عن عبيد الله بن محصن الأنصاري الخطمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أصبح منكم آمناً في سربه , معافى في جسده,عنده قوت يومه فكأنّما حيزت له الدنيا بحذافيرها.)رواه مسلم.
إطلالة على الحديث : كم هي ممتعة تلك الرحلة في رحاب الكلم النبوي الرّاقي,تأمّل,فكر, تتعلّم ما يعود عليك بالخير في أمر دينك ودنياك. فلا خير إلاّ بتحصيل العلم,به يعرف الله وبه يعبد.وبه يميّز الحق من الباطل, وينشط العقل ويصقل الفكر ويستقيم السلوك على منهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم,واللطيفة الحديثية التي آثرت أن أتكلّم فيها قيّمة تهم كل مؤمن عاقل بعيد النظر سليم العقل والفكر,حيث يبيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة بل للإنسانية بأسرها القيمة الحقيقية للدنيا من خلال ما هو لك وبه قوام عيشك فيها,فإن حصل لك فأنت في نعمة,وأيّ نعمة ! واعلم أن الدنيا هي بين يديك بكل ما يموج فيها من الملذات والمتع . تأمل معي : إذا انفجر الصبح من الأفق ونهضت من نومك فذكرت ربك وأديت فريضتك,وأنت ترفل بثياب الصحة والعافية تتدفق حيوية ونشاطاً حيث لا يراودك أي لون من الخوف على نفسك أو مالك أو عرضك وبين يديك ما يقيم صلبك ويحفظ حياتك ومن تعول من الطعام الحلال الطيّب , وما يتبع ذلك من لباس يستر بدنك وبيت يؤويك فاعلم أن الدنيا قد اكتمل ما قدّر لك منها . هذا هدي نبينا صلى الله عليه وسلم ومنهجه , ولكن الناس اليوم أداروا ظهرهم لهذا المنهج الّذي يربطهم بالآخرة ويجعل لها مكاناً في قلوبهم . وانطلقوا لاهثين وراء الدنيا , يستكثرون منها , بنهم عجيب وطمع وجشع , ولو كان الثمن باهظاً وهو دينهم . حديث النبي صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه , تضمن ضابطاً دقيقاً في علاقة المؤمن بالدنيا وتعامله معها قائم على قدر حاجته لا يتجاوزها , لأنه يعيش يومه ولا يدري أيبقى إلى غد أم يمسي في معسكر الموتى قبل أن يقفل يومه بظلمة الليل. من هنا , ندرك أن التهافت على الدنيا , وجمع حطامها , من مال وغيره , قد لا تأكل منه لقمة واحدة ولا تلبس منه ثوباً .. فهو إذاً ليس لك وإنما جمعته لغيرك له غنمه وعليك غرمه إن كان من كسب خبيث. واعلم أن لك في دنياك نصيب فاسع لنيله ( ولا تنس نصيبك من الدنيا ) وليس لك غيره . يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى : قال الله عزّ وجلّ : " يا ابن آدم خلقتك من أجلي فلا تلعب وخلقت لك كلّ شيء فلا تتعب . إن رضيت بما قسمت لك أرحت قلبك وبدنك وإن لم ترض بما قسمت لك جعلتك تركض ركض الوحوش في البرّية وليس لك إلاّ ما قسمت لك . " أيها العاقل بيقين أقول لك ليس كل مابين يديك من دنياك هو لك, بل بعضه , فاتق الله , وأجمل في الطلب,وما عند الله خير وأبقى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
المصدر : رياض الصلحين ( للإمام النووي ) رحمه الله تعالى . ص (194) باب فضل الجوع وخشونة العيش . نص الحديث لا غير.