جمال الشاعر لـ"محيط" :
الكل "عامل عبيط" وشر البلية ما يضحك !

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيجمال الشاعر محيط – رهام محمود

عبر بيت يحمل اسمه في شارع المعز عاد جمال الشاعر مجددا للمشهد الثقافي ببؤرة تنوير من قلب القاهرة تخاطب الجمهور وليس النخبة وتنشر الفكر والفن في ربوع هذا المكان الآثري العتيق. صاحب البيت طغت شهرته كإعلامي على الأديب زمنا طويلا ، وقد ترأس قناة النيل الثقافية وهو حاليا رئيس القناة الفضائية المصرية.

حاوره "محيط" وحكى الشاعر عن كتبه الساخرة كما قرأ الأشعار الأقرب لنفسه وناقش بشفافية أزمات الثقافة والفضائيات في مصر .

محيط : اشتهرت بسخريتك اللاذعة لما اخترت هذا اللون من الكتابة ؟
- شر البلية ما يضحك، وعادة ما تخرج السخرية من رحم المأساة؛ فحتى بعد الحرب العالمية الثانية ظهرت كتابات العبث واللامعقول وبدأ الكتاب يسخرون من كل ما يحدث، وأنا أعتبره نوع من الذكاء والتحايل وقد ارتبط بالشخصية المصرية حينما لا تستطيع المقاومة بالطرق التقليدية فتلجأ للرمز .
معظم الفن أيضا يقوم على الرمز أكثر من التصريح ، وهو يفيد في الهروب من المواجهة ، ولذلك يقول آرنولد برخت "أكبر هزيمة توجهها للطاغية هي ألا تمكنه من أن يقتلك"، فأنا أرى أن النجاح الحقيقي في ألا تدفع حياتك ثمنا لحماقة أي بلدوزر يمر وتحقق أيضا أهدافك مثل إنصاف المظلومين والدفاع عن حقوق الإنسان ونشر الجمال في مواجهة القبح .
وأعراض الكتابة الساخرة لم تظهر متأخرة عندي؛ فأول دواويني كان بعنوان "أصفق أو لا أصفق" بدلا من السؤال المصيري الشهير "أكون أو لا أكون" وقلت فيه : " أصفق أو لا أصفق / فخلفي كتلة شحم تصفق / وبعض المساحيق كانت تصفق / وجاري يصفق / وأسأل .. هل أعجبته الرواية؟ / يبحلق في جبهتي ثم يضحك/ ويلكز جنبي ويمضي يصفق " !
وفي ديوان " المماليك يأكلون البيتزا " حدثت نفس الفكرة، ومنها أقول : " جربنا كل الأشياء …… بايعنا ماركس قديسا / ورسولاً للفقراء …… " ثم أقول " جربنا حكم معاوية / وقطعنا الشعرة ما بين الدنيا والدين / بالشوكة والسكين الميكافللي / فانجثت أمم ودويلات حمقاء …… ورقصنا فوق سلاطين الشرق الأوسط / والأقصى والأدنى / فرجعنا في خفين خرافيين/ عبيدا وإماء" .
وأتساءل في القصيدة " …… زوجنا أنفسنا لسماسرة التاريخ / زوجنا التاريخ العربي زواجا عرفيا / من أنطونيو والقيصر / ومماليك البيتزا …… وبكينا فوق النصب التذكاري /على أمجاد العفة / والشرف الغابر / والخيلاء …… من كان يصدق أن فراعين الماضي / سيصيرون مساخيط الغرب / ويبيعون صحائف أوروبا / في طرقات الراين … ليلا وشتاء …… من نحن الآن ؟؟ / نحن تنابلة السلطان / وملوك الأوهام " إلى آخر القصيدة .
بعدها اتجهت لكتابة المدونات الشعرية التي تمتليء بالسخرية وتعتمد على القاموس العصري الذي نعيشه وشعرية الأفكار حيث تنتج شرارة الشعر من اصطدام هذه الأفكار .
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيبيت الشاعرمحيط : هل هناك تناقض بين عملك الإعلامي وكونك شاعر ؟
- بالتأكيد، فهذه معادلة صعبة تناقض بعضها ، تشبه الوقوف بين طرفي المقص؛ فالإعلام لعبة السبق والملاحقة، أما الإبداع فهو لعبة التأمل وتشريح الزمن، وأنا ألعب في خط الوسط.
وبالتأكيد شهرتي كإعلامي ظلمت شاعريتي ، وخصوصا أنني أعتبر نفسي من المحظوظين في مجال الإعلام وحصلت على لقب أفضل مذيع 35 مرة في استفتاءات البرامج من جهات متعددة ، وهذا كان يشجعني للإستمرار في هذا المجال ، وأنا حاليا أكفر عن ذنوبي في حق الشعر .
محيط : ما القصائد الأقرب لنفسك ؟
- هناك قصيدة "تقرير حالة" التي تحمل مفارقة أنشأت داخلي دهشة كبيرة ، وقلت فيها :
رجل أحمق وسيامي ورقيق
أطلق سبع رصاصات في قلب امرأته
والتقرير الطبي يقول
إنتابته اللوثه بعد تعاطي كم من نشرات الأخبار
إذ قال لزوجته وهو يحاورها.
صدق الساسة والأحبار
فتعود القدس إلينا
دون حروب
دون دمار
في لحظة صدق
قالت أنت حمار.


وقصيدة "لعبة الكراسية" قلت فيها :
كرسٍ واحد ورجال خمسة
من يجلس قبل الآخر خلسة
الرجل الخسة
كرس جني هزاز من يشكو صهوته
ويفر ويجتاز
الرجل المهماز
كرس منقوص بثلاثة أرجل
من يستعدل خيبته
وينط عليه ولا يتزلزل
..

أذكر أنني قرأت هذه القصيدة في مهرجان القاهرة الشعري، وكان الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي جالسا أمامي وأنا ألقيها، وكان منفعلا بما أقول، لدرجة أنه كان يحاول أن يتوقع البيت التالي، وعندما وصلت للنهاية نطق معي الختام بانفعال شديد وكان مشهدا رائعا.