المحاكمة

قصة للكاتب : (محمد صالح رجب )


******************************

- إنك لا تريد أن تعترف بأنك مذنب ؟
- لا يا سيادة القاضي ’ لم أكن مذنبا ..
- وبم تفسر إلقاءك إياها من النافذة ؟ أليس هذا شروع في قتل ؟
- سوف أقص عليك ـ سيدي القاضي ـ ما حدث تفصيلا..
كنت أتناول طعامي بعد يوم عمل طويل ’ وفجأة وجدتها أمامي ’ تحملق في بعينيها الواسعتين ’ توقف الطعام في حلقي ’ اتسعت حدقتاي ’ وتسمرت يدي بما فيها من طعام ’ وسكنت الحياة للحظة .. سحبت يدي سريعا ووضعت الطعام أمامها ’ آتت عليه كما لو كانت تراه لأول مرة ’ ولم تعطني فرصة لعمل شئ آخر ’ بل انصرفت ...
كنت أشعر أنه يوم كئيب ’ لقد تزايد المطر ’ وأحسست ببرودة تسري في جسدي’ حتى الكهرباء انقطعت .. بحثت عن شمعة وأضأتها ’ واتجهت إلى مصدر البرد ,,إلى النافذة لأوصدها .. لكني وجدتها ـ مرة أخرىـ أمامي تحاول الدخول .. ودون أن أدري أو يتسرب التفكير’ إلى أغلقت النافذة سريعا ’ تراجعت إلى الوراء ’ ألقيت بجسدي على مقعد قريب .. رحت أهدأ من روعي ’ حاولت أن ألتقط بداية الخيوط ’ لكني كنت مشتت .. لقد شل تفكيري .. لكن .. ما هذا الصوت ؟ إني أسمع صوتا غريبا ’ إنه ليس صوت المطر الذي لا يزال يتساقط .. بات المكان موحشا.. تلمست مصدر الصوت .. إنه خلف النافذة ..اقتربت منه أكثر ’ إنه أنين .. ’ فتحت النافذة على حذر ’ شاهدتها وهي تهوي إلى الأرض .. لم أكن أدري أني أغلقت النافذة على ساقها .. بعدها لم أشعر بشئ حتى وجدت نفسي في محكمتكم ـ معشر القطط ـ..
أعلم ما تريد أن تقوله ـ سيدي القاضي ـ لكني لست السبب في ذلك .. إنه خالي الذي صور لي القطط وكأنها تأكل الصغار مثلي ، وبث ذلك بداخلي منذ الصغر ’ كنت أعجب عندما أرى شخصا ما يداعب قطة .. بل ويقبلها ’ فقد كنت أخشاها .. أخشى أن ألمسها أو حتى أقترب منها ’ وقد ساعدتم أنتم ـ معشر القطط ـ على ذلك ..
ذات يوم كنت في زيارة صديق لي ’ دخلت أخته الصغيرة علينا وفي يدها قطة بيضاء ’ انتابني الفزع .. قال صديقي : جلبتها لأختي ’ انظر : أليست جميلة ؟
أجل هي كذلك .. إنها تحمل في عينيها حنانا لم أعهده من قبل ’ شاهدت الصغيرة تلاطفها ’ طابت نفسي إلى ذلك ’ شدني أن أربت على ظهرها الناعم الملمس.. لكني لم أستطع أن أتخلى عن معتقداتي القديمة .. فقد انتفضت القطة وخمشت الصغيرة التي راحت تنزف دما وتملئ المكان صراخا ..
- هذه هي الحكاية ـ سيدي القاضي ـ وأنا في انتظار حكمكم العادل ..
سرت همهمة بداخل القاعة ’ ثم صوت جهوري يردد : الحكم بعد المداولة ..
لم يشغل الحكم باله قدر انشغاله بأنه ألآن يقف في قفص الاتهام وحيدا..
(تمت )


محمد صالح رجب