العنف ضد المرأة وكيفية تأهيل ضحايا العنف المنزلي / خانم رحيم لطيف

خانم رحيم لطيف
مقدمة يمارس العنف على أساس نوع الجنس على نطاق العالم ، ولا يختلف من مجتمع لآخر إلا من حيث نطاقه ، ويرتكب الأزواج والأباء أو غيرهم من الأبناء الذكور، قدراً كبيراً من هذا العنف بحق النساء والفتيات، ويمكن أن يكون البيت من أخطر الأماكن بالنسبة للمرأة.
كما تعاني المرأة خارج أسرتها من أعمال عنف متعددة الأشكال والدرجات، يمارسه عليها رجال لا يمتون لها بصلة القربى من منطق الشعور بالتفوق الذكوري، حيث تتعرض المرأة خارج منزلها للعنف اللفظي والنفسي والبدني والجنسي، ابتداءً من الكلام البذئ والتحرش الجنسي وانتهاء بالاغتصاب ، كما تخضع في أماكن العمل للتخويف والابتزاز والمضايقات المستمرة، من الرؤساء والزملاء (العنف العام) .
صدر القرار رقم 1990 /15 لعام 1990 من المجلس الاقتصادي الاجتماعي باعتبار أن:
(العنف ضد المرأة سواء في الأسرة أو المجتمع ظاهرة منتشرة تتعدى حدود الدخل والطبقة والثقافة ويجب أن تقابل بخطوات عاجلة تمنع حدوثه، بوصفه السبب الرئيسي لتجريد المرأة من حقوقها حتى المكتسبة منها، وإيصالها إلى قاع السلم الاجتماعي وجعلها أفقر الفقراء، (وكان من نتائج هذا التحول أن بادرت الأمم المتحدة منذ عام 1991 إلى تخصيص فترة محددة من كل عام من 25/11 إلى 10/12 تنظم فيها حملات عالمية لمكافحة العنف ضد المرأة، تسلط فيها الأضواءعلى هذه الظاهرة من كافة جوانبها واستنباط ما يلزم من وسائل وتحريك كل الإمكانيات المتاحة للقضاء عليها. ومؤخرا يجري الإعداد لتشريع نموذجي بشأن العنف المنزلي من قبل الأمم المتحدة
وعلى ضوء الإعلان العالمي بشأن القضاء على العنف ضد المرأة يمكننا تقسيم ورقة العمل إلى:
تعريف العنف ضد المرأة
"هو أي عمل عنيف عدائي أو مؤذ أو مهين تدفع إليه عصبية الجنس يرتكب بأي وسيلة كانت بحق أية امرأة لكونها امرأة ويسبب لها أذى نفسي أو بدني أو جنسي أو معاناة بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية سواء حدث ذلك في الحياة العامة أو الخاصة".
أشكال العنف ضد المرأة
أولاً: العنف الأسري:
إن المصدر الأكبر الذي يتهدد النساء ، بلا استثناء ، هم الرجال الذين يعرفنهم، وليس الغرباء ، وغالبا ما يكون هؤلاء أفراد العائلة أو الأزواج ...وما يثير الدهشة هو درجة الشبه التي تحيط بهذه المشكلة في مختلف أنحاء العالم .حيث يعتبر البيت بالنسبة لملايين النساء ، ليس المأوى الذي يجدن المأمن فيه، وإنما مكان يسوده الرعب، حيث يمثل العنف الأسري أكثر أشكال العنف ضد المرأة انتشارا وأكثرها قبولا من المجتمع وتتعرض له نساء ينتمين إلى كل الطبقات الاجتماعية والأجناس والديانات والفئات العمرية على أيدي رجال يشاركونهن حياتهن.
