الفنان الياس الزيّات
لغة خاصة ملؤها الحس اللوني المرهفيمثل الفنان التشكيلي الياس الزيّات ( دمشق 1935) جيلاً من الفنانين السوريين المحدثين المعاصرين الذين بصموا الفن التشكيلي ببصمتهم الخاصة، وأثروا حركته بكم هائل من التنوع الممزوج بحركة لامتناهية من تموجات الفكر، حيث استوت عنده الحداثة والتاريخ ، والتكثيف المعرفي بأوابده المقدسة ، والحكاية بالأسطورة وأخيراً الذاكرة والحلم . وبحسب ماكتبه ناقد .. فإن تجربة الزيّات تشبه معبداً للمايا وسط حقل مؤلف بطريقة موندريان ! .
عاش الزيّات مرحلة حبلى بالتحولات الثقافية والسياسية والاجتماعية أثّرت على نحو كبير في عناصر الفن التشكيلي . لهذا فإن فنه حمل تأثيرات المرحلة بكل ما تعنيه المفردة من معنى، جعلته يبحث في عناصر واقعه عما يلائم بين فكره وقيمه الفنية ،وهكذا جاء فنه منسجماً مع أهدافه البعيدة تلك ، الأهداف التي احتكت بالواقع وتمردت على كل ماهو مصطنع ومتأنق على نحو زائف فيه ، فصور الإنسان ومحيطه بطريقة مغايرة نمّت عن تجريبيته تلك التجريبية التي عنت رسم كل الموضوعات من خلال أشخاص من لحم ودم، ورسم الأشياء الحقيقية التي تحيط بالإنسان لكن بمثل جمالية وفنية جديدة جاءت نتيجة هذا الاحتكاك . ولعل المثال الأبرز على ما تقدم لوحة معلولا ( زيت على القماش 40 × 71 سم، 1989 ) صور فيها الإنسان ومحيطه على نحو غير مألوف.
سار أسلوب الزيّات الفني خطوات متقدمة عن أساليب مجايليه في مجال الارتباط بالواقع، حيث ربط بين الاعتماد على الخطوط بطريقة المساحات اللونية و صار بناء الكتلة عنده معتمداً على إعادة تشكيلها فتصبح اللوحة بلا فراغ حقيقي، حيث يلعب اللون والشكل بالإضافة الى العناصر المتحركة الأخرى الدور الأساس في عملية بناء الكتلة بالمساحة اللونية وبالتناغم .لذا فإن أشياءه التي يرسمها صارت لها قيمة مطلقة، ووجود متميز ومستقل كشف من خلالها أبعاداً لها أهميتها بموازاة العناصر الأخرى (انظر مجموعة الرقص والمدينة اكريل على القماش 152 × 76 سم).
في مرحلة لاحقة أصبح الزيّات أكثر ميلاً للتعبيرية مع تطور قدراته الفنية ( انظر الرقص اكريل على القماش 185× 124 سم ) و ( الرقص والمدينة تحية إلى جبران وماتيس اكريل على القماش 200× 200 سم . ولوحات أخرى ) ويبدو أن الياس الزيّات بميله هذا إنما كان يبحث عن حلول تساعده على تصعيد ما يعتمل في أعماقه من أحاسيس وانفعالات يجد عبرها أرضية مشتركة مع الآخر ولايصل إليه . فعلى مساحة اللوحة ثمة أشخاص مختلفون يبرّز من خلالها من يريد ويخفي من يريد رابطاً إيّاه بمساحة الفكرة مستخدماً ألواناً حارة وباردة، محّولاً الأشكال كلاً على حدة إلى رموز مستقلة لها حضورها يتجاوز من خلالها الدائرة الذاتية عبر العناصر المشتركة التي تربط بينه وبينهم .
ولأن التعبيرية بأسلوب الزيّات فجّرت ماهو صامت بقوة كما وعنت بالنسبة له مدى ارتباط الفنان بعمله الفني، فإنها ربما ضاقت عليه ليمارس التجريد ( مدينة على البحر – المدينة – معلولا / ألوان مائية ..الخ ) وإن لم يصل الى أقصاه . بحيث ظل يمارس اللعبتين معاً لكن بخلط مدهش بين أساليب متعددة هي: الواقعية والتعبيرية والتجريدية للوصول إلى لغة خاصة ملؤها الحس اللوني المرهف والعجينة الدسمة تارةً والخطوط العادية المتقنة تارة أخرى . هذه الأشكال أو الأساليب المندمجة مع بعضها عبرت عن عالم ذاتي غني بالتفاصيل ترجمه إلى تحويرات وتعديلات للأشكال بحيث جاءت لتصوغها مع حركة اللون على مساحة اللوحة للوصول الى علاقة لربط مالا يربط ! بهدف الإمساك باللوحة والسيطرة عليها .
تجربة الياس الزيّات من الغنى مايتيح لنا الحديث عنها مجدداً في مناسبة أخرى، حيث قدم فيها ما هو جدلي وروحي، وأعطى فيها ماهو شخصي وما هو إنساني عبر لغة تعبيرية خاصة تساعد على فهم الواقع ، الذاكرة، الحلم، والتعبير عن كل ذلك بخصوصية . مكتشفاً أن في حركة الأشكال والأجساد ماهو أكثر ديمومة من الصياغات الفنية التقليدية، إنه يربط بين عدة عناصر ويوحدها ويدمجها ثم يحورها .
الفنان التشكيلي الياس الزيّات من مواليد دمشق 1935 . تعلم فن التصوير على يد الفنان ميشيل كرشة في دمشق بين عامي 1952 – 1955 . تعلم الفن أكاديمياً في مدرسة الفنون الجميلة في صوفيا – بلغاريا على يد الأستاذ ايليا بيتروف بين عامي 1956 – 1960 .تابع دراسته في القاهرة على يد الفنان عبد العزيز درويش لمدة عام واحد . تدرب على ترميم اللوحات في بودابست – المجر عامي 1973 – 1974 . درس الفن في كلية الفنون الجميلة بدمشق منذ سنة 1962 وتقاعد عام 2000 .
شغل منصب رئيس قسم الفنون ووكيل كلية، كما مثل جامعة دمشق في تعاون مع جامعات عالمية، عمل أيضاً بصفة خبير في هيئة الموسوعة العربية وفي مجال الفن الكنسي. أعماله مقتناة في عواصم عالمية . وأخيراً كتب وحاضر في موضوعات تاريخ الفن والأيقونة الشرقية والنقد الفني .

عبد الكريم العبيدي

http://www.albaath.news.sy/user/?id=889&a=79973