القرصنة الثقافية:


عندما زعم مناحم بيجن أن اليهود هم الذين بَنَوُا الأهرام!


د. إبراهيم عوض

أودّ أن أوضح بادِئَ ذى بَدْءٍ أننى عادة ما أستعمل مصطلح "الثقافة" بمعنى النشاط الإنسانى المعنوى وما يتمثل فيه هذا النشاط من لغةٍ ودينٍ وفكرٍ وأدبٍ وفنٍّ وقِيَمٍ وسلوكٍ وعاداتٍ وتقاليدَ وقوانينَ ونظمٍ سياسيةٍ واجتماعيةٍ واقتصاديةٍ وتربويةٍ...إلخ، إذ الثقافة، كما أفهمها، هى جزء من "الحضارة"، وهذه تشمل عندى "المدنية" و"الثقافة" جميعا، أى النشاط الإنسانى فى جانبيه الاثنين: الجانب المادى، والجانب المعنوى. وقد ذكرت تشارلت سيمور سميث فى معجمها: "Dictionary of Anthropology" فى مادة "Culture" أن اثنين من الباحثين فى هذا المجال قد استطاعا أن يرصدا عام 1952م، أى قبل أكثر من نصف قرن، نحوًا من 300 تعريف لذلك المصطلح. وهناك من العلماء من يضع "الثقافة" فى مقابل "الحضارة"، ومنهم من يقسّم "الثقافة" إلى "ثقافة معنوية" و"ثقافة مادية"، مما يجعلها ترادف "الحضارة" عندى.
والتراث الثقافى، حسب تعريف المادة المخصصة له فى نسخة "الويكيبيديا" الإنجليزية، يشمل كلا من المنتوجات الصناعية البشرية والسمات المعنوية لأى جماعة بشرية مما تورثه الأجيال الماضية ويحافظ عليه الجيل الحاضر ويهبه لصالح الأجيال المقبلة. ويشمل النوع الأول من التراث الثقافى المبانى والأمكنة التاريخية والآثار والمنتوجات الصناعية الجديرة بحفظها للمستقبل، ويدخل فيها الأشياء التى تتصل بالآثار والعمارة والعلوم والتقنية الخاصة بثقافة من الثقافات. وبالمثل يمكن أن يشمل التراث الثقافى أيضا المناظر الطبيعية ذات الخصائص الثقافية، ومنها المناطق الريفية والبيئة الطبيعية من حيوان ونبات، وهو ما يمثل عنصرا من عناصر الجذب السياحى داخليا وخارجيا. ويتسم التراث الذى تخلفه لنا الأجيال الماضية بالفرادة واستحالة تعويضه، وهو ما يلقى بالمسؤولية على الأجيال الحالية. وفى العالم اليوم على سبيل التقريب تسعمائة موقع تراثى معظمها ثقافى، والباقى طبيعى، وهى تتوزع على نحو ما يقرب من مائة وخمسين دولة، وتعد ذات أهمية لأمم العالم أجمع لا للدول التى تملكها فقط. ويدخل فى التراث الثقافى الأساليب والوسائل التى تحكم سلوك الأفراد فى مجتمع من المجتمعات، ومنها العادات والتقاليد والممارسات والمفاهيم الروحية والجمالية والتعبير الفنى واللغة وما إلى ذلك من ألوان النشاط البشرى مما يشكل صعوبة أشد فى الحفاظ عليه مما يتطلبه الجانب المادى من ذلك التراث.
ولسوف يكون موضوعى فى هذه الكلمة السريعة هو ما يردده كثير من الناس فى إسرائيل والدول الغربية من أن الأهرام قد بناها يهود. فمثلا هناك كتاب صدر عام 1860م بعنوان "Our Inheritance in the Great Pyramid" للمنجم الملكى الأسكتلندى تشارلز بياتسى سميث زعم فيه أن أهرام الجيزة قد بناها اليهود بوحى من اللهThis goes back to the 1860s, when Charles Piazzi Smyth, the Astronomer Royal of Scotland, published a book, 'Our Inheritance in the Great Pyramid', claiming that the Pyramids of Giza were built by Jewish slaves under divine .inspirationومنذ أواخر السبعينات من القرن المنصرم بدأنا نسمع من بعض المسؤولين الإسرائيليين نغمة من النغمات الشاذة السخيفة التى تعودنا عليها منهم، ألا وهى أنهم بناة الأهرام. نعم بناة الأهرام حتة واحدة. سمعنا بهذه النكتة من فم مناحم بيجين حين زار مصر فى عهد الرئيس السادات وأُخِذ فى جولة سياحية شملت المتحف القومى المصرى، وهناك قال إنهم، أى اليهود، هم الذين بنوا الأهرام.
إن مصر من الأمم الغنية بالتراث من كل لون، بل هى أغنى دولة فى هذا المضمار، على عكس إسرائيل، التى اغتصبت من الفلسطينيين وطنهم وأرضهم ومارست وما زالت تمارس معهم أقسى ألوان الوحشية والإجرام. ولقد تعودت إسرائيل على السلب والنهب ولم تعد تبالى بنقد أو استنكار، وبخاصة أننا نحن العرب قد استكنّا لما تفعله بنا فلم تجد إسرائيل مقاومة لها ولمخططاتها الشيطانية، وأن الدول الكبرى تساندها لغاية فى نفوسها، فاكتمل لها مقومات النهب الآمن اللامبالى. ويبدو أن بعض المسؤولين الإسرائيليين يريدون أن يضيفوا إلى قرصناتهم العسكرية والسياسية القرصنة الثقافية. وكانت البداية التى نبهتنا إلى ذلك هى التصريح الذى أعلنه مناحم بيجين بشأن بناء الأهرام وزعمه الكاذب بأنهم، أى اليهود، هم الذين بنوه.
ولم تنم المسألة عند هذا الحد، بل كانت لها تداعياتها عبر السنين، فسمعنا مثلا بعد أعوام طويلة د. زاهى حواس أمين المجلس الأعلى للآثار فى مصر يصرح عام 2002 لبعض القنوات التلفازية العالمية على مرأى ومسمع من مئات ملايين المشاهدين حول العالم بأن الأهرام هى إنجاز مصرى قام به المصريون العظام، وأنه غير صحيح أبدا أن الأرقاء هم الذين بنوها. وهذا نص عبارته بالإنجليزية: "it was not 'slaves' who built the Pyramids, he stated with pride, but the 'great Egyptians"". كما صرح لصحيفة "الجمهورية" المصرية وقتذاك بأن الاستشكافات التى قام بها الإنسان الآلى قد أثبتت خطأ ما يردده اليهود وبعض الدول الغربية من أن اليهود هم بناة الأهرام "The results of the robot's exploration", he told the Al Gomhoreya Arab newspaper, "refute the allegations reiterated by Jews and some western countries that the Jews built the pyramids."
