كتب مصطفى بونيف

لولاك يا لساني، ماضربوك يا قفايا!


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



تعملت هذه الحكمة عندما كنت في خدمة الجيش، حيث كانت يد العريف سنوسي تنزل على قفايا مثل القضاء المستعجل عندما أدلي بأي تصريح، ومن ضمن ذكرياتي مع هذا الكف الأنيق أنني ذات مرة وبينما كنت جالسا على مائدة الطعام رأيت صرصارا لذيذا يسبح في صحن الشوربة من غير مايوه، فصرخت :" صرصار"، فإذا ( خير اللهم اجعله خيرا) بالبرق يلمع بين عيني نتيجة كف حار على القفا، وصوت عمي سنوسي وهو يقول "كل وأنت ساكت!".
ضربة القفا من العريف سنوسي (يا جماعة) علامة مسجلة، مثلها مثل ضربة المقص وضربة العقب في كرة القدم، بنكهة اللسعة ، من أجل ذلك أصبحت كف العريف سنوسي تطاردني حتى بعد خروجي من الجيش، فقبل أن أدلي بأي تصريح أو أن أقول رأيا أقلبه في لساني سبع مرات، ولا أطلقه إلا بعد تأمين ظهري، من أجل ذلك تجدني أوقف أحدهم خلفي قبل أن أقول كلاما مهما.
فعندما أدخل إلى البقال وأسأله عن كيلو العدس ويقول لي السعر، أنادي أحد الأصدقاء ليقف ورائي ثم أصرخ في وجه البقال " الأسعار غالية عندك، هل أنت بقال أم جواهري؟"، ثم أخرج من السوق وأنا ألعن سنسفيل جشع التجار، وخلفي الأمان كله..صديقي!.
وعلى رأي الشاعر الجاهلي القديم ( الفم المقفول لا تدخله دبانة)، أي من الأفضل أن لا تتكلم وأن لا تنخدع بمواد الدستور التي تدعي حماية حرة التعبير، خاصة وأن الحياة علمتنا أن لا نصدق ثلاثة أشياءنقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي أعضاء مجلس الشعب، والجرائد، والدستور).
وكم من قفا تم سلخها بسبب الدستور، وكم من مثقف ومفكر سياسي تمت معاملته تماما مثل ( حرامي الغسيل) داخل مراكز الشرطة في خدمة الشعب!.
من أجل هذا تجدني أسير تحت الحائط وأنا أغني رائعة امرئ القيس (قفا نبك).
الغريب يا جماعة أن كف العريف سنوسي بقيت تطاردني إلى يومنا هذا، وأتخيلها تحوم حول رأسي إذا وسوس لي شيطاني اللعين أن أقول رأيي بصراحة..لقد أصبحت كف سنوسي هاجسي الأول والأخير.
حتى في المواقف التي يفترض فيها أن يكون لرأيي فيها اعتبار، تتراءى لي تلك الكف وهي تحوم كحمامة نزلت لكي تشرب.
حتى قبل أن أن أعاكس أية أنثى لا بد من تأمين الخلفية، لأن الضرب في مثل هذه المواقف سيكون شديدا، وأنتم تعرفون جيدا ما من فتاة تمر تحت يدي إلا وأخضعتها للفحص التقني كالفحص الذي يقوم به المهندس عندما نشتري سيارة جديدة، يجب أن تتأكد من قوة المحرك، صحة الفرامل، فعالية البطاريات، سلامة الغمازات، سلامة وصحة المقاعد الأمامية والخلفية( للسيارة طبعا)، ثم تأخذ الشهادة الصحية من المهندس وهو يقول لك "ألف مبروك".، من أجل ذلك يصطحب العريس معه ولي أمره عندما يتقدم لخطبة فتاة، لحماية قفا ولده من بطش يد أهل العروس في حال بدر منه تعبير هكذا أو هكذا لا سمح الله .، وأنا بصراحة من النوع الذي يعشق التعبير في مثل هذه المواقف.


