Hi .... كيفك .. ça va
هاي ... كيفك .. ساڤا



كثيراً ما أقف على أحد القنوات الفضائية اللبنانية لأتابع برنامجاً ما . أكثر ما يلفت نظري في هذه البرامج أن القيمين عليها والمشاركين فيها يتحدثون بلهجة غريبة عجيبة ,عدة كلمات من العامية اللبنانية تليها كلمة أو عدة كلمات إنكليزية ثم نعود إلى اللهجة اللبنانية مرة أخرى فنردفها من جديد بكلمة أو عدة كلمات فرنسية وهكذا تتالى الكلمات ما بين لبنانية محكية وإنكليزية وفرنسية فيصبح الحديث أشبه بمقطوعة سريالية لا يُعرف رأسها من أساسها خاصة لأناس ليسوا ضليعين باللغات الأجنبية مثلنا .

لنأخذ الكلمات الثلاث التالية : هاي ... كيفك .. ساڤا

هاي = Hi ( كلمة إنكليزية ) مرحبا

كيفك = كيف حالك

ساڤا = ça va ( كلمة فرنسية ) بخير , حسن الحال

هذا مثال بسيط على هذه اللهجة الهجينة .... وهو سلام تلقيه إحدى المقدمات على ضيف تحاوره أو متصل بالبرنامج وكأنها تقول له بلهجتنا : مرحبا ... كيفك ... منيح ( مليح )
لاحظوا عبارة من ثلاث كلمات إحداها إنكليزية والثانية لبنانية محكية والأخرى فرنسية .

إن أول من استخدم هذا التطعيم بين اللغة العربية واللغات الأجنبية الأخرى بهذا الشكل الفج هم أبناء المغرب العربي ( خاصة في بداية عهود استقلال بلدانهم ) ولكن هؤلاء لهم عذرهم لأن المستعمر الفرنسي ولطول عهد وجوده في بلدانهم استطاع أن يفرنس ثقافة المجتمعات المغاربية بالكامل - تقريباً - عندما جعل الفرنسية هي اللغة الرسمية للدولة وهي لغة التعليم في تلك البلدان لذلك كانت ثقافتهم الفرنسية ممتازة بينما معرفتهم باللغة العربية ضحلة جداً لذلك كان أحدهم إذا أراد أن يتكلم العربية يلاقي مشقة كبيرة وقد يصل إلى موضع لا يعرف ما يريد قوله بالعربية فيضطر للعودة إلى اللغة الفرنسية التي يتقنها تماماً فيجتاز هذا الموضع ويتابع كلامه من جديد بالعربية وهكذا فهو مرغم في كل مرة أن يستعين بثقافته الفرنسية عندما لا تسعفه لغته العربية غير المتمكن منها , إذاً هي حالة اضطرار وليس اختيار .
ولكن في هذه الحالة المحدثة التي استشرت وتفشت في لبنان وفي كثير من البلدان العربية الأخرى هي حالة تبجح وتباهي وعرض عضلات لا أكثر ولا أقل .

في مرة كنت أتابع برنامجاً حوارياً سياسياً فكان نقاشٌ بين المذيع والضيف حول إحدى الشخصيات السياسية اللبنانية فقال أحدهم عن هذه الشخصية إنه خريج شيمي ..!!

إنه خريج شيمي , حسن .... ماذا يفهم منها ؟
فهمت بداية أنه تخرج في جامعة اسمها شيمي أو يصطلح على تسميتها بشيمي أو ربما في فرع جامعي ما يقال له : شيمي , ولكن ما هو هذا الشيمي يا رعاكم الله .
قلبت في فكري كل ما أعرف من معلومات واستنجدت بسابق المعارف و الخبرات وعصرت ذهني العديد من المرات , ولكن دون الوصول إلى أية نتيجة تذكر .
كنت أعتبر نفسي ملماً ببعض أطراف الثقافة والمعرفة , ولدي كم معقول من المعلومات والخبرات يضعني في مصاف عاديي الثقافة
ولكن حينها أيقنت تماماً بأنني لا أفقه شيئاً , و أني مثل الأطرش بالزفة . ولا أعرف الخمسة من الطمسة

أهمني الموضوع جداً وأخذ حيزاً كبيراً من تفكيري وانشغلت به انشغالاً حقيقياً وأصبحت في تحد كبير أمام نفسي لحل هذا اللغز الغامض .
وفي جلسة استرخاء قيلولية , لمح لي بارق من حل برؤية خيالي الحرفين الإنكليزيين Ch بجانب بعضهما , هذان الحرفان معاً يلفظان كحرف واحد عندنا في ديرالزور وريفها وفي البادية السورية حرف ينطق مابين الشين والجيم مثلما ينطق الحرفان الإنكليزيان Ch في كلمتي Chat أو Child ( نرمز له چـ ) , وهما بداية الكلمة الإنكليزية : Chemistry وتعني كيمياء وتلفظ هكذا : كيميستري , ونلاحظ أن Ch هنا لفظت ( ك ) وليس ( چـ ) والتي هي قريبة من ( ش ) حيث كنت أتوقع أن يكون اللفظ شيميستري فأكون بهذا قد