ويكتب أحمد عثمان فى جريدة "الشرق الأوسط" بتاريخ 20 يوليو 2003م أن الدكتور زاهي حواس، الأمين العام للآثار في مصر، رفض إجراء فحوص الحمض النووي DNA على أي من المومياءات المصرية. والسبب الذي جعله يحرم استخدام أحدث الوسائل العلمية عند فحص المومياءات هو خشيته من أن يعطي الفحص الفرصة للبعض لاختلاق قصص وحكايات نحن في غنى عنها. لذلك فإننا لن نسمح بإجراء هذه الابحاث حسب تصريحه، فقد منعنا تماما هذه الأبحاث على المومياءات الملكية، وكذلك الهياكل العظمية من مقابر العمال بناة الاهرام، لأنه يمكن أن يندس أحد الصهاينة ضمن فريق العمل ويقوم بدراسة الهياكل العظمية الخاصة بالعمال بناة الأهرام ويشير إلى أن بناة الاهرام كانوا يهودا. ولكن كيف يمكن التعرف على ديانة اليهود أو أية ديانة اخرى عن طريق الحمض النووي؟ هذا هو السؤال. وأيا ما يكن الأمر فهذا كله، وهو ليس إلا جزءا يسيرا جدا مما كتب فى ذلك الموضوع، يدلنا على مبلغ الانتشار السريع والواسع الذى حظيت به الشائعة الخاصة ببناء اليهود للأهرام سواء بين المصدقين لها والمكذبين بها.
وفى الثامن عشر من فبراير لعام 2007م طالع القراء فى صحيفة "روز اليوسف" القاهرية الخبر التالى: "كشف خالد الخميسى ولى أمر تلميذ فى المدرسة الدولية الذكية بطريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى عن أن كتاب التاريخ الذى يدرسه أبناؤهم بالصف الخامس الابتدائى يدعى أن اليهود هم بناة الأهرامات الحقيقيون. وهونسخة من الكتاب الأصلى الذى يدرس فى الخارج، ولكنه يحمل توقيع جامعة كمبردج،ويدرَّس بالمدرسة التى يديرها ابن الوزير الاسبق وليد على السلمى. ويبدو أن هذاالكتاب جديد بدليل أنه بدأ تدريسه لهم منذ بداية الفصل الدراسى الثانى. ويحكى ولىأحد التلاميذ: إن زوجتى التى تعمل بمركز التوثيق الحضارى والطبيعى فى مجال المصرياتكانت تراجع ما يدرسه أبناؤنا ففوجئت بأن هناك فقرات فى كتاب التاريخ الذى يدرسونهتشير إلى أن الفرعون المصرى قديما جعل "اليهود" عبيدا وأجبرهم على بناء الأهرام،وهو الأمر الذى أثار خوفها وقلقها. ونظرا لطبيعة عملها تعرف أن هذه محاولة سافرةلتسفيه وتشويه التاريخ المصرى. ويضيف ولى الأمر: هذا الموقف جعلنا نلجأ إلىد.محمد صالح مدير عام المتحف المصرى الأسبق للرد بالشكل العلمى السليم وتفنيد هذهالمعلومات الخاطئة، وقام مشكورا بكتابة رد ينفى هذه الأكاذيب ويستند إلى حقائقتاريخية. جاء فى كتاب "قاموس الحضارة المصرية" والمشرف عليه الأستاذ جورج بوزينير، وهو يهودى الديانة، أنه لم يشر باحث فى العهد القديم أو يوافق أبدا بناء على معرفتهوعقيدته أن يوسف عليه السلام قام ببناء الأهرام أو موسى عليه السلام. وأشار ولىالأمر إلى أنه فى صفحة 13 ورد: كان الكثيرون من المصريين عبيدا. العبيد هم رجالونساء ليسوا بأحرار، وكانوا يعملون بدون أجر، كان العبيد يجبرون على بناء الأهرامللفراعنة وقاموا أيضا ببناء مبانٍ عديدة أخرى. وفى صفحة 24 من نفس كتابالتاريخ ورد: قام الفرعون المصرى بجعل اليهود عبيدا، وقد أجبرهم على بناء الأهراموالمقابر. ومن لم يقبل منهم أن يكون عبدا كان يضرب أو يقتل. وعقب رضا أبو سريع وكيلوزارة التربية والتعليم بانفعال شديد بقوله ان الوزارة لها سلطة الإشراف علىالمناهج التى تدرس فى هذه المدارس ولها سلطة التدخل ايضا. ورفض استكمالالحديث، لكنه أكد أن مناهج المدارس الاجنبية يجب أن تحصل على موافقة الوزارة".
فإذا شرعنا فى تمحيص هذه المقولة التى صرح بها مناحم بيجن والتى تحظى بانتشار واسع فى بعض البلاد الغربية تبين لنا أنه قد تجاهل حقيقة لا يمكن أن ينكرها إلا مكابر عريق فى المكابرة والمراء، ألا وهى أنه هو نفسه لا ينتمى فى حقيقة الأمر إلى أولئك الإسرائيليين الذين كانوا فى مصر من أيام يوسف إلى أيام موسى عليهما السلام، إذ هو أوربى، على حين أنهم كانوا ينتمون إلى هذه المنطقة التى نسكنها. وأين أوربا من منطقة الشرق الأوسط؟ لقد ولد فى روسيا البيضاء، واسمه الكامل يدل على ذلك، فهو مَنَخِم فولفوفتش بِجِن، وانتقل إلى بولندا حيث أتم تعليمه فى جامعة وارسو فدرس، ويا لمفارقات القدر، القانون (القانون ولا شىء غير القانون، وهو الرجل الذى تولى رئاسة الدولة التى لا تحترم القانون الدولى ولا تبالى به أدنى بالة، وبخاصة فى عهد هذا الحجرى القلب والمخضب اليدين بدماء الفلسطينيين، والذى لم يكن يعرف شيئا اسمه الحياء، وإلا ما تفوه بما تفوه به فى قلب مصر وفى متحفها القومى، وفى محضر عدد من المسؤولين الكبار فى الدولة تحديا منه وتساخفا فى سابقة شاذة.
وعلاوة على ذلك فإن الإسرائيليين الذى كانوا فى مصر قديما لم يكونوا يهودا، لأن أصل كلمة "يهودي" إنما يعود إلى اسم يهوذا بن يعقوب، إذ أطلق أصلا على أبناء السبط الذي خرج منه، ثم أطلق على سكان مملكة يهوذا التي أسسها أبناء ذلك السبط مع أبناء بعض الأسباط الأخرى ممن كانوا يعيشون إلى جوارهم. وفي الوثائق الآثارية تذكر هذه المملكة باسم "بيت داود" نسبة إلى سلالة الملك داود (وهو النبي داود في الإسلام). وفي سفر الملوك الثاني (18، 26) تطلق كلمة "يهودية" على لهجة مدينة أورشليم. ثم أصبح لقب "يهودى" يشير، منذ السبي البابلي، إلى كل من خرج من مملكة يهوذا وواصل اتباع ديانتها وتقاليدها (انظر مادة "يهود" فى "الويكيبيديا"). وتذكر مادة "يهودية" فى موسوعة "الويكيبيديا" أن هذا المصطلح قد ظهر للمرة الأولى في العصر الهيليني تمييزا بين عقائد اليهود وممارساتهم، وبين العبادات الموجودة في الشرق الأدنى.
