السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
فصل وأما الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: فالقرآن مملوء به
*فرأس الأدب معه:
- كمال التسليم له والانقياد لأمره
- وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكًا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم
فيوحّده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان؛ كما وحّد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل
فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما:
1- توحيد المرسل
2- وتوحيد متابعة الرسول، فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه، فإن أذنوا له نفّذه وقبل خبره، وإلا فإن طلب السلامة أعرض عن أمره وخبره وفوضه إليهم، وإلا حرفه عن مواضعه وسمّى تحريفه تأويلاً وحملاً؛ فقال: نؤوله ونحمله، فلأن يلقى العبد ربّه بكل ذنب على الإطلاق ما خلا الشرك بالله خير له من أن يلقاه بهذه الحال.
"ولقد خاطبتُ يومًا بعض أكابر هؤلاء فقلت له: سألتك بالله لو قدر أن الرسولَ حيٌّ بين أظهرنا وقد واجهنا بكلامه وبخطابه، أكان فرضا علينا أن نتبعه من غير أن نعرضه على رأي غيره وكلامه ومذهبه أم لا نتبعه حتى نعرض ما سمعناه منه على آراء الناس وعقولهم؟ فقال: بل كان الفرض المبادرة إلى الامتثال من غير التفات إلى سواه، فقلت: فما الذي نسخ هذا الفرض عنّا؟ وبأيِّ شيء نُسخ؟ فوضع إصبعَه على فيه وبقي باهتًا متحيرًا وما نطق بكلمة"
هذا أدب الخواصِّ معه، لا مخالفة أمره، والشرك به، ورفع الأصوات ،وإزعاج الأعضاء بالصلاة عليه والتسليم، وعزل كلامه عن اليقين، وأن يستفاد منه معرفة الله، أو يتلقى منه أحكامه، بل المعوَّل في باب معرفة الله: على العقول المنهوكة المتحيرة المتناقضة، وفي الأحكام: على تقليد الرجال وآرائها، والقرآن والسنّة إنما نقرؤهما تبركًا لا أنا نتلقى منهما أصول الدين ولا فروعه، ومن طلب ذلك ورامه عاديناه وسعينا في قطع دابره واستئصال شأفته، {بلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ (65) قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ (66) مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ (67) أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (69) أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءهُم بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ (71) أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (73) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74)}
والناصح لنفسه العامل على نجاتها يتدبر هذه الآيات حق تدبرها ويتأملها حق تأملها وينزلها على الواقع؛ فيرى العجب ولا يظنها اختصت بقوم كانوا فبانوا، فالحديث لك واسمعي يا جارة، والله المستعان!
*ومن الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: أن لا يتقدم بين يديه بأمر ولا نهي ولا إذن ولا تصرف حتى يأمر هو وينهى ويأذن كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الحجرات : 1] وهذا باق إلى يوم القيامة، ولم ينسخ فالتقدم بين يدي سنته بعد وفاته كالتقدم بين يديه في حياته، ولا فرق بينهما عند ذي عقل سليم.
قال مجاهد رحمه الله : "لا تفتاتوا على رسول الله"، وقال أبو عبيدة: "تقول العرب: لا تقدم بين يدي الإمام وبين يدي الأب، أي: لا تعجلوا بالأمر والنهي دونه".
وقال غيره : "لا تأمروا حتى يأمر، ولا تنهوا حتى ينهى"

*ومن الأدب معه أن لا ترفع الأصوات فوق صوته فإنه سبب لحبوط الأعمال! فما الظنُّ برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنّته وما جاء به؟!! أترى ذلك موجبًا لقبول الأعمال؟! ورفعُ الصوت فوق صوته موجبًا لحبوطها؟!

*ومن الأدب معه: أن لا يجعل دعاءه كدعاء غيره قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً} [النور : 63] وفيه قولان للمفسرين:
- أحدهما: أنكم لا تدعونه باسمه كما يدعو بعضكم بعضا بل قولوا: يا رسول الله يا نبي الله؛ فعلى هذا المصدر مضاف إلى المفعول أي دعاءكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
- الثاني: أن المعنى لا تجعلوا دعاءه لكم بمنزلة دعاء بعضكم بعضًا؛ إن شاء أجاب وإن شاء ترك، بل إذا دعاكم لم يكن لكم بَدٌّ مِن أجابته، ولم يسعكم التخلف عنها ألبتة، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل أي: دعاؤه إياكم.

*ومن الأدب معه: أنهم إذا كانوا معه على أمر جامع من خطبة أو جهاد أو رباط لم يذهب أحد منهم مذهًبا في حاجته حتى يستأذنه؛ كما قال تعالى : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور : 62] فإذا كان هذا مذهبا مقيدًا بحاجة عارضة لم يوسع لهم فيه إلا بإذنه، فكيف بمذهب مطلق في تفاصيل الدين؛ أصوله وفروعه، دقيقه وجلبله، هل يشرع الذهاب إليه بدون استئذانه {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل : 43] ]الأنبياء:7[.

*ومن الأدب معه: أن لا يستشكل قوله، بل تستشكل الآراء لقوله، ولا يعارَض نصه بقياس، بل تهدر الأقيسة وتلقى لنصوصه، ولا يحرَّف كلامه عن حقيقته لخيال يسميه أصحابه معقولاً، نعم هو مجهول، وعن الصواب معزول، ولا يوقف قبول ما جاء به على موافقة أحد، فكل هذا من قلة الأدب معه وهو عين الجرأة .





۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩۞۩
**ما سعى العبد في إصلاح شيء أعظم من سعيه في إصلاح قلبه ولن يصلح القلب شيء مثل القرآن **
قال ابن الحاج في المدخل: من كان في نفسه شيء - فهو عند الله لاشيء
<<قال ابن رجب رحمه الله :"خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنه للعبد لا يطلع عليها الناس".>>
إن من هو في البحر على لوح ليس بأحوج إلى الله وإلى لطفه ممن هو في بيته بين أهله وماله،
فاعتمد على الله اعتماد الغريق الذي لا يعلم سببا لنجاته غير الله.

جزى الله من نقلها