السلام عليكم
واخيرا قبلت ظاهرة القصص القصيرة كما ذكرت لي ام فراس وصارت تنشر ويسمح لها بعد ان كانت مرفوضة فنيا
واليكم نماذج منها



5 قصص قصيرة جدًّا



نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي



5 قصص قصيرة جدًّا

26/12/2002
محمد مكرم - الأردن- 33 عاما


حصان حاتم يستجير:

حصان يركض في وسط الشارع يعطل حركة المرور ويرعب المشاة، أوقفته أجهزة الأمن وسألته: "ما بك يا حصان؟"، قال الحصان مرعوبًا: "حاتم في إثري وسيذبحني لضيوفه". ضحك الضابط طويلاً، ثم قال: "اطمئن يا حصان، حاتم مات من زمان".

روح بصلابة الصوّان:

أرتدي البذلة الحمراء بانتظار صباحي الإفرنجي الأخير، تلفظ الروح ثقلها، تطير عبر السياج تحلّق نحو أمها. تزور قلاعنا القديمة، تصافح القباب والمقابر، وتمسح عن سيوفنا الغبار، وتسرج خيولنا الأصيلة، تمسِّد رأس زيتونة عتيقة، وتسحب الغطاء فوق أطفالنا النائمين "على خير تصبحون". وعندما يلفظ الليل أنفاسه الأخيرة أعود إلى بذلتي بصلابة الصوّان، أستقبل الفجر واقفاً.

سيف عنترة:

"من يشتري مني سيفي هذا بجهاز تلفزيون.. بهاتف نقّال.. بسروال من الجينز.. بشريط كاسيت.. بسيجارة؟".. صاح عنترة بن شداد. مضى الناس من حوله مسرعين، أوقف أحد المارة عنوة وصاح به "ما بكم أيها الناس؟"، "دعني، لا علاقة لي بأي إرهابيين".. قال الرجل مرتعدًا وأفلت هاربًا.

حمل عنترة سيفه على كتفه وعاد إلى بطن الكتب الصفراء القديمة.

عندما يجوع الأسد :

يحكى أن أسدًا جاع، جاع جدًّا، فأتى على الحيوانات كلها، ثم الْتهم الأشجار والحجارة، ولمّا لم يجد شيئًا، الْتهم يديه ثم رجليه، وعندها أدرك أنه بحاجة إلى غرفة للإيجار.

في انتظار المطر :

الابن: لماذا أرضنا قاحلة يا أبتي؟

الأب: لأنّ السماء لم تَعُد تمطر يا ولدي.

الابن: ومتى تمطر السماء يا أبت؟

الأب: عندما تجتمع الغيوم يا ولدي.

الابن: ومتى تجتمع الغيوم يا أبت؟

الأب: إذا اشتدت الريح وأظلمت السماء يا ولدي.


--------------------------------------------------------------------------------

النقد والتعليق:

صحفي وسيناريست: عماد مطاوع:

يتعرض "القص" كغيره من الأجناس الأدبية لتحولات وتغيرات هائلة متأثرًا بكافة التحولات التي تتم على الأصعدة المختلفة (اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا)، ولقد مرت القصة القصيرة بمراحل عديدة منذ القصة الشفهية (الرعوية) عند اليونان، مرورًا بالأشكال التقليدية، وصولاً "للأقصوصة" وقصة "الدقيقة الواحدة" أو "اللقطة المركزة"، وفي هذا النوع من الكتابة يُعَدّ التكثيف والاختزال من أهم المميزات، وكثيرًا ما تقاس براعة الكاتب من خلال تمكنه منهما.

وفي "5 قصص قصيرة جدًّا" لمحمد مكرم، نجد أنفسنا أمام 5 عوالم منفصلة/ متصلة، تمثل كلّ منها حالة خاصة متفردة، تتضافر لتكون في النهاية وجهة نظر في هذه الحياة، كما تكون موقفًا فكريًّا/ سياسيًّا منها أيضًا.

ففي الأقصوصة الأولى "حصان حاتم"، يعود بنا محمد مكرم لحاتم الطائي وكرمه المشهود، لكنه هنا يعكس خوف الحصان وهربه؛ خشية الذبح على يد حاتم، إلا أن هناك من يطمئن الحصان قائلاً: "اطمئن يا حصان، حاتم مات من زمان"؛ ليضعنا الكاتب أمام مفارقة هامة للغاية تنطلق من خصوصية حاتم الطائي؛ لعمومية ما يرمز إليه.