وأول من اطلق على عقيدة اليهود: "اليهودية" هو المؤرخ اليهودي المتأغرق يوسيفوس فلافيوس فى مقابل "الهيلينية"، أى عقيدة أهل مقاطعة يهودا مقابل عقيدة سكان مقاطعة هيلاس. فالمصطلحان إذن قد بدءا بوصفهما اسمين جغرافيين قبل أن يشيرا إلى النسقين العقائديين. ويرى الدارسون أن مصلطح "اليهودية" لا يشير إلى النسق الديني للعبرانيين قبل تدوين العهد القديم أثناء الهجرة الأولى إلى بابل578 ق.م.، أي بعد موسى بمئات السنين، واستمر التدوين حتى القرن الثاني قبل الميلاد في وقت أصبحت فيه العبرية لغة ميتة لا تستخدم إلا في الطقوس الدينية، فيما أصبحت الآرامية لغة اليهود. لذا قد يكون من الأفضل الحديث عن "عبادة يسرائيل" في المرحلة السديمية التي تسبق بناء الهيكل وتأسيس المملكة العبرانية المتحدة عام 1020 ق.م.، وعن "العبادة القربانية المركزية" بعد تأسيس الهيكل وحتى هدمه عام 70 ميلادية، وعن اليهودية بشكل عام بعد ذلك.
وقد وجدت مقالا فى موقع "skeptoid.com" عنوانه "Did Jewish Slaves Build the Pyramids?" يقول فيه كاتبه Brian Dunningإنه تربى فى مدارس الأحد حيث كان الأساتذة يعلمونهم أن العبيد اليهود فى مصر القديمة هم الذين بنوا الأهرام، وإنه من كثرة ما سمع هذا الكلام فى المدرسة وفى البيت ورآه فى الأفلام رسخ فى ذهنه باعتباره مسلَّمة من المسلَّمات التى لا تقبل الشك ولا المراجعة، وإن مناحم بيجن فى زيارته لمصر عام 1977م قد صرح لدن زيارته للمتحف القومى بالقاهرة بأنهم، أى اليهود، هم بناة الأهرام، وإن هذا اعتقاد منتشر لدى اليهود والنصارى بسبب ذكره فى العهد القديم. ثم يمضى قائلا إنه قرأ لعدد من المؤرخين غير المتدينين أنه لا يوجد أى دليل على أن اليهود عاشوا فى مصر فى أى وقت من الأوقات. وأضاف أنه لا بد من اتخاذ موقف نقدى من الكتاب المقدس بحيث لا نصدق ما ورد فيه عميانيًّا... إلى آخر ما قال. أما أنا فسوف أتخذ طريقا مختلفا، وهو أن أحاكم مناحم بيجن ومن يلف لفه ويردد دعواه إلى الكتاب المقدس ذاته، وهو المصدر الذى يعتمد عليه فى القول بأن اليهود كانوا مستعبدين فى مصر وأنهم أجبروا على بناء الأهرام. وينبغى ألا ننسى أننا، بوصفنا مسلمين، لا نجد ما يدعونا إلى الشك فى أن اليهود كانوا يعيشون فى مصر منذ أيام يوسف إلى أن أتاهم موسى وخرج بهم منها إلى سيناء حيث بقوا هناك زمنا قبل أن يدخلوا الأرض المقدسة.
ويكتب روبرت بوفال Robert G. Bauval فى موقعه المسمى: "robertbauval.co.uk" أنه فى القرن التاسع عشر كانت هناك منظمات غربية مثل حركة اليهود والنصارى وشهود يهوه تؤمن بأن اليهود هم فعلا الذين بنوا الأهرام، وإن أضاف الكاتب أن ذلك قد تغير الآن، إذ ما من إنسان عنده بعض الإلمام الأولى بتاريخ المنطقة يعرف أن هذا غير صحيح، وأنه لو حدث أن طبع كتاب يقول هذا الكلام لأثار ضحك الناس، إذ تقدمت الأبحاث المتعلقة بالأهرام وماتت تلك السخافات منذ زمن طويل.
ومنذ أيام كتبتْ katarina kratovac مقالا بعنوان "Egypt unveils more proof that Jews did not build pyramids" ذكرت فيه أن عميحاى مازار الأستاذ بمعهد الآثار بالجامعة العبرية بالقدس ينفى ما قاله مناحم بيجن فى زيارته لمصر عام 1977م، مؤكدا أنه ما من يهودى اشترك فى بناء الأهرام لأن اليهود لم يكونوا يعيشون فى أرض الكنانة آنذاك، اللهم إلا إذا كان المقصود أنهم اشتركوا فى بناء مدينة رمسيس. كذلك نفت دوروثى ريزيج، محررة مجلة الآثار التوراتية فى واشنطون، هذه المزاعم، إذ قالت إن هذا القول يرجع إلى ما ذكره العهد القديم عن استعباد فرعون لليهود وتسخيرهم فى أمور البناء، نافية أن يكون هذا صحيحا. ويرفض Dieter Wildung المدير السابق لمتحف برلين الدعوى القائلة إن العبيد هم الذين ينوا الأهرام، بله أن يكونوا عبيدا يهودا بالذات لأن مئات السنين تفصل بين بناء الأهرام ووجود اليهود فى مصر.
