فجأة ابتلع الظلام المكان لم تعد تري شيئا حولها ، سوي بصيص من النور ينسكب من شيش النافذة .. أمسكت خيوطه وهي تتحرك بطيئة نحوه ، خشية أن تتعثر وتسقط علي الأرض ، فيتلبسها الجن .. الذي يسكن ارض شقتها ، وتسمع أصوات عراكهم ، و بكائهم ، و ضحكاتهم . أيقنت أن الحب انتهي من العالم ؛ فبعد أن ماتت أمها حزنا علي وفاة أبيها ، أسقطها أخوتها من ذاكرتهم ، وتنكر لها أقرباؤها ، بيت خاوي يؤويها ، لا يشاركها سوي الجن سكناه ، و هم يملئون المكان بحركتهم الدؤوبة. فتحت النافذة ؛ صفعها الهواء ، عبّأت صدرها من النسيم المبلل بالمطر . احد الشبان يفتح ذراعيه و ضحكاته ترج الشارع وزملاؤه يبادلونه القفشات ، تتلاقي الأكف .. يجرون ، و يتوقفون ويدورون حول بعضهم البعض ، كأنهم صبية صغار يغتسلون تحت المطر . ضوء معلق في وجه شخص ــــ يقف علي ناصية الشارع تحت مظلة ـــ يتوهج و يخبو ا . المارة يتحركون في كل مكان بسرعة، هربا من قطرات المطر المتزايدة، الرجل لا يتحرك من تحت المظلة، عيناه قطعتان من نار، وفمه يخرج ضوءا يلتهم الظلام، تراجعت للخلف و صوت دقات قلبها يرج المكان ، صرخت تستغيث بالمارة ، لا يجيبها احد . أغلقت النافذة سريعا . جلست علي الأرض ، ترتعش ، و تبكي ، وتلملم دموعها خشية أن تسقط فتؤذي أحدا من الجن . عاد النور فجأة قويا ، أغمضت عينها وعندما فتحتها وجدت كل شيء كما هو : أثاث فقير ، ومرآة مكسورة ، وفتاة وحيدة في عالم قاس . افترشت الأرض مستسلمة لنعومتها وراحت في النعاس .