أجلس بكامل أدبي على الأريكة مع أهل العروس، ثم يبدأ ذلك الحوار المستهلك في الأفلام العربية..مع قطع الجاتو، والعصير والملبس..حتى تحل ساعة الحقيقة المطلقة ( فهيمة بالونات) العروسة تدخل علينا وفي يدها طقم الشاي الصيني، تدخل في حياء مصطنع من الذي تعرفونه جيدا، ثم تجلس في مواجهتي ...و كما تعرفون عني فإني خجول إلى أبعد الحدود في مثل هذه المواقف.
أنفجر قائلا : - القوات الأمريكية أعلنت انسحابها من العراق، هذا نصر للمقاومة بكل تأكيد.
يهمس أبي في أذني: - عن أية قوات تتحدث، هل تظن نفسك عبد الباري عطوان في قناة الجزيرة، ركز معنا!.
طخ..طخ..طخ ( صوت ضرب القفا بكف الرقيب سنوسي المباركة).



أتنحنح متأسفا ثم أضع رجلا على رجل لأقول مستدركا:
- المدرب سعدان أخطأ عندما أقحم اللاعب عبد القادر غزال في مباراة الجزائر أمريكا في المونديال.
تدوس أمي على قدمي، وتجحظ عيناها بطريقة عجيبة ثم تهمس في أذني مزمجرة كأنها ستأكلها: ليت الداية التي قطعت حبلك السري عندما وضعتك داست عليك بقدمها، هل تظن نفسك في برنامج استوديو الرياضة؟.
طخ..طخ..طخ ( صوت ضرب القفا بكف الرقيب سنوسي التي ربما تأتي على سيرة أمريكا).
وأمام هذا الحصار الإعلامي لا أملك سوى أن يخرج العفريت النائم في صدري، وعلى كل شخص أن يتحمل المسؤولية كاملة.
- ما شاء الله العروسة حلوة!.
تنفجر الحمرة من وجنتي العروسة، بينما تسترسل أمها في تعداد مناقب ابنتها..." بنتي كل اصبع بصنعة، طبخ، نظافة، صحة،لمعان.."
أهمس في أذن أمي: نحن نطلب يد امرأة أم بصدد شراء غسالة كهرومنزلية؟.
وبعينين جاحظتين: - اسكت يا ابن المجنونة.
- حاضر يا أمي!.
ثم أستلم الميكروفون معطرا من يد والدتي :
- طبعا أنتم تعرفون جيدا ما هو أكثر شيئ يهتم الشباب بأن يجدوه عند الفتاة؟
أمها : حسبها ونسبها؟
- طبعا لا يا خالتي!
أبوها: أخلاقها ؟
- طبعا لا يا عمي هذا آخر شيئ يهم في أيامنا هذه، يبدو بأنك لا زلت تعيش زمن الأبيض والأسود، نحن في زمن التكني كولور يا عم.
أمي : طبعا أهم ما يهم الشباب هي عيون الفتيات، من أجل ذلك انتشرت العدسات اللاصقة.
- يا أمي عن أية عيون تتحدثين، أقول لكم الشباب في هذا العصر وليس في العصر العباسي زمن عيون المها؟
أبي: إذن هو المال، نحن في زمن المادة، صدقت يا بني !.
- لو كان للمال من قيمة في نظر الشباب للبنات، ما كنت قد وجدت نفسي في هذا الاجتماع العجيب، اللهم إلا إذا اكشتف عمي منصور مقبرة فرعونية أو بئر بترول في بلكونة الصالون.
إن أهم ما يلفت الشباب في بنات هذه الأيام هو ال....طخ طخ طخ ( يا قليل الأدب...أخ باغتتني كف عمي سنوسي هذه المرة).
أخرج إلى الشارع بحثا عن مكان أقول فيه رأيا ولا أخاف شيئا، أريد أن تنقطع يد سنوسي التي تتبعني في كل مكان.
حتى مقالي هذا أكتبه لكم من بيتي، وخلفي يد العريف سنوسي، لكنني ولأجلكم سأقول الحقيقة كما أراها، لا أحب أن أكون شاهد زور على العصر، وسأقدم قفايا رخيصا على مسلخ حرية التعبير...
طخ..طخ..طخ...!!!.



مصطفى بونيف