كيف؟ هذا ما نود أن نوضحه. فعلى سبيل المثال نقرأ فى مادة "الهرم" بالنسخة العربية من "الويكبيديا" أن الأهرام المصرية يبلغ عددها من 90 إلى 100 هرم، وأنها مبنية على خط واحد مستقيم يمتد من أبو رواشبالجيزة حتى هوارة على مشارف الفيوم، وأن قدماء المصريين قد قاموا ببنائها في الفترة من سنة 2630 ق.م. وحتى سنة 1530 ق.م. وقد تدرج بناؤها من هرم متدرج كهرم الملك زوسر (3630 ق.م. – 2611 ق.م.) بسقارة إلى هرم مسحوب الشكل كأهرام الجيزة. هذا ما قالته "الويكيبيديا" عن الأهرام وتاريخ بنائها. أما مجىء يوسف وإخوته إلى مصر وتشكيلهم نواة لوجود بنى إسرائيل فيها فيرى غالبية العلماء أنه تم فى عصر حكم الهكسوس (نحو 1780- 1570ق.م). وهذا مذكور فى مادة "يوسف" من "دائرة المعارف الكتابية". وعليه فإن بنى إسرائيل، حتى لو كانوا متخصصين فى العمارة والهندسة والفلك وما إلى ذلك من العلوم والفنون التى يحتاجها بناء تلك النصب العظيمة، لم تكن هناك فرصة كى يشاركوا فى تشييد تلك النصب، إذ كانت الأهرام قد عرفت وبنيت كلها قبل ذلك الوقت. فإذا عرفنا أن بنى إسرائيل، الذين جاؤوا إلى مصر فى عهد يوسف، كانوا جماعة من الرعاة حسبما هو معروف وحسبما هو مسجل فى الكتاب المقدس، وكان عددهم ضئيلا جدا لا يزيد على أفراد أسرة واحدة هى أسرة يعقوب عليه السلام، تبين لنا أن ضلوعهم فى بناء الأهرام هو المستحيل بعينه. كذلك كان بنو إسرائيل يعاملون معاملة كريمة مما لا يمكن معه القول بأنهم كانوا مستعبدين فى بناء تلك النصب العظيمة، وظلوا دهرا طويلا يعاملون بهذه المعاملة (430 سنة حسبما يقول سفر "الخروج"/ 12/ 40) إلى أن ساءت أمورهم فى الزمن الذى ولد فيه موسى علبه السلام، فكان جزءا من مهمته بعد أن صار نبيا إخراج قومه من مصر حيث كانوا يعيشون مستضعفين. وكان ذلك بعد يوسف بعدة مئات من الأعوام كما وضحنا، أى بعد انتهاء الفترة التى تم فيها بناء الأهرام بزمن بعيد. وهذا إن جاز لنا أن نقول إن مشاركة بنى إسرائيل فى بناء الأهرام إنما كانت مشاركة العمالة لا مشاركة الفنيين والمهندسين والعلماء، وهو ما لا يجوز، لسبب بسيط هو أن العهد القديم، كما سوف نرى من فورنا، ينص على أنهم إنما كانوا مستعبدين من المصريين فى بناء مدينتى فيثوم ورمسيس لتخزين الغلال وما أشبه، وكذلك فى أعمال الحقول وضرب الطوب اللبن، وهو ما لا علاقة له بتاتا بالأهرام على أى نحو من الأنحاء.
وهذه هى نصوص العهد القديم التى تثبت ما قلناه عن الحفاوة التى لقيها يوسف وأسرته فى مصر واستمرار تلك الحفاوة ببنى إسرائيل من بعده إلى ما قبيل نبوة موسى بوقت قصير. جاء فى الإصحاح السابع والأربعين من سفر "التكوين" عن قدوم يعقوب وأبنائه إلى أرض الكنانة بدعوة من يوسف، الذى كان يشغل منصبا جد مرموق هناك آنئذ: "5فَكَلَّمَ فِرْعَوْنُ يُوسُفَ قَائِلاً: «أَبُوكَ وَإِخْوَتُكَ جَاءُوا إِلَيْكَ. 6أَرْضُ مِصْرَ قُدَّامَكَ. فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ أَسْكِنْ أَبَاكَ وَإِخْوَتَكَ، لِيَسْكُنُوا فِي أَرْضِ جَاسَانَ. وَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَهُمْ ذَوُو قُدْرَةٍ، فَاجْعَلْهُمْ رُؤَسَاءَ مَوَاشٍ عَلَى الَّتِي لِي». 7ثُمَّ أَدْخَلَ يُوسُفُ يَعْقُوبَ أَبَاهُ وَأَوْقَفَهُ أَمَامَ فِرْعَوْنَ. وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ. 8فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِيَعْقُوبَ: «كَمْ هِيَ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِكَ؟» 9فَقَالَ يَعْقُوبُ لِفِرْعَوْنَ: «أَيَّامُ سِنِي غُرْبَتِي مِئَةٌ وَثَلاَثُونَ سَنَةً. قَلِيلَةً وَ رَدِيَّةً كَانَتْ أَيَّامُ سِنِي حَيَاتِي، وَلَمْ تَبْلُغْ إِلَى أَيَّامِ سِنِي حَيَاةِ آبَائِي فِي أَيَّامِ غُرْبَتِهِمْ». 10وَبَارَكَ يَعْقُوبُ فِرْعَوْنَ وَخَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ. 11فَأَسْكَنَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَأَعْطَاهُمْ مُلْكًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَفْضَلِ الأَرْضِ، فِي أَرْضِ رَعَمْسِيسَ كَمَا أَمَرَ فِرْعَوْنُ. 12وَعَالَ يُوسُفُ أَبَاهُ وَإِخْوَتَهُ وَكُلَّ بَيْتِ أَبِيهِ بِطَعَامٍ عَلَى حَسَبِ الأَوْلاَدِ... 27وَسَكَنَ إِسْرَائِيلُ فِي أَرْضِ مِصْرَ، فِي أَرْضِ جَاسَانَ، وَتَمَلَّكُوا فِيهَا وَأَثْمَرُوا وَكَثُرُوا جِدًّا. 28وَعَاشَ يَعْقُوبُ فِي أَرْضِ مِصْرَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً. فَكَانَتْ أَيَّامُ يَعْقُوبَ، سِنُو حَيَاتِهِ مِئَةً وَسَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً. 29وَلَمَّا قَرُبَتْ أَيَّامُ إِسْرَائِيلَ أَنْ يَمُوتَ دَعَا ابْنَهُ يُوسُفَ وَقَالَ لَهُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ فَضَعْ يَدَكَ تَحْتَ فَخْذِي وَاصْنَعْ مَعِي مَعْرُوفًا وَأَمَانَةً: لاَ تَدْفِنِّي فِي مِصْرَ، 30بَلْ أَضْطَجعُ مَعَ آبَائِي، فَتَحْمِلُنِي مِنْ مِصْرَ وَتَدْفِنُنِي فِي مَقْبَرَتِهِمْ». فَقَالَ: «أَنَا أَفْعَلُ بِحَسَبِ قَوْلِكَ». 31فَقَالَ: «احْلِفْ لِي». فَحَلَفَ لَهُ. فَسَجَدَ إِسْرَائِيلُ عَلَى رَأْسِ السَّرِيرِ".