وفي القصة الثانية "روح بصلابة الصوان" يركّز محمد مكرم على السجن الكبير الذي يعتقل الروح الفارة، ويتخيل هروبها من هذا السجن وطوافها عبر القلاع والقباب والمقابر، ومسحها الغبار من على السيوف وسرج الخيول وجنودها، وكذلك من على الأطفال النائمين، ثم ترجع ثانية لتملأ صاحبها قوة وثباتًا، وهكذا يستمر محمد مكرم في تحميل أقاصيصه بهذا الهم العام من خلال نسج قصص محكم، حتى عندما يكتب أقصوصته الوعظية "عندما يجوع الأسد" التي لا تتعدى السطرين، نجده يسقط في شرك المباشرة لمحاولته "صك" رأي فكري/ فلسفي من خلال استخدامه لرمز الأسد والحيوانات في دلالة واضحة لما يمور به عالمنا الحاضر من خطوب ووهاد.

وفي أقصوصة "سيف عنترة" يستحضر مرة أخرى من التاريخ شخصيات بعينها، وهو هذه المرة يستحضر "عنترة بن شداد"، لكنه على غير ما ألفناه؛ إذ نجده يقف في عرض الطريق عارضًا سيفه للبيع، لكن ما هو المقابل؟.. تجيب الأقصوصة، فنقرأ "من يشتري مني سيفي هذا بجهاز تليفزيون.. بهاتف نقال.. بسروال جينز.. بشريط كاسيت.. بسيجارة؟". ويواصل عنترة نداءه دونما إجابة من أحد.. إذن ما الحاجة لسيف في هذه الأيام الممتلئة بالخزي والخنوع، حتى عندما أمسك عنترة بأحدهم ارتعد الرجل هاربًا، وهو يقول: "دعني لا علاقة لي بأي إرهابيين"، وعندما أدرك عنترة الحقيقة ووقف على ما آل إليه أمرنا "حمل سيفه على كتفه، وعاد إلى بطن الكتب الصفراء القديمة".

لكن محمد مكرم لا يتركنا نهبًا لليأس؛ فهاهو يقدم لنا في الأقصوصة الخامسة "في انتظار المطر" نبوءته بمطر قادم حتى يخصب هذا الواقع القاحل المقفر، إلا أنه باستخدامه لهذا الأسلوب "المسرحي" أخرج نفسه كثيرًا من فنية الأقصوصة، وإن كان قد أمسك بأهدابها، عندما خلق في كل جملة حالة خاصة تحمل تساؤلات ونبوءات.

ومحمد مكرم يمتلك بجدارة ناصية القص، ولديه قدرة عالية على نسج حالة فنية تامة، إلا أن محاولاته تحميل القصة أكثر مما تستطيع، جعلته يسقط في شرك السطحية والمباشرة الزاعقة في أحيان كثيرة، لكن حداثة تجربته وتفاعله الخاص مع القضايا المجتمعية الكبرى.. كل هذا جعله يحاول البحث عن حلول كافية (من وجهة نظره) لحل هذه المشكلات. ولقد استخدم أسلوبًا تقليديًّا في "تيمة" حداثية وهي "الأقصوصة".

وهذه التجارب تجعلنا نستشرف بثقة كاملة أن هذا القلم وبعد الكثير من الدربة سوف يكون صاحب مكانة ما في القص العربي خاصة المسئول منه؛ فقليلون هم الذين ما يزالون مؤرقين بالهم الجمعي لهذه الأمة وبوضعية أبنائها وسط هذا العالم، ولعل نبوءته الجميلة في ختام عمله تجعلنا نقدم له الشكر؛ إذ يملؤنا أملاً رغم كل ما يحيط بنا من مثبطات؛ فهو يخبرنا أن المطر سيسقط لا محالة، خاصة أن الغيوم كثيرة، لكنه ينتظر الريح كي تحرك هذه الغيوم، ونحن معه ننتظر، لكن لا يجب أن نرضى بمجرد الانتظار؛ فمن المؤكد أن هناك حلا ما.. وسبيلا ما.. من المؤكد.