نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

محمد محمود أبو المعالي / نواكشوط
الكتاب
الظاهرة اللغوية: الأصل والتطور والمستقبل
المؤلف
الدكتور محمد ولد عبد الحي
الناشر
مكتب شؤون الإعلام بدولة الإمارات العربية المتحدة
أصدر مؤخرا الباحث الموريتاني الدكتور محمد ولد عبد الحي ، دراسة لغوية ولسانية تحت عنوان "الظاهرة اللغوية: الأصل والتطور والمستقبل"، تتبع فيها أصل اللغة وطبيعتها وعوامل نموها، وأسباب اضمحلالها وذهاب سلطانها وتأثيرها، جمع المؤلف في كتابه كثيرا من النظريات اللغوية واللسانية، وأفزعت مباحثه المذاهب المختلفة لعلماء اللغة قديما وحديثا في مخابئها، فجاء الكتاب دراسة علمية رصينة مبنية على وقائع العلم، بعيدة من الحدس والتخمين والقراءات الانطباعية والأحكام التي لا تستند إلى ركن ركين من العلم.
ويؤكد هذا البحث نجاعة وقوة المنهجية التي اعتمدتها اللسانيات الحديثة والتي تضاهي في تجريدها وصرامتها الطريقة العلمية البحتة، وقد تناول الدكتور في كتابه في فصول أربعة مختلف جوانب الظاهرة اللغوية وأبعادها المختلفة وتجلياتها، وأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
الظاهرة اللغوية في ذاتها
اللغة خاصية نوعية تميز الإنسان دون غيره من سائر الحيوانات وقد فطر الإنسان على القدرة على تعلم اللغة، وأخذها من المحيط الذي ينشأ فيه . وميز المؤلف في هذا الفصل بين اللسان الذي هو ملكة، مودعة في الإنسان، وبين اللغة التي هي مجموعة من المفردات ، وبين الكلام الذي هو استخدام خاص لما تتيحه اللغة من الإمكانيات، والكلام يصطبغ بصبغة الفرد الذي ينتجه "ACTE INDIVUDUEL ، ولذا كان الأسلوب لصيقا بصاحبه، لا يكاد ينفصل عنه
منشأ الظاهرة اللغوية
تحدث المؤلف تحت هذا العنوان عن اختلاف اللغويين واللسانيين في أصل اللغة وطبيعتها هل هي اصطلاح أم إلهام من الله تعالى وتعليم منه لخلقه ، وخلص إلى أن مثل هذا الخلاف لا يبنى عليه شيء، وليس من صميم المباحث اللغوية .
تعداد اللغات وتوزيعها وتصنيفها في العالم
تناول المؤلف تحت هذا العنوان مسألة تعداد اللغات وتصنيفها إلى عائلات لغوية ، واعتبر أن اللهجات التي تتفرع عن لغة واحدة، تعتبر كلها مستويات لغوية ترجع إلى أصل واحد ، ويكون اختلاف اللهجات راجعا إلى اختلاف المناطق، وتحت تأثير الجوار الجغرافي، إذ عرفت في القديم لهجات عربية، أو لغات كلغة قريش ولغة اليمن، وهي لهجات من أصل واحد، إلا أنها تختلف في بعض أوجه الاستعمال، وهذا أمر طبيعي في شأن اللغات وتطورها، لما يصيبها من تطور، وما تستفيده من المفردات والتراكيب عن طريق الاقتراض.

وتبقى مستويات اللغة متطورة بتطور العمران، وتحدث للناس طرائق وأنماط من التأليف ، والمؤاخاة بين الألفاظ بحكم اجتماع لغتين أو أكثر في لسان واحد ، وما ينشأ عن ذلك من تجاذب بين اللغات المختلفة.

واعتمد الدكتور محمد ولد عبد الحي على إحصائيات دقيقة في ذكر عدد لغات العالم، إذ قدرت الأكاديمية الفرنسية عدد اللغات في العالم بحوالي 2796، وقدرها المعهد الصيفي للغات بتكساس ( الولايات المتحدة ) سنة 1996 بحوالي 6703، وفي سنة 2000 قدرها نفس المعهد بحوالي 6809 .

ولم يفت الباحث التنبيه إلى أصناف لغوية منها: لغات لها بنى نحوية، أو الموقعية أو العازلة، ولا تتيح هذه اللغات فرصة حراك كبير للكلمات،
لغات إلصاقية : كاليابانية، والتركية ، ولغات إعرابية عديدة، ويتميز هذا الصنف بوجود روابط نحوية، كاللغات السامية والهندو أوروبية .
عوامل حياة اللغة وموتها
تحدث الأستاذ المؤلف تحت هذا العنوان عن الدور الكبير الذي تقوم به اللغة من التمكين للناطقين بها، في قلوب الناس، وفتح الحصون المغلقة، واستشهد على ذلك بقول الرئيس الفرنسي السابق الجنرال ديغول حين زار السنغال، بعد حصول هذه الدولة على استقلالها، واستقبله السنغاليون بحفاوة كبيرة ،على خلاف ما كان ينتظره الجنرال الفرنسي، ذلك أن الفرنسيين لم يغادروا السنغال إلا بعد أن مكنوا للغتهم ، وحببوها إلى قلوب سكان ذلك الصقع الإفريقي، فلم يقض الرئيس الفرنسي العجب من أمر مستقبليه فقال :"إن الفرنسية تصنع للفرنسيين، ما يعجزون عن صنعه لأنفسهم".
ومن رجال السياسة عندنا قوم يظهرون حب اللغة العربية ويضمرون بغضها، إذا تكلم متكلم بإزاء أحدهم بها وجافى الصواب، احمرت وجنتاه، وعرف الشر في وجهه.
واللغة لا تحيا وتنتشر إلا بجهد أبنائها، وحرصهم على سلامتها، وسلاسة ألفاظها وجودة تراكيبها، أما من شابت ذوائبه في تصفح تراث، فولتير وموليير وروسو وشكسبير ... وغيرهم من رموز الثقافة الغربية فلا يرجي منه أن يكون نصيرا للغة الضاد.

http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-99-8958.htm