منذ ظهور الإنسان على الأرض، ارتبط به العنف ولازمه عبر التاريخ إلى يومنا هذا، والسؤال المطروح، هل يعني أن الإنسان عنيف بطبعه، أم هناك عوامل خارجية تدفعه إلى أن يمارس العنف؟

لقد برزت العديد من الأطروحات والمواقف والاعتقادات المهتمين بالفكر النفسي والتربوي على السواء بأن الإنسان كائن سلبي، حيث يتمثل هذا الموقف، في جوهره، في اعتبار الإنسان عند الولادة كائنا عدوانيا يأتي محملا بعدد من الدوافع الغريزية أصلها الشر، وهو لا يتوانى أبدا عن إشباعها، إنه وكما يقول د، زاهي الرشدان واصفا نظرة التربية التقليدية إلى الإنسان: ‘‘الإنسان وهو ككل إنسان يحمل معه عددا من الغرائز تدفعه إلى الاعتداء والوحشية، وهو يحمل معه عددا من الميول ليس لها أصل من الخير ... إن هذه الغرائز والميول هي التي تمثل الإثم الذي ينزع إليه الإنسان وهي التي تمثل الهوة التي تردى فيها آدم أبو الإنسانية‘‘*.
إن نفس هذه النظرة روج لها مفكرون عديدون سواء من العالم الإسلامي كابن مسكويه أو العالم الغربي، حيث نجد سيغموند فرويد قبل وفاته تبنى فكرة المواجهة بين دافعين أساسيين وهما: دافع الأيروس أي الحياة والذي يحافظ على الذات أي الليبيدو، ودافع الطانانوس أي الموت والذي يسعى إلى تحويل الحي إلى جامد.
إن الحياة النفسية عند فرويد ليست سوى توتر دائم بين هذين الدافعين وكل التصرفات تضمن هذا التوتر ... ومثال ذلك: السادية مزيج من الأيروس الطانانوس في الوقت ذاته فهي بحث عن اللذة التلذذ بتعذيب الغير ورغبة في النفي وتدمير الغير.
من هنا يمكن القول أن العنف باعتباره يرتبط بالغرائز انطلاقا من موقف فرويد لأنه جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان، وأنه لا يمكن التحرر منه.
إن هذه النظرة المتحاملة على الإنسان بكونه شرير بطبعه، أبرزت لنا مواقف في نفس السياق تجعل من الإنسان كائن عدواني يمارس العنف، ولكن نتيجة للإكراه والضغوطات الخارجية، إذ يرى كارل ماركس أن الصراع الطبقي بين من يملكون ومن لا يملكون هو العامل الأساسي في رسم تاريخ المجتمعات، باعتباره صراع مادي ينعكس بشكل سلبي على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، لذلك يرى كارل ماركس أن الصراع وبالتالي العنف قد صاحب الإنسان منذ الحضارات القديمة مثال ذلك حضارة روما القديمة التي كانت تعيش نوع من الاضطرابات والصراعات في ذلك العهد بسبب ندرة الموارد خصوصا الغذائية.

وخلاصة القول أن العنف صاحب الإنسان عبر تاريخه لسبب اقتصادي وهو ندرة الموارد، وبهذا لا يعني أن العنف متأصل في الإنسان، وهذه نظرة تفاؤلية تمكننا من حد العنف وذلك بالتحكم في أسبابها وهي التفاوتات والصراعات الطبقية.



* عبد الله زاهي الرشدان، التربية التقليدية وموقفها من العملية التربوية، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، العدد 10، المجلد 3، جامعة الكويت، 1983، (ص182).