زيارة خاطفة....

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

رمت ذاك الكأس الزجاجي بكل عصبية وإصرار...سوف تخرج من جلدها فعلا...لم تعد قادرة على تحمل ما تتحمله كل يوم, ما هذا العالم القابل للانكسار؟وما هذه العلاقات الاجتماعية المتكلسة المتشنجة؟أم هي التي انكفأت على روحها بنزق مخيف غدت ترى العالم بنظرة مختلفة؟؟كل شيء بات حولها مسموما..نعم هو التشاؤم بعينه,, ولكن هذه هي حالها اليوم وكفى...
دارت حول نفسها كثيرا,ودارت في أرجاء منزلها كذلك كله وبكل زواياه! لديها ما تقوم به من أعمال لكنها لا تريد حالها اليوم مختلف عما قبل بشكل لافت,ماتعرفه جيدا الآن هو أنها ملت من جدرانه القديمة القوية والصلبة!!, وأنها لم تعد قادرة على الوقوف ملاصقة لها طول الوقت..تسندها وتـُسندها على غرار تلك البيوت الأخرى التي تعرف..!تساءلت بدهشة:
-أمن المعقول ألا نجد علاقة اجتماعية وصداقة دافئة وطيبة حقيقdة ومتينة في ذات الوقت؟ هل هناك هشاشة في تركيبنا النفسي؟هل اهترأت وشاخت؟ أم هنا; ما جعلها تصدأ ببشاعة؟ في عالمنا الواسع من حولنا؟وهل هناك بابا مفتوحا بمحبة , نعيش في حناياه براحة تجعلنا نعود لمنزلنا بشوق من جديد؟هل فرغت المدينة كلها من البشر الصحاح؟ أم هؤلاء أشباح بشر؟مؤكد نظرها ثقل قليلا ولم تعد ترى ما يجب أن يرى,العطل الفني منها هي نعم هذا أكيد, فمفهوم زيارات العيد أيضا قد تغير في عصرنا الحالي الغريب, وباتت تكفي الرسائل الالكترونية على أنواعها؟.
لقد ملت اجترار الماضي الزاهر,ملت استعادة ما لن يعود أبدا..ملت حتى نفسها ..
أشاحت عن خاطرها تلك الذكريات التي لن تجلب إلا مزيدا من الأسى ,و التي أعادتها لخيبات قديمة حاولت دهنها بالعسل الحقيقي الذي كان موجودا حينها,و مازالت جراحا في سجل شخصيتها التي تحسبها لم تنضج بعد,حاولت نسيانها عبثا...وكأنها تاريخ لا يمكن مسحه والعبث به رغم أن العالم كله بات نتاج للعبة عبث كبرى, و لم تعد صورته الآن كما يجب أن يكون ولو كمظهر فقط,فالصورة باتت مترهلة لأبعد الحدود.
يجب أن تفعل شيئا, يجب أن تحرز تقدما ما على أي صعيد...نعم يجب...هذه الحال لا ترضيها بالمرة..
أقبلت على جارور الأطعمة الجافة أخرجت كعكة صلبة وجلست تقضمها بصمت وغضب...وكأنها تنتقم من أحدهم...
نعم تسمو النفوس دوما نحو بارئها لما نبتعد عن دخول العالم الاجتماعي بعمق..بالطبع لا علاقة تعلو على علاقتنا مع الخالق,ولكن الجنة لا تداس بلا ناس!,وحسبنا الله ونعم الوكيل..كانت فعلا وصلت إلى مرحلة غير طبيعية من مراحل العلاقات الاجتماعية المتكلسة, بات الاستمرار على نفس الشاكلة أمر مرهق جدا بل أكثر من ذلك..
صرخت بأعلى صوتها دون وعي:
-ما هذا الحصار الاجتماعي الخفي؟ هل هؤلاء بشر آدميون أم ذئاب؟أم هو جوع النفس والجيب؟
لم تصدق الصدى الذي خرج وحشا هائلا مخيفا يردد ببلاهة ما قالته بتشوه واضح...
لماذا يستمتعون ويتشدقون بقصص تحكي غناهم وترفهم , ويتباهون دون أن يقدمون شيئا يغطي هذا الجري المحموم للغنى؟ لقد فتحت ذراعيها ومنزلها لهم وهم يغلقون الباب حتى عن صداقات الأولاد!! مازال سؤالا مبهما في ذهنها, لا يجد إجابة شافية!لماذا تجد نفسها في موقع الواجب ولا يكلفون أنفسهم عناء حمل المهمة عنها يوما واحدا!إسكاتا للثرثرتها الداخلية حتى؟ هل لسانهم المدهون عسلا يعفي من ذلك؟
أين تلك الأيام التي كانت الأوراق تتطاير للتواصل من باب إلى باب لعدم تواجد هواتف تربط بينهم؟ كان الأولاد يطيرون فرحا عندما يرون بعضهم..ففرقتهم الظروف والأمكنة والحياة الاقتصادية!هل انعكس ذلك على النفوس؟ يا للخيبة..