وفى الإصحاح الخمسين من نفس السفر نقرأ بخصوص موت يعقوب والمجاملة التى قام بها رجال الدولة المصريين تجاهه فى تلك المناسبة: "1فَوَقَعَ يُوسُفُ عَلَى وَجْهِ أَبِيهِ وَبَكَى عَلَيْهِ وَقَبَّلَهُ. 2وَأَمَرَ يُوسُفُ عَبِيدَهُ الأَطِبَّاءَ أَنْ يُحَنِّطُوا أَبَاهُ. فَحَنَّطَ الأَطِبَّاءُ إِسْرَائِيلَ. 3وَكَمُلَ لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، لأَنَّهُ هكَذَا تَكْمُلُ أَيَّامُ الْمُحَنَّطِينَ. وَبَكَى عَلَيْهِ الْمِصْرِيُّونَ سَبْعِينَ يَوْمًا. 4وَبَعْدَ مَا مَضَتْ أَيَّامُ بُكَائِهِ كَلَّمَ يُوسُفُ بَيْتَ فِرْعَوْنَ قَائِلاً: «إِنْ كُنْتُ قَدْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عُيُونِكُمْ، فَتَكَلَّمُوا فِي مَسَامِعِ فِرْعَوْنَ قَائِلِينَ: 5أَبِي اسْتَحْلَفَنِي قَائِلاً: هَا أَنَا أَمُوتُ. فِي قَبْرِيَ الَّذِي حَفَرْتُ لِنَفْسِي فِي أَرْضِ كَنْعَانَ هُنَاكَ تَدْفِنُنِي، فَالآنَ أَصْعَدُ لأَدْفِنَ أَبِي وَأَرْجِعُ». 6فَقَالَ فِرْعَوْنُ: «اصْعَدْ وَادْفِنْ أَبَاكَ كَمَا اسْتَحْلَفَكَ». 7فَصَعِدَ يُوسُفُ لِيَدْفِنَ أَبَاهُ، وَصَعِدَ مَعَهُ جَمِيعُ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ، شُيُوخُ بَيْتِهِ وَجَمِيعُ شُيُوخِ أَرْضِ مِصْرَ، 8وَكُلُّ بَيْتِ يُوسُفَ وَإِخْوَتُهُ وَبَيْتُ أَبِيهِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا أَوْلاَدَهُمْ وَغَنَمَهُمْ وَبَقَرَهُمْ فِي أَرْضِ جَاسَانَ. 9وَصَعِدَ مَعَهُ مَرْكَبَاتٌ وَفُرْسَانٌ، فَكَانَ الْجَيْشُ كَثِيرًا جِدًّا. 10فَأَتَوْا إِلَى بَيْدَرِ أَطَادَ الَّذِي فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ وَنَاحُوا هُنَاكَ نَوْحًا عَظِيمًا وَشَدِيدًا جِدًّا، وَصَنَعَ لأَبِيهِ مَنَاحَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. 11فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْبِلاَدِ الْكَنْعَانِيُّونَ الْمَنَاحَةَ فِي بَيْدَرِ أَطَادَ قَالُوا: «هذِهِ مَنَاحَةٌ ثَقِيلَةٌ لِلْمِصْرِيِّينَ». لِذلِكَ دُعِيَ اسْمُهُ «آبَلَ مِصْرَايِمَ». الَّذِي فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ".
ثم فى الإصحاح الأول من سفر "الخروج" يطالعنا هذا النص الذى يتحدث عن فرعون الاضطهاد، ذلك الفرعون الذى ولد موسى على أيامه، أى بعد أن انتهت مرحلة بناء الأهرام بأزمان وأزمان. يقول النص المذكور: "1وَهذِهِ أَسْمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ. مَعَ يَعْقُوبَ جَاءَ كُلُّ إِنْسَانٍ وَبَيْتُهُ: 2رَأُوبَيْنُ وَشِمْعُونُ وَلاَوِي وَيَهُوذَا 3وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ وَبَنْيَامِينُ 4وَدَانُ وَنَفْتَالِي وَجَادُ وَأَشِيرُ. 5وَكَانَتْ جَمِيعُ نُفُوسِ الْخَارِجِينَ مِنْ صُلْبِ يَعْقُوبَ سَبْعِينَ نَفْسًا. وَلكِنْ يُوسُفُ كَانَ فِي مِصْرَ. 6وَمَاتَ يُوسُفُ وَكُلُّ إِخْوَتِهِ وَجَمِيعُ ذلِكَ الْجِيلِ. 7وَأَمَّا بَنُو إِسْرَائِيلَ فَأَثْمَرُوا وَتَوَالَدُوا وَنَمَوْا وَكَثُرُوا كَثِيرًا جِدًّا، وَامْتَلأَتِ الأَرْضُ مِنْهُمْ. 8ثُمَّ قَامَ مَلِكٌ جَدِيدٌ عَلَى مِصْرَ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ يُوسُفَ. 9فَقَالَ لِشَعْبِهِ: «هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. 10هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا، فَيَكُونَ إِذَا حَدَثَتْ حَرْبٌ أَنَّهُمْ يَنْضَمُّونَ إِلَى أَعْدَائِنَا وَيُحَارِبُونَنَا وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ». 11فَجَعَلُوا عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ تَسْخِيرٍ لِكَيْ يُذِلُّوهُمْ بِأَثْقَالِهِمْ، فَبَنَوْا لِفِرْعَوْنَ مَدِينَتَيْ مَخَازِنَ: فِيثُومَ، وَرَعَمْسِيسَ. 12وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا. فَاخْتَشَوْا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 13فَاسْتَعْبَدَ الْمِصْرِيُّونَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِعُنْفٍ، 14وَمَرَّرُوا حَيَاتَهُمْ بِعُبُودِيَّةٍ قَاسِيَةٍ فِي الطِّينِ وَاللِّبْنِ وَفِي كُلِّ عَمَل فِي الْحَقْلِ. كُلِّ عَمَلِهِمِ الَّذِي عَمِلُوهُ بِوَاسِطَتِهِمْ عُنْفًا".
