أفضل رأسمال - اليابان نموذجاً بقلم المحامي فيصل سرور
مساهمات القراء
شارك

خرجت اليابان من الحرب العالمية الثانية مثقلة بالهزيمة والألم فقد أدت هذه الحرب إلى انهيار جميع إنجازاتها الاقتصادية السابقة وفوق ذلك فقد قام الاحتلال الأميركي الذي أعقب قصفها بالسلاح الذري واستسلام الإمبراطور نتيجة لذلك القصف الذري بعملية تطهير أدت إلى تصفية /200/ ألف ياباني يمثلون طاقات منتجة وشخصيات مالية وإطارات إدارية فاعلة وإلى مصادرة أموال المؤسسات المالية والبنكية العملاقة ومعاقبة هذه المؤسسات تحت ذريعة اتهامها بتمويل الحرب وبذلك قضت أميركا على جميع الإمكانات المالية المتوافرة للشعب الياباني خوفا من الروح العسكرية الجبارة التي امتلكتها اليابان ولم يفلح حتى القصف بالقنابل الذرية في القضاء عليها .


وهكذا وجدت اليابان نفسها في نقطة الصفر المطلق فهي قد فقدت زهرة ثروتها البشرية وتبخرت جميع رساميلها المالية الضخمة ودمرت جميع مصانعها ومنشآتها الاقتصادية ولم تعد تملك سوى الأرض التي لولا استسلام الإمبراطور لم تسلم أيضا وهذه الأرض هي التي تنتج الأرز المادة الغذائية الرئيسية وهي أرض صغيرة وصخرية وفقيرة بمواردها الطبيعية وما هو صالح للزراعة منها لا يتجاوز نسبة 15% والتي لا تكاد تكفي لزراعة الأرز وحده وهي فوق ذلك قد أصبحت أرضا بورا تفتقد للآلات والأسمدة .
وتلفت اليابانيون حولهم يتساءلون : كيف للأرض أن تستثمر في ظل الاحتلال الأميركي الذي ينكل بهم أشد التنكيل ؟ وكيف للأفواه أن تأكل ؟ وكيف للسواعد أن تعمل ؟
واكتشف اليابانيون من التمعن في الواقع المرير الذي آلت إليه أحوالهم أن الثروة الوحيدة المتبقية لهم هي أنفسهم فقط وبعبارة أدق ما تبقى من الثروة البشرية اليابانية التي حصدت الحرب بأهوالها قسما كبيرا ومهما منها .
وكانت هذه الثروة البشرية تتألف من ثلاث قوى رئيسة هي : الإمبراطور ورئيس الوزراء والشعب ومن حسن حظ اليابان فإن أهوال الحرب ومصائبها قد رصّت هذه القوى الثلاث في صف واحد وصهرتهم في مزيج متجانس تشكل منه رأسمال اجتماعي هو الثروة الوحيدة التي تمتلكها اليابان والتي أصبحت مناط أملها الوحيد في النهوض من جديد.
فالإمبراطور تنازل عن صلاحياته الإلهية لينقذ اليابان من القصف الذري فأعطى بذلك فرصة البقاء على قيد الحياة لشعبه ورئيس الوزراء حاور إدارة الاحتلال بما يملكه من العبقرية التي جعلته أعظم شخصية يابانية في القرن العشرين وأقنعها بمعاناة الشعب الياباني وحقه في العمل في وضع متردٍ ومزرٍ لم تتعرض له أي دولة أخرى في تاريخها.
والعمال اليابانيون لم يساوموا على وطنهم من أجل حفنة من النقود قد تكون عائقا أمام إعادة بناء بلدهم بالطريقة اليابانية والتفوا حول شخص الإمبراطور مما اضطر الاحتلال الأميركي إلى الاكتفاء بتجريده من صلاحياته بعد أن كان يستهدف تصفيته من الوجود نهائيا .
لقد أسهمت هذه الثلاثية الإنسانية : الإمبراطور وهو الرمز والقدوة ورئيس الوزراء وهو القيادة الحكيمة والرشيدة والشعب وهو الإنسان الفاعل في منح اليابان رأسمالها الاجتماعي الذي أنتج استثمارا اجتماعيا تحول بدوره إلى استثمار مالي ساعد بكفاءة دينامية في إنجاح التنمية الاقتصادية اليابانية التي هزت العالم وأثارت ذهوله وإعجابه وأوصلت اليابان إلى قيادة العالم في مجالات التكنولوجيا والمهارات المعلوماتية .
وهكذا نجد أن الرأسمال الاجتماعي الياباني هو تركيبة إنسانية مؤلفة من ثلاثة عناصر فاعلة هي الرمز والقدوة والقيادة الحكيمة والشعب الفاعل تمازجت وتوحدت عندما قام كل عنصر منها بتقديم واجبه على حقوقه ونتج عن هذا التمازج استثمار اجتماعي ولد استثمارا ماليا وبتزاوج الاستثمار الاجتماعي مع الاستثمار المالي ولد مجتمع تقني متقدم وهذا الرأسمال ليس مقصورا على اليابان فكل شعوب العالم تمتلك بصورة أو أخرى أركان هذا الرأسمال ولكن بصورة متفرقة ومبعثرة ولكن اليابان تميزت في أن تغليب الواجب على الحقوق قد رصّ الثلاثية الإنسانية اليابانية وخلع عليها بعدا إنمائيا عالميا .

http://www.syria-news.com/readnews.php?sy_seq=122381