ويمكن القول بأن العنف الأسري هو المعاملة السيئة التي تتلقاها الأنثى سواء في منزل أبيها من قبل هذا الأخير أو من قبل أخوتها أو في منزل زوجها، الذين يعتقدون أن لهم عليها حق التأديب. ويعتبر العنف المنزلي انتهاك لحق المرأة في السلامة الجسدية والنفسية ومن غير المستبعد أن يستمر لسنين عديدة ويتفاقم من الواضح أن أثاره الجسدية والنفسية ذات طبيعة تراكمية يحتمل أن تدوم حتى بعد أن يتوقف العنف نفسه. والعنف المنزلي يخلق الرهبة والشعور بالإهانة والمذلة يدمر احترام الانسان لذاته ويتخذ أشكالا عديدة سنتحدث عنها في الفقرة التالية
العنف المعنوي النفسي:
ويعتبر من أخطر أنواع العنف فهو غير محسوس وغير ملموس ولا اثر واضح له للعيان، وهو شائع في جميع المجتمعات، غنية أو فقيرة متقدمة أو نامية، وله أثار مدمرة على الصحة النفسية للمرأة، وتكمن خطورته أن القانون قد لا يعترف به، كما ويصعب إثباته. حيث تعاني المرأة داخل الأسرة، زوجة كانت( أم ، ابنة أو أخت ) من العنف النفسي الذي يرتكبه بحقها رجال العائلة، وفيه الإهانات والإهمال والاحتقار والشتم والكلام البذئ والتحقير والحرمان من الحرية، والاعتداء على حقها في اختيار الشريك، والتدخل بشؤونها الخاصة، مثل الدخول أو الخروج في أوقات معينة، وارتداء ملابس معينة والتدخل بأصدقائها ومراقبة تصرفاتها كلها وإجبارها مثلاً على إنجاب عدد أكبر من الأولاد ، وإجبارها على تقديم الخدمات لكافة أفراد العائلة وضيوفهم، كلها أفعال تؤدي لأن تكره المرأة حياتها ونفسها وأنوثته،ا مما يؤثر على معنوياتها وثقتها بنفسها. وتحت العنف المعنوي يندرج ما يسمى بالعنف الرمزي الذي لا يتسم بالقيام بأي فعل تنفيذي بل يقتصر على الاستهتار والازدراء واستخدام وسائل يراد بها طمس شخصية الضحية، أو إضعاف قدرتها الجسدية أو العقلية، مما يحدث تأثيرا سلبيا على استمرارها في الحياة الهانئة وقيامها بنشاطاتها الطبيعية.
إن العنف المعنوي منتشر وبشكل كبير بسبب القيم الثقافية والتقليدية التي تكرس تنشئة المرأة اجتماعياً وجعلها خاضعة منذ طفولتها المبكرة حيث تسيطر الأعراف الثقافية لسلوك الذكور المقبول فللرجل حق السيطرة على المرأة ، والرجال قوامون على النساء ، وارتباط فكرة العنف بالرجولة والذكورة ، فتعامل المرأة داخل الأسرة على أساس أنها ضعيفة وعليها الخضوع لرجال العائلة فالشتم والإهانة وتقديم الخدمة والحرمان من الحقوق الشخصية أمر لا تجب مناقشته أو الاعتراض عليه.
العنف الجسدي والجنسي:
فالعنف الجسدي يكون واضحا ويترك آثارا بادية للعيان، وتستخدم فيه وسائل مختلفة . وغالبا ما تكون هذه الأدوات اليدين، والرجلين بحيث تتوجه اللكمات للضحية على الوجه والرأس وسائر مناطق الجسم، إضافة إلى شد الشعر، وقد يتم اللجوء إلى وسائل أخرى كالعصا والسكين... أو تكسير أدوات المنزل وقذفها على الضحية.
ويمكننا أن نعرف العنف الجسدي والجنسي بأنه الإيذاء البدني والجنسي ابتداءً من الركل - الصفع - شد الشعر - والضرب والتحرش الجنسي وسفاح القربى - وهتك العرض والخطف والفحشاء والدعارة مروراً بالممارسات الجنسية الشاذة والاغتصاب ويضاف إليه الاغتصاب أيضا في إطار الزوجية،( القوانين العربية لا تعترف بالاغتصاب في إطار العلاقات الزوجية ومنها قانون العقوبات السوري ) وقتل الشرف وإحداث العاهات الدائمة والحرق وانتهاءً بالقتل. فالضرب وتكسير وتشويه الأعضاء، وغيرها من أنواع الإيذاء الجسدي موجودة تشير إليها الدراسات وسجلات المحاكم الشرعية والجزائية والصحف التي تقرأ فيها جرائم كثيرة من هذا النوع وحتى قتل الزوجة أو الابنة أو الأخت أو العمة لأسباب متعددة وقد يكون منها بدافع الشرف .
ويعتبر العنف الجنسي من أخطر أنواع العنف الذي تتعرض له المرأة داخل الأسرة، إلا أنه يبقى في طي الكتمان، حيث التحرش الجنسي والخطف والاغتصاب وسفاح القربى وهتك العرض والدعارة والمجامعة بأشكال شاذة تتعرض لها المرأة (زوجة ، ابنة ، أخت ، أم ...) من رجال العائلة.