بل إن هذا النص الأخير ليشهد بما لا يدع مجالا لمماراة أى ممار بأن بنى إسرائيل لم تكن لهم أية علاقة بالأهرام، إذ كانت عبوديتهم فى الحقول وضرب الطوب اللبن، وهو ما لا صلة بينه وبين الأهرام من قريب أو من بعيد، فالأهرام عمارة وهندسة وتصميم وفلك وكيمياء وعقيدة، أما الحقول فزراعة، علاوة على أن مهمة الإسرائيليين فيها هى مهمة التنفيذ لا الابتكار والإبداع. وهذه الشهادة هى شهادة إسرائيلية لا مصرية، فالذين كتبوا العهد القديم هم الإسرائيليون لا المصريون، فضلا عن أنها عندهم شهادة مقدسة، إذ هى من كتابهم المقدس الذى يؤمنون بأنه وحى سماوى لا سبيل إلى الشك أو الجدال فيه على أى وجه من الوجوه. ولو أنه كان لبنى إسرائيل مشاركة معمارية فى بناء ذى شأن كالأهرام لملأوا العهد القديم صياحا وافتخارا وما استطاع أحد أن يسكتهم. ولننظر فى قولهم إن المصريين كانوا خائفين من بنى إسرائيل رغم أنهم لم يكونوا يشكلون نسبة تذكر فى البحر المصرى، ورغم أنهم هم أنفسهم يقولون إن المصريين قد استعبدوهم. ترى كيف يخشى المصريون من الإسرائيليين إلى هذا الحد من تفوقهم عليهم فى الكثرة والقوة، وفى ذات الوقت يستطيعون استعبادهم؟ ولننظر أيضا فى الرقم الهائل الذى خلعه كاتب السفر على قومه، إذ جعلهم يفوقون المصريين إلى الحد الذى يقول فرعون معه: "هُوَذَا بَنُو إِسْرَائِيلَ شَعْبٌ أَكْثَرُ وَأَعْظَمُ مِنَّا. 10هَلُمَّ نَحْتَالُ لَهُمْ لِئَلاَّ يَنْمُوا"، وما هم فى نهاية المطاف إلا حفنة بالنسبة إلى أعداد المصريين الهادرة؟
ويظهر صدق ما قلناه من التواريخ التالية التى ننقلها من مادة "فرعون" بـ"دائرة المعارف الكتابية": لو أن إبراهيم عاش في أوائل الألف الثانية قبل الميلاد (2000- 1800ق.م.) فمعنى ذلك أنه كان معاصرا لملوك الدولة الوسطى، وعلى الأرجح لملوك الأسرة الثانية عشرة (1991- 1786ق.م.)، أي أنه كان معاصرا لأحد الملوك الذين كانوا يدعون باسم "أمينيمحت" (من الأول إلى الرابع)، أو باسم "سيزوستريس" (من الأول إلى الثالث) وكانت عاصمة مصر في ذلك العصر "إتيت تاوي" إلى الجنوب من منف. كما كان لفرعون قصر بالقرب من أرض جاسان. ولو أن يوسف عاش حوالي 1700ق.م. فيكون قد عاصر الأسرة الثالثة عشرة، أو أوائل عصر الهكسوس (الأسرة الخامسة عشرة)، فيكون معنى ذلك أن الملك الذي استوزره كان أحد ملوك الهكسوس. ويرجح أنه "أبوفيس" كما يذكر المؤرخ اليوناني "سنكلوس" (Syncillous). أما فرعون الاضطهاد: فيتوقف تحديده على معرفة تاريخ الخروج. فلو كان فرعون الخروج هو "رمسيس الثاني" فيكون معنى ذلك أن الاضطهاد حدث في عهد "سيتي الأول" أو "عصر حور محب". بل ولربما في عصر "أمينوفيس الثالث" (من الأسرة الثامنة عشر). ولو أن الخروج حدث في عصر "أيمنوفيس الثاني"، لكان الاضطهاد قد حدث في عهد "تحتمس الثالث". ويبقى فرعون الخروج: (خر 5-12)، وليس من السهل تحديده على وجه اليقين، وكان الرأي القديم أنه إما "أمينوفيس الثاني" (من ملوك الأسرة الثامنة عشرة- حوالي 1440ق.م.)، أو "مرنبتاح" (من ملوك الأسرة التاسعة عشرة -حوالي 1220ق.م.).
ليس ذلك فقط، بل إن العهد القديم يخلو تماما من ذكر الأهرام أو حتى الإشارة إليها ولو من بعيد. جاء تحت عنوان "هرم" فى "دائرة المعارف الكتابية" ما نصه: "لم ترد كلمة "هرم" أو "أهرام" فى الأسفار القانونية من الكتاب المقدس. أما ما جاء فى سفر أيوب: "حينئذ كنت نمت مستريحا مع ملوك ومشيرى الأرض الذين بنوا أهراما لأنفسهم" (أى 3: 14)، فإن الكلمة فى العبرية هى "خُربة". وقد ترجمت فعلا فى مواضع أخرى إلى "خِرَب" (انظر مثلا حز 26: 2، 38: 12، ملا 1: 4). وقد جاءت هذه العبارة فى الترجمة الكاثوليكية: "مع ملوك الأرض وكبرائها الذين ابتنوا لهم خرائب". وهذا يدل على أن "الأهرام" لم تكن تشغل بال الإسرائيليين فى شىء. ولو أنهم كان لهم بها صلة، فضلا عن أن تكون تلك الصلة هى صلة الهندسة أو حتى العمل اليدوى الشاق، ما سكتوا أبدا عن ترداد اسمها فى كتب العهد القديم على عادتهم فى الطنطنة بكل ما صنعوه أو توهموا أنهم صنعوه أو أرادوا أن يلبّسوا على الناس ويوهموهم أنهم صنعوه، وبالذات أن لهم ثأرا ناريا عند مصر والمصريين، فلم يكونوا ليفلتوا هذه الفرصة ليزيدوا جرعات الشتائم التى يوجهونها إليهم، ونوبات اللعن التى يصبونها عليهم، وطنطنات الافتخار التى يكايدونهم بها... وهكذا.
إن اليهود قوم منكرون بطبيعتهم للجميل، وهم فى إلحاحهم على استعباد المصريين لهم إنما ينسون المعاملة الكريمة والترحيب الحار الذى لاقوه فى مصر على مدار أكثر من أربعمائة سنة تبوأ فيها يوسف منصب المالية مالية البلاد وأُقْطِع قومُه أفضل الأراضى بحسب ما كتب مؤلفو الكتاب المقدس أنفسهم وجوملوا أحسن مجاملة لا من قبل الشعب فحسب بل من قبل كبار رجال الدولة، لكنهم قد نسوا هذا كله ولم يتذكروا إلا الفترة الأخيرة التى استُضْعِفوا فيها. وإذا كان الحكام قد اشتدوا عليهم فما ذنب الشعب؟ كذلك إذا كانوا يتذكرون الاستضعاف الذى قاسوه فى بلادنا فكيف ينسون ما سرقوه من ذهب المصريين وفضتهم؟ والغريب فى الأمر أن ذلك قد تم، طبقا لما يقوله العهد القديم، بأمر وتخطيط من الله، وكأنه سبحانه مغرم بالخداع واللصوصية ويحب أن يعلمهما لعباده، أستغفر الله! ثم ألايحق لنا أن نطالب اليهود بهذا الذهب وتلك الفضة وريعهما طوال هذه الآلاف من السنين؟ ترى لو انعكس الوضع وكنا نحن الذين صنعنا هذا معهم، أكانوا يسكتون كما نسكت نحن ويغضون الطرف عن الأمر برُمّته ويتجاهلونه تجاهلا؟ لقد كان عدد الرجال السائرين على أقدامهم غير الأولاد والنساء ستمائة ألف (خروج/ 12/ 37)، فلينظر القراء وليحاولوا أن يحصوا مقدار الذهب والفضة اللذين سرقهما اليهود من المصريين بعد أن خدعوهم وأوهموهم أنهم إنما يريدونها للتزين بها على سبيل الاستعارة
