كانت أمسيةٌ رائعة
لا أعتَقدُ أن النسيانَ سيَغشاها يوماً

أمسيةَ كنتُ بِصُحبة والدي .. في مرفأِ اللاذقية
أُوَدِّعُ خالَتي التي كانت يومَها تُزمِعُ السفر إلى روسيا للّحاقِ بزوجها هناك.

كنتُ لم أتجاوز التاسعة من عمري
وكانتْ ربما أولُ زيارةٍ لي إلى البحر.
كانت عيناي تَرصُدانِ كلَّ شيءٍ بدقةٍ صارمة
رغم الأضواء الخافتة
ورغم الضوضاء وفوضى الحركةِ أمام وإلى الباخرةِ الراسيةِ قبالتي.

كنتُ أتنَقَّلُ بناظري بكلِّ حريتي لأن يدي تقبِضُ على يدِ أبي باطمئنان

وفجأةً ..
وقع ناظري على شيءٍ مدهش

شيءٍ لم أتمكنْ بعدَ ذلكَ من مفارَقَتِه

كان اللغطُ يشتدُ من حولي .. والناسُ صعودٌ وهبوطٌ إلى الباخرة
وصوتُ الباخرةِ يُدَوِّي من حينٍ لآخر

والبضائعُ تساقُ على عرباتٍ صغيرةٍ إلى جوفِ هذا العملاق البحري ..
الذي ما عادَ يعنيني شأنَهُ ..
بعد أن كانَ قبل قليلٍ يستحوِذُ على كلِ اهتمامي

فتاةٌ في مثلِ عمري أو أصغرَ قليلاً ..
تُمسِكُ بيدِ أبيها هناك على بُعدِ أمتار

ترتدي تنورةً قصيرةً أظهرتْ نصفَ ساقِها وخِلتُ أنَّ لونَها أحمر وأنها (كارِّييه)
ومن فوقِها .. قميصاً أبيضَ بلا أكمام
وتضعُ على رأسِها قبعةً تجعلُكَ تشعُرُ وكأنها من سيدات الصالونات (برنسيسة).

أبلَيتُ بلاءً حسناً في تَفَحُصِ كلِّ تفاصيلِ ذلك الموقف
أو بالأحرى تِلكَ الفتاة التي ما شدَّ انتباهي إليها بمثلِ ذلكَ العنف سوى التقاء ناظرينا أولَ الأمر
حيث أبرَقتْ مقلتاها عندما اكتشفتُ أنها توَجِّهُ ناظريها إلي
فلم نستَطعْ بعد ذلكَ من بَعضِنا فكاكا

إنقلبَ عالمي طوال الرُبعِ ساعةٍ تلك .. إلى عالمٍ سحري ..
مليءٍ بالوميض ..
ولم أعدُ أعي أيَّ شيءٍ آخر، سوى تلكَ الجُنِّيةَ التي تلبَّستني بإحكام
بدأ قلبي ينبض بشدة ..
وبدأتُ أداري نظراتي بإطراقة المستحي .. حتى خلتُ أن كلَّ الذين يحيطون بنا قد انكشف لهم أمرنا
فتسمَّرتُ هنيهات طويلة .. أنظرُ إلى الأرض
ولكنني .. بين حينٍ وآخر .. كنتُ أخطف نظرةً باتجاهها .. فإذا بها تنظر إلي
أتراها تستمر بالنظر إليَّ طوال الوقت .. أم أنه التخاطر قد أعاد إلتقاء ناظرينا أكثر من مرة؟؟؟
ليتني امتلكتُ الجرأة يومها ..
وألقيتُ التحية

ثمَّ .. أيُّ سحرٍ ذاكَ الذي عِشتُهُ في تلكَ اللحظات؟؟!!

ليتَهُ ما فارِقني إلى اليوم ..

ليتَه
فــــ
قد يهون العمرُ إلا ساعةً
وتهونُ الأرضُ إلا موضعا
اللــــــــــــــــه ..
ما أجملُ عِشقَ الصغار؟؟!!