لم يعد اختيار المناسب من الملابس الآن مهما تريد أن تخرج وكفى,كل الناس في الأناقة واحد ,وكل ما تحت الثياب واحد.. لكن ما خفي تحت العظام كان أعظم, فعلا باتت فكرتها عن البشر مشوهة إلى أبعد الحدود , أو ربما شوهوها هم بعقلهم المزدوج المعقد, وهل هي سلمت من هذا؟غريب حالها هذا اليوم , فعلا غريب.
كانت تشتم رائحة احتراق في داخلها, حتى أنها كادت تنفجر من زيادة الوزن أيضا والكسل الذي يحيط بها .. قد رافق هذا الشعور حوَل نفسي,,مادمنا في المنزل لا نخرج إلا للأمور المهمة فقط فلنواجه هذا الانزياح الصحي,والحيرة النفسية , رغم أنها سعيدة باستقرار حالها وأمورها بشكل عام,لكننا بشر نحب التغيير والتجديد والتطوير.ونحب أن نشحذ هممنا بمتابعة الآخر والاقتباس منه, إلى الآن لم تجد جوابا لانعزالها وبعدها عن المجتمع بشكل معيب!هذا الغياب اللافت ما سره؟
ارتدت ملابسها دون أن تنظر للمرآة, وكأنها تستعيد مفقودا, وبدأت تقلب دفاترها بضبابية وفوضى عارمة,وما ظهر منها غير البعيد وما اختفى منها إلا القريب!
والآن:
هل للحضور دون موعد مكان في حياتنا المعاصرة.؟ أين تذهب لتطفئ نارها المشتعلة بصمت..؟؟؟
تلك المتأججة في كيانها وروحها من يطفئها؟لقد ملت من نفسها وعزلتها وانطواءها رغم كل هذا العالم الجميل الذي أحاطت نفسها به كشرنقة لم يحن موعد إقلاعها للفضاء! لا ليس صحيحا ما قالوه قديما:
-من أرادني فليأتني..
ومن هو هذا الذي سيأتي ؟ هل بات متوفرا ً؟
كانت أكيدة من أنها بعيدة عن مرمى الهواء البارد ,خشية أن يلفحها فيمرضها..لكن المرض أداة حاسمة لمعرفة مستوى المقاومة الداخلي فينا..كم نحيا في عالم متناقض شهي وغريب..
مازالت تتجول وتتذكر تلك العناوين القديمة...
توقفت قليلا عندما تذكرت بابا ً تعرفه جيدا..حرك في روحها لواعج الماضي وضحكات نستها حينا...ولحظات لم تغب عن ذهنها المتعب أبدا..كان الرقم موجودا في هذا الدفتر المتهالك..اتصلت من هاتفها الجوال:
-ماما مش موجود في برا..
تكرر الجواب مرارا عبر عدة هواتف!!حتى كادت تحفظ تلك العبارة الغبية..
فأ قرت أنها في عالم جديد تماما مختلف عما تعرف, لقد ابتعدت عنه أميالا.. بل أكثر..نعم هو جديد وجديد جدا..
قد أضاعت مدبرات المنازل المحترمات سيداتهن..وبات البحث عنهن واجبا ومهمة رسمية!
عندما عادت للمنزل قررت أن تأتي بمدبرة أحوال نفسية...


9-9-2010