يقول كاتب سفر "الخروج" فى الإصحاح الحادى عشر: "1ثُمَّ قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَيْضًا أَجْلِبُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَعَلَى مِصْرَ. بَعْدَ ذلِكَ يُطْلِقُكُمْ مِنْ هُنَا. وَعِنْدَمَا يُطْلِقُكُمْ يَطْرُدُكُمْ طَرْدًا مِنْ هُنَا بِالتَّمَامِ. 2تَكَلَّمْ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ أَنْ يَطْلُبَ كُلُّ رَجُل مِنْ صَاحِبِهِ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ صَاحِبَتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ». 3وَأَعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ الْمِصْرِيِّينَ. وَأَيْضًا الرَّجُلُ مُوسَى كَانَ عَظِيمًا جِدًّا فِي أَرْضِ مِصْرَ فِي عُِيُونِ عَبِيدِ فِرْعَوْنَ وَعُيُونِ الشَّعْبِ. 4وَقَالَ مُوسَى: «هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: إِنِّي نَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَخْرُجُ فِي وَسَطِ مِصْرَ، 5فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ. 6وَيَكُونُ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَيْضًا. 7وَلكِنْ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ يُسَنِّنُ كَلْبٌ لِسَانَهُ إِلَيْهِمْ، لاَ إِلَى النَّاسِ وَلاَ إِلَى الْبَهَائِمِ. لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ الرَّبَّ يُمَيِّزُ بَيْنَ الْمِصْرِيِّينَ وَإِسْرَائِيلَ. 8فَيَنْزِلُ إِلَيَّ جَمِيعُ عَبِيدِكَ هؤُلاَءِ، وَيَسْجُدُونَ لِي قَائِلِينَ: اخْرُجْ أَنْتَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الَّذِينَ فِي أَثَرِكَ. وَبَعْدَ ذلِكَ أَخْرُجُ». ثُمَّ خَرَجَ مِنْ لَدُنْ فِرْعَوْنَ فِي حُمُوِّ الْغَضَبِ". وأحب أن أعرّف القارئ أن بنى إسرائيل قد مرروا عيش موسى وأخيه فى البرية بعدما أخرجهم الله من مصر وأنجاهم من بطش فرعون ومن الغرق وارتكسوا فى العصيان وأَقَلّوا أدبهم على موسى ومارسوا الوثنية وجدّفوا على الله وأظهروا جبنا مخزيا وغراما بالمذلة وحنينا مزعجا للعودة إليها. فهم فعلا شعب صُلْب الرقبة كما وُصِفوا مِرَارًا فى الكتاب المقدس.
وكى نأخذ فكرة عن موقف اليهود من المصريين نسوق هنا شيئا مما ورد فى القسم الأول من المادة المخصصة لـ"مصر" فى "معجم الكتاب المقدس"، وهذا نصه: "لا غرو أن تقوم دينونة من الله ضد مصر في زمن الخروج لإجبارها على إطلاق سراح إسرائيل (خروج 5 إلى 15، قارن حكمة 16 إلى 19)، في العهد الملكي لمعاقبة هذه القوة المستكبرة التي تَعِد إسرائيل بإعانات باطلة (إشعيا 30: 1- 7، 31: 1- 3، إرميا 46، حزقيال 29 إلى 32)، لإذلال هذه الأمة الوثنية التي أضلّها حكماؤها (إشعيا 19: 1- 15). لكل هذه الأسباب فإن مصر ستبقى رمزا للجماعات البشرية التي يتوعدها غضب الله (رؤيا 11: 8). غير أنه بسبب كونها أرض لجوء لإسرائيل، فإن مصر لا تكون دائما مستبعدة من جماعة يهوه (تثنية 23: 8- 9). فإن الله، حتى إذا ما أنزل بها العقاب، يستخدم بالنسبة إليها الاعتدال الملطّف، فالمصريون لم يكفّوا عن أن يكونوا خليقته. والله يودّ قبل كلّ شيء أن يحوّلهم عن الشر (حكمة 11: 15 إلى 12: 2) لأن في تدبيره يودّ أن يهدي مصر آخر الأمر ويضمّها إلى شعبه لكي تعرف بدورها كيف تخدمه (إشعيا 19: 16- 25، مزمور 87: 4- 7). لقد وقع عليها قضاء الله بسبب خطاياها، غير أنها ستشترك في الخلاص، شأن سائر الأمم". وبالمناسبة فهذا كلام مخفف جدا جدا، ومن يرد أن يعرف ما يقوله العهد القديم عن مصر والمصريين فليقرأ هذا الكتاب، ولسوف يرى مدى الحقد المتلظى الذى يكنه بنو إسرائيل لنا ولبلادنا.
كذلك لو كان بنو إسرائيل قد بنوا الأهرام أو شاركوا فيها أكانوا يستعينون ببناة من الدول المجاورة حين أصبحت لهم دولة ذات أبهة فى عهد سليمان، الذى أحضر الفنيين من صور أو فينيقيا ليَشِيدوا له الهيكل. تقول مادة "سليمان" فى كل من دائرة المعارف الكتابية" و"معجم الكتاب المقدس" عن "مشروعات سليمان فى البناء" إنه "حدثت طفرة مفاجئة فى مستوى المعيشة فى إسرائيل وفى النشاط الاقتصادى. وكان سليمان ميالاً للإسراف، فلم يدخر وسعا فى جعل عاصمته المتواضعة مدينة عظيمة. وكان أول مشروع عظيم اتجه إليه هو بناء الهيكل الذى كان قد شرع فى التجهيز له أبوه. وقرر سليمان أن يكون بيت الله على أفضل ما يستطيع. وكان أبوه قد أعد له الكثير من المواد اللازمة، ولكن الحجم النهائي والطراز والزخرفة وما إلى ذلك كان متروكا لسليمان إلى حد بعيد. فاستحضر صنَّاعًا ماهرين من صور. كما اشترى من صور أفضل أنواع الأخشاب من أرز وسرو، فكان رجال حيرام ملك صور يقطعون الأشجار ويجعلونها أرماثا فى البحر إلى الميناء الذى يحدده لهم الملك سليمان، ومنه ينقل إلى أورشليم . ويزعم البعض أن هيكل سليمان كان يحمل، ولا بد، الكثير من فن العمارة الفينيقي القديم لأن الذين قاموا بالدور الأكبر فى بنائه هم العمَّال الفينيقيون الحاذقون، ولكن كل ما نعرفه عن الهيكل هو ما جاء فى الوصف المفصل عنه فى سفري الملوك والأخبار (1مل 6: 2-36، 7: 13-50 ، 2أخ 3: 1-4: 22).
