أبي لبادة عاقدا حاجبيه , تتقاذفه الفكر , هذا الذي يقوله أبو لبادة شيء صعب , ولكن أصعب منه أن يبقى بلا دراهم .. والسينما؟والمشروبات والألعاب؟
عندما وصلا إلى موقف باص كان الناس ينتظرون وصول ونظر صقر أبي لبادة ,فأشار إليه هذا بالانتظار والترقب..وقفا وكأنهما من خلق الله هؤلاء المنتظرين.فلما وصلت السيارة , تقاطر عليها المنتظرون فاتجهوا إلى بابها الخلفي وكونوا جمهورا متلاحما .
قال أبو لبادة لصقر:
-انظر..
واندس بين الجمهور وراح يناطح ويزاحم إلى صعد ثم انتقل إلى الباب الأمامي ونزل منه , وأخذ بيد صقر ومشى حتى أصبحا في سكان قصي أخرج أبو لبادة ورقة نقدية من ذات الخمس ليرات وقال صقر:
-هذا ما توصلت إليه من حركتي هذه , والآن حاول بدورك , أن تفعل مثلي . حاول دائما أن تدخل يدك وتخرجها بسرعة , لا تفتش فيها إذا لم تعثر فيها على شيء قريب المتناول . ولتصاحب حركة جسمك كل حركة يدك في الجيب.
وهكذا ..
عندما أوفى النهار على نهايته , انتحى صقر قصها حيث أخرج من جيبه حصيلة ماجناه طول النهار فوجده ليرتين ورقيتين وثلاث ليرات فضية وعددا ولفرا من الفرنكات ,ولم ينتظر حتى وافى أبا لبادة في مقره حيث أخرج أمامه كل ما تجتمع لديه دون أن يخفي شيئا فقاسمه أبو لبادة على النصف .
عاد صقر يرقص رقصا ولا يمشي مشيا وإذا به يلتقي بأم محمد وجها لوجه في الطريق , ارتعش لدى رؤيته لها , ولكنه تجلد قالت له:
-أين كنت؟
-كنت ماشيا في الطريق أتفرج.
-ماذا تفعل؟
-لا أفعل شيئا
-رأيتك مع أبي لبادة أنا اعرفه واعرف ماذا يعمل عند المواقف وبماذا يشتغل , تعال.
س 18