قصيدة النثر لا تريد إلغاء ما قبلها
إنما تريد أن تبصر النور
كلنا يعلم أن الفكر الحديث يحب التمرد والثورة على كل ما هو تقليدي وكلاسيكي ويكره النسب المتساوية ويضيق بفكرة النموذج ضيقا شديدا .
والشعر الحر أومايطلق عليه أسم الحديث من تفعيلة ونثر هو أيضا يتمرد على هذه السيمترية الصارمة ويثور على الرتابة .
فأدوات الشعر العامودي الكلاسيكي لا تلبي إحتياجات العقل الحالي , وبنفس الوقت هو متسلط ويريد من الشاعر أن يضحي بالمعاني والصور والإنفعال وصدق التعبير والشعرية التي تملأ نفسه من أجل شكل محدد من الوزن والقافية الموحدة .
أما شعر التفعيلة فالشاعر يكتب ما يتلائم مع حالته الشعورية .
أي أن الدفقة الشعورية والإنفعالية هي التي تتحكم في تحديد طبيعة الموسيقا و الوزن والقافية .
كما أن قصيدة النثر أيضا أكثر تعبيرا عن إحساس الشاعر وترجمة ً لمشاعره وليست
خاضعة لوزن أو قافية . إنما هي عملية إبداع شعري ,أي جدل بين الوعي الإنساني الكائن في أعماق الإنسان مايسمى (الذات) وبين ما يقع خارجها أيا كان نوعه وشكله
أي الموضوع . وإن الذات أثناء تفاعلها مع موضوعها تحدث حركة جدل يتم من خلالها وعي الذات لموضوعها , وهنا يعبر الإنسان عن هذا الوعي بطرائق كتابية مختلفة , شعرا تاريخا فلسفة ً وغيرها .
إن الشعر ليس وصفا وتحليلا ـ كما يعتقد البعض ـ أن هذه مهمته الأساسية ويتهجمون على الحداثة الشعرية من زوايا ما أنزل الله بها من سلطان وإنما الشعر خلق ْ والخلق لا يلتزم بتراتبية مسبقة وإنما يخلق تراتبيته الخاصة به وهي نتاج جدل عميق بين الذات وموضوعها .
وهنا لا بد من التذكير: أن منظومة الحس العربي مجبولة بالإيقاع , فموسيقا الأغاني الفلكلورية تطربنا دون أن نفهم كلماتها أحيانا ,
والشعر العمودي العروضي هو عبارة عن وحدة موسيقية مكررة وقد يكون هذا التكرار إلى مالا نهاية .
مثله مثل فن الزخرفة العربية ( الأرابيسك) , والأذن العربية تعودت فألفت سماع الشعر القديم , لأن الذوق نتاج العادة والتربية مثال ( طبخ الأم )
وبالأخص بعض بحوره الخطابية المثيرة لكوامن النفس العربية .
أما الشعر الحديث يحتاج إلى تدريب ومراس حتى تألفه آذاننا وتهتدي إلى ما فيه من موسيقا خفيفة ونظام سمح ومرن وصولا بموسيقا الكلمة بحد ذاتها ..
كما أنني أرى أن شعر التفعيلة ليس انقلابا على شعر العمود وقصيدة النثر ليس المراد منها إلغاء التفعيلة والعمود وليست ثورة ولا انقلاب وليست بحاجة لمزيد من القواعد والنواظم وآن لشيوخ الكار أن يزيلوا الصدأ الذي يزداد سماكة وصلابة
مع مرور الزمن ويسمحوا للجوهر بالظهور دون حجب وستائر ودون الحاجة للشوافات.
1\7\2010 عبد الكريم سمعون