وبعد فقد رأينا معا كيف أن حقائق التاريخ وعلوم العلماء تؤكد جميعا أن اليهود لم يبنوا الأهرام بل لم يشاركوا مجرد مشاركة فى بنائها. إلا أن ذلك لا ينبغى أن يجعلنا نغفل أن طبيعة المسؤولين الإسرائيليين التى تخلق مشكلة من لاشىء اعتمادا على صفاقتهم وغلظ وجوههم وتحجر ضمائرهم يمكن أن تسول لهم إثارة هذه المسألة فى أى وقت واتخاذها ورقة ضغط لتحقيق بعض المطالب. سيقول بعض الطيبين إن العلم يهدم هذا الادعاء وإن من العلماء اليهود أنفسهم من ينكرون على بيجن ما قاله، لكن فات هؤلاء الطيبين أن السياسة شىء، والعلم شىء آخر، وأن العبرة بما تسوّقه الدول القوية لشعوبها وتزرعه فى عقولهم ووجداناتهم وضمائرهم بغض النظر عن خطئه. ترى هل ثبت يوما أن العراق كان يملك أسلحة نووية؟ ومع هذا فقد احتلته أمريكا بمعاونة بعض الدول الغربية ودمرته ونهبته وقتلت من العراقيين مئات الألوف وهدمت بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم فوق رؤوسهم وسرقت آثارهم وصَفَّت علماءهم... إلخ. فعلينا أن نكون أقوياء وأن نظل يقظين حتى لا يدهسنا قطار السياسة الذى لا يرحم، وإن كنت فى ريب شديد من ذلك لأن أحوالنا لا تسر أحدا، إذ هى قائمة على البلادة والزيف والكذب و الغش والجهل واللامبالاة بالعواقب.
ولكى أبين جدية ما أقول أنقل ما وصلنى اليوم بالبريد الضوئى عن اتجاه عشرات الآلاف من اليهود لمطالبة الجزائر بمئات الملايين من الدولارات تعويضا لهم عن ممتلكاتهم التى يقولون إنهم أجبروا على الرحيل عن البلاد وتركها وراءهم. يقول المقال المذكور تحت عنوان "120 ألف يهودي يبتزون الجزائر بـ 144 مليون دولار": "كشفت مصادر إعلامية مغربية النقاب عن أنآلاف اليهود المنحدرين من أصول جزائرية شرعوا في التحرك لإرغام حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة على تعويضهم عن الممتلكات التي تركوها وراءهم، وقدّروها بنحو 144مليون دولار. ودعا هؤلاء، في موقعهم على شبكة الإنترنت "زلابية كوم"، السلطات الجزائرية إلى تعويض 120 ألف يهودي جزائري عما لحقهم جراء مغادرتهم الجزائر بعد الاستقلال.وقالت صحيفة "الاتحاد الاشتراكي" المغربية إن المطالبين بالتعويض يهددون باللجوء إلى استعمال الضغط الدولي على الحكومة الجزائرية للاعتراف بحقهم، مشيرين إلى مساعي "الكنيست" (البرلمان) الصهيوني في حملالدول العربية على تعويض "اليهود العرب".كما طالبوا "برد الاعتبار" لآلاف اليهودكانوا يعيشون بين 1830 إلى 1962، والذين فضلوا المغادرة خوفا من انتقام الجزائريينبسبب تصويتهم بـ"لا" خلال استفتاء 02 يوليوز 1962 لتحديد مصير الجزائر، حسبادعائهم. وحسب المصدر ذاته فإن جمعيات يهوديةعالمية تنشط بدول عديدة من بينها جمعية "العدالة ليهود الدول العربية بأمريكا"،إضافة إلى "ائتلاف المنظمات الجماهيرية ليهود شمال إفريقيا"، تعمل من أجل الضغط على الكونغرس الأمريكي لاسترجاع ممتلكات اليهود في دول شمال إفريقيا، إلى جانب إدراج ماتسميهم بـ "اللاجئين اليهود العرب" ضمن المفاوضات التي سيجريها الكيان الصهيوني معالسلطة الفلسطينية والدول العربية، على حد تعبير الصحيفة. لكم أن تضيفوا مليون يهودي مغربي في الكيان الصهيوني، حسب ما بثته قناة الجزيرة في برنامج "يهود المغرب"، بمعنى أنهم سيطالبون بدورهم بتعويض عن ممتلكاتهم على الرغم من هجرتهم جميعا الى فلسطين المحتلة كانت وما زالت بمحض إرادتهم، ليصبحوا "اسرائيليين" في الكيان الصهيوني، واحلالهم بدل السكان الاصليين في فلسطين. يطالبون بالتعويض، ويستعمرون أرض فلسطين ويطردون شعبها!". وإنى لأتساءل: هل فكرت أو سوف تفكر أية دولة عربية فى المطالبة بحقوقنا التى لا تنتهى فى ذمة إسرائيل، كما هو الحال فى قضية الجنود والضباط المصريين الأسرى الذين قتلهم الصهاينة بدم بارد فى حروبنا معهم بعد أن استسلموا ورفعوا الراية البيضاء، أو النفط المصرى الذى شفطته إسرائيل خلال سنوات احتلالها لسيناء الحبيبة، أو سرقة اليهود كثيرا من الآثار العراقية التى لا تعوض بعد إسقاط صدام حسين وحكومته، أو هدم بيوت الفلسطينيين على رؤوسهم وقتل الآلاف منهم منذ الاستيلاء على بلادهم العزيزة على الأقل؟ وليست هذه إلا مجرد أمثلة عابرة. أما أنا فأشك فى قدرة أى بلد عربى، بل أشك فى نية أى بلد عربى على لمس مثل هذه الموضوعات مجرد لمس! والسبب هو ضعفنا شعوبا وحكومات وهواننا على أنفسنا وعلى الآخرين وعلى التاريخ، وقبل ذلك كله: على الله سبحانه وتعالى.

وأخيرا فقد ثبت أن الذين بنوا الأهرام لم يكونوا عبيدا، بل عمالا مصريين يأخذون أجرا لقاء ما يؤدونه من أعمال، وكانوا يعاملون معاملة كريمة، إذ كانوا مثلا يدفنون قريبا من الأهرام مقر جثة الفرعون فى مقابر معتنى بها ومنقوشة من الداخل بالخط الهيروغليفى، ويزوَّدون كل يوم بأعداد كبيرة من الذبائح من مَوَاشٍ وأغنام، كما كانوا يتغيرون كل ربع سنة فتذهب طائفة وتحل محلها طائفة أخرى... وهكذا دواليك. وقد تبين ذلك كله حين عُثِر بالمصادفة المحضة على عدد من مقابر أولئك العمال وفحصت هذ المقابر وجثث أصحابها. ولأن الذين بنوا الأهرام كانوا يحصلون على أجر مقابل عملهم ولم يكونوا يشتغلون بنظام التسخير رأينا أن حجم الأهرام أخذ يتناقص مع الزمن. ذلك أن بناء الهرم الواحد كان يكلف الخزانة المصرية الكثير نظرا إلى أن أولئك العمال كانوا يأخذون أجورا مرتفعة. ولو كانوا يؤدون عملهم سخرة لظلت الأهرام على نفس الحجم لأنها لن تكلف الدولة حينئذ شيئا يذكر ما دام العاملون فيها لا يأخذون مالا على ذلك الأداء (انظر مقالا لـSabrina Dawkinsبعنوان "The Great Pyramids of Ancient Egypt: Jewish Slave Myth Examined" على الموقع التالى: "egyptian-history.suite101.com").