ملحق الدستور الثقافي
عدد ..الجمعة 23/4/2010
إسماعيل كاداريه اسم دائم علــى قائـمـة «نــوبـل للآداب»


نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
فخري صالح
ظل الشاعر والروائي الألباني إسماعيل كاداريه ، الحاصل على جائزة مان بوكر الدولية للرواية ، أكبر كاتب ينتمي إلى بلدان أوروبا الشرقية ، وواحداً من أبرز روائيي العصر: في أعماله يمتزج التاريخ المحلي لألبانيا بمفاصل التاريخ الكوني ، بالحكايات الأسطورية التي تشكل الأرضية التي يقوم منها عمله للتعبير عن المكابدة الوجودية للأفراد والجموع التي كانت تعيش في سجن الدولة الاستبدادية في عهد الزعيم الألباني السابق أنور خوجا. وهو ، منذ ثمانينات القرن الماضي ، إسم يتردد بقوة على اعتباره فائزاً محتملاً بجائزة نوبل للآداب. هذه الجائزة الكبيرة ، التي منحت لمن هم أدنى منه قامة في المشهد الأدبي العالمي ، كانت تتخطاه على الدوام حتى بعد رحيله إلى فرنسا ، وطلبه اللجوء السياسي عام 1990 قبل أشهر قليلة من سقوط النظام الشيوعي المتشدد في ألبانيا.

جائزة مان بوكر الدولية للرواية ، التي كان كاداريه حصل عليها في السنة الأولى لمنحها ، هي بمثابة اعتراف من العالم الأنغلوساكسوني بهذا الكاتب الذي يعد ، منذ خمسة عشر عاماً تقريباً ، أقرب إلى العالم الفرانكوفوني بحكم إقامته في باريس ، ونشره كل ما يكتب باللغتين الألبانية والفرنسية ، واضطرار معظم المترجمين إلى نقل أعماله إلى الإنجليزية عن لغة وسيطة هي الفرنسية. قد يكون اللجوء إلى اللغة الفرنسية ، من أجل ترجمة نصوص كاداريه في الدول الأنغلو ساكسونية ، مجرد نقص في المترجمين عن الألبانية مباشرة ، لكنه يعني ، من ضمن ما يعنيه ، نوعاً من الاعتراف بانتماء كاداريه إلى البلد الذي قرر الإقامة فيه - ولو بصورة جزئية بعد عودته إلى ألبانيا مجدداً عام 1999 - وانتمائه إلى العالم الفرانكوفوني ، الذي اعترف به وترجم أعماله وانتخبه لكرسي كارل بوبر في أكاديمية العلوم السياسية والفلسفة الأخلاقية الفرنسية عام ,1996

ولد كاداريه في مدينة جيروكاسترا بجنوب ألبانيا عام 1936 (وهي مدينة أنور خوجا دكتاتور ألبانيا). ودرس في جامعة تيرانا (عاصمة ألبانيا) ، ثم سافر إلى موسكو ليدرس في معهد غوركي للأدب العالمي. وعندما عاد إلى بلده عام 1960 وجد أن خوجا قطع علاقاته مع موسكو وأقام حلفاً مع الصين البلد الشيوعي المناوئ عقائدياً للاتحاد السوفييتي في ذلك الحين. بدأ الكاتب الألباني عمله في ذلك الوقت صحفياً ، ونشر بعض أشعاره. ولكن ما كرسه كاتباً وأطلق اسمه في الأدب الألباني كان عملاً روائياً في عنوان "جنرال الجيش الميت" صدر أول مرة عام 1963 ، وجعله يفرغ نفسه للكتابة في تلك الفترة. ثم تتابعت أعماله فيما بعد حيث أصدر: العرس (1968) ، الحصن (1970) ، مدينة الحجر (1971) ، الشتاء العظيم (1977) ، الجسر (1978) ، نيسان المكسور (1978) ، دورنتين (1980) ، قصر الأحلام (1981) ، الحفل الموسيقي (1988) ، ربيع ألبانيا (1991) ، الهرم (1991) ، مرثية إلى كوسوفو (2000) ، أزهار ربيعية ، صقيع ربيعي (2002) ، إضافة إلى أعمال أخرى عديدة بلغت في طبعتها الأخيرة بالألبانية والفرنسية تسعة مجلدات.

يمكن القول إن رواية "قصر الأحلام" هي مجاز سياسي للاستبداد ، وبالأحرى فإنها نوع من التعبير الرمزي الفانتازي عن الأشواق السياسية للمقهورين الذين يحلمون بإسقاط الدكتاتور ، لكن عن طريق الأحلام ، حيث تختار الشخصية الرئيسية الأحلام وتقوم بتصنيفها بحيث تستطيع ـ في النهاية ـ اكتشاف "الحلم الأكبر" الذي يكون بمقدوره إسقاط الحكام وقلب أنظمتهم. أما رواية "الحفل الموسيقي" ، التي اعتبرتها مجلة لير الفرنسية أفضل رواية تصدر بالفرنسية حين ترجمتها إلى اللغة الفرنسية عام 1991 ، فتتخذ من موضوع انشقاق ألبانيا عن الصين مادتها السردية كاشفة عن تقلبات الدكتاتور ومزاجه السياسي الذي لا يحتمل.

على خلفية هذه الأعمال الروائية التي أنجزها كاداريه خلال عيشه في ألبانيا طوال فترة حكم أنور خوجا ، والتي تدور في معظمها حول الاستبداد والسلطة المطلقة ، والحاكم الذي يعد الأنفاس على محكوميه ، ولعبة التاريخ الذي يكرر نفسه ، يبدو مستغرباً أن يكون كاداريه مقرباً من أنور خوجا ، وهو الأمر الذي جلب للكاتب الكثير من النقد داخل بلده وخارجها ، ويبدو أنه حال دون حصوله على جائزة نوبل للآداب ، وقد يحرمه منها إلى الأبد.

كان كاداريه متهماً ، ولا زال كذلك ، بعلاقته القوية مع دكتاتور ألبانيا السابق أنور خوجا ، فهما ، كما أشرت سابقاً ، من البلدة نفسها: كما أن إسماعيل كاداريه انتخب ثلاث مرات عضواً في مجلس الشعب الألباني ، وكان ، حسب د. محمد الأرناؤوط المتخصص في الأدب الألباني وفي أعمال كاداريه أيضاً ، من القلة القليلة التي يسمح لها بالسفر خارج البلاد في الوقت الذي كان فيه الكتاب يتعرضون للمنع من الكتابة والاعتقال والسجن والنفي والقتل (أنظر كتابه: إسماعيل كاداريه بين الأدب والسياسة ، دار أزمنة ، عمان ، 2005).

يرد كاداريه التهم عن نفسه في حوار أجرته معه مجلة "باريس ريفيو" في عددها 153 (1998) ، بالإشارة إلى روايته "الشتاء العظيم" التي تهاجم "التحريفيين" (،) في الشيوعية وتدافع عن نظام أنور خوجا ، قائلا: "بين عامي 1967 1970و كنت تحت الرقابة المباشرة من الدكتاتور نفسه. وقد كان خوجا ، ولسوء حظ المثقفين ، يعد نفسه مؤلفاً وشاعراً ، ومن ثمّ "صديقاً" للكتاب. ولأنني كنت الكاتب الأشهر في ألبانيا كان مهتماً بي بصورة خاصة. في مثل هذا الوضع كان لدي ثلاثة خيارات: أن أتمسك بمبادئي ، وهو ما يعني الموت: أو أن أختار الصمت التام ، وهو موت من نوع آخر: أو أن أدفع الثمن وأقدم بعض الرشوة. وقد اخترت الأمر الثالث فكتبت "الشتاء العظيم". لقد أصبحت ألبانيا حليفاً للصين ، لكن كان هناك احتكاكات بين البلدين ، ما قاد إلى تهاوي التحالف بينهما في ما بعد. وبعقلية دون كيشوت ، ظننت أن بإمكان كتابي هذا أن يسرع عملية الابتعاد عن الصين عبر تشجيع خوجا على القيام بذلك. بكلمات أخرى ، اعتقدت أن بمقدور الأدب أن يحقق المستحيل ـ أن يغير الدكتاتور." ومع أن كاداريه تعرض بالفعل لمضايقة نظام أنور خوجا ، إذ منع من النشر عام 1975 مدة ثلاث سنوات ، كما أنه منع من نشر روايته "قصر الأحلام" عام 1981 ، واضطر عام 1986 إلى تهريب كتاباته وتأمينها لدى ناشره الفرنسي. وانتهى ذلك كله برحيله إلى فرنسا عام 1990 ، إلا أن هذا القدر من مضايقة النظام الألباني ، له أيام الشيوعية ، لم يعفه من الاتهام بمسايرة الدكتاتورية وإقامة صلات قوية معها ، وحتى كتابة ما يرضيها في بعض مراحل تطوره الأدبي. إن أعمال كاداريه الشعرية والروائية تمثل هجوماً غير مباشر على الاستبداد والتحكم برقاب الناس ، كما أنه يقدم للبشرية أدباً ذا طبيعة رمزية ـ مجازية يعبر عن الأتواق الإنسانية للحرية والخير والجمال. لكن ضعفه أمام السلطة طوال ما يزيد على ثلاثين عاماً جعله يبقى معرضاً للانتقاد الشديد داخل بلاده وخارجها. يقول كاداريه إن "الكاتب هو عدو طبيعي للدكتاتورية" ، و"إن الدكتاتورية والأدب الحقيقي لا يجتمعان" ، لكن الكاتب يمكن أن يسكت عما ترتكبه السلطة المستبدة من جرائم ، وهو لدوره الذي يحدده لنفسه - بوصفه مثقفا - يكون شريكا بصورة غير مباشرة في قبول الاستبداد. ولهذا فإن علاقة الكاتب الألباني الشهير بدكتاتور بلاده أنور خوجا بقعة سوداء في مسيرته الأدبية ستظل تلاحقه وتقض عليه مضجعه وتحرمه من جوائز كبيرة يسعى للحصول عليها.


Nawahda@go.com.jo