العنف القانوني:
نظراً لارتباط العنف المعنوي الذي يمارس ضد المرأة والذي يؤدي إلى إخضاعها وقهرها بتطبيق القوانين التمييزية ضدها والتي تؤدي بالنتيجة إلى العنف الجسدي والجنسي أردت إيراد هذا الشكل من أشكال العنف والذي لم يرد ذكره في الإعلان العالمي ولكنه يعتبر من أهم أنواع العنف الذي يمارس ضد المرأة، حيث تخضع النساء في بلادنا للعنف بسبب القوانين ابتداءً بقانون الجنسية ومروراً بقانون العقوبات وانتهاءً بقانون الأحوال الشخصية حيث يُقَونْنْ هذا الأخير، أفظع أشكال التمييز ضد المرأة وذلك في مواضيع الزواج والطلاق والحضانة والولاية والإرث ، وعلى هذا الأساس فإن مظاهر التمييز بين الرجل والمرأة المولدة للعنف داخل الأسرة تستقي أصولها من قوانين الأحوال الشخصية وقانون العقوبات والجنسية وبعض القوانين التمييزية الأخرى التي تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة واستعبادها وتتعامل معها باعتبارها جنساً أدنى، يتبع الرجل ويجوز أن يتعرض لكل أشكال العنف
ثانياً: العنف العام:
وهو الذي يحدث في إطار المجتمع العام، ومن قبل اشخاص غرباء لايمتون بصلة القربة للفتيات أو النساء اللواتي يتعرضن له ويشمل كافة انواع العنف النفسي والجسدي والجنسي بدءا من المضايقات اللفظية الإهانات والاعتداءات و التحرش الجنسي في الشارع والمضايقة الجنسية وانتهاءا بالاغتصاب والعنف في اماكن العمل من قبل الزملاء والرؤساء، والاتجار بالنساء واستغلالهن بالسياحة الجنسية والاعتداء عليهن واغتصابهن في أوقات النزاعات المسلحة.
المقترحات والتدابير الواجب اتخاذها للقضاء على العنف ضد المرأة
إن التفكير بالحلول لمشكلة المرأة المعنفة بعد وقوع العنف أمر جيد لكنه غير كاف للقضاء على العنف ضدها لا بد لنا من التفكير بالحلول الوقائية التي تمنع حدوث العنف والتي تكرسها الأعراف والتقاليد والنظرة التقليدية لدور المرأة والرجل في العائلة حيث يمكننا بهذا الصدد أن نفكر:
إيجاد برامج تدريبية ترمي إلى الحيلولة دون حدوث العنف قبل أن يبدأ فمساعدة البنين والبنات على تعلم كيفية تسوية النزاعات بطريقة غير عنيفة وتقديم برامج تعلم كيفية الخروج من الأفكار التقليدية عن الذكورة والقوامة وغيرها من البرامج التي قد تغير المفاهيم والأفكار التي تحرض على ممارسة العنف ضد النساء.
وضع وتنفيذ برامج تربوية خاصة تهدف إلى تأهيل الفتاة وإعطائها الثقة بالنفس وتمكينها وتقوية احترامها لذاتها.
العمل على تعزيز ثقافة الحوار واحترام الأخر داخل الأسرة من خلال برامج توجه للأسرة وللمقبلين على الزواج.
إدخال مفاهيم تبادل الأدوار داخل الأسرة ( الجندر ) إلى المناهج الدراسية وتعليم البنات والبنين على مهارات حل النزاعات بالطرق السلمية عن طريق الأنشطة اللاصفية.
نشر الوعي حول ظاهرة العنف الأسري ونقلها من الشأن العائلي إلى الشأن العام خلال حملات توعية شاملة لكل من النساء والرجال.
إجراء الدراسات والأبحاث حول هذه الظاهرة لتحديد أنواعها وأسبابها وصولا لمعالجتها ومنع حدوثها.
القضاء على الأمية القانونية للمرأة وصولا لمعرفتها بحقوقها الممنوحة لها بالقوانين.
تأمين مراكز استماع للنساء ضحايا العنف لتقديم الإرشاد القانوني والنفسي للمرأة المعنفة وتقديم خدمات تأهيل للضحايا وبرامج للمساعدة على تجاوز المشكلة من كافة النواحي.
العمل على إصدار نصوص قانونية تجرم العنف الأسري ووضع إجراءات تكفل تقدي ابلاغات حول العنف الأسري سواء أمام الشرطة أو مباشرة أمام المحاكم والحكم بالتعويض للمتضررين إلى جانب العقوبة الجزائية.

توفير مراكز إيواء للنساء ضحايا العنف لأنه ضرورة ملحة فالمرأة المعنفة تعاني إيذاء نفسي أو صحي بحاجة إلى مكان ترتاح فيه وتسترجع قواها وثقتها بنفسها ويجعلها تفكر بحلول ناجعة لمشكلتها بعيداً عن ضغوطات الأهل أو الأقارب كما وأن المتزوجة المعنفة التي تعود لمنـزل أهلها تعاني الإهانة والتحقير والإكراه على العودة إلى الزوج فلا تملك حرية الاختيار ، فمثل هذه المراكز تجعلها أقوى وأقدر على أن تختار.

تدريب أفراد الشرطة والقضاة والاطباء والاخصائيين الاجتماعيين والنفسيين وكل من له صلة بالتعامل مع النساء والفتيات ضحايا العنف على كيفية التعامل معهن وتوفير الحماية والخدمات الفورية والمعالجة والتأهيل.
تخصيص شرطة نسائية في جميع المخافر وأقسام الشرطة للتعامل في هذه المراكز مع الفتيات والنساء اللواتي يحضرن إلى تلك المراكز.


http://maakom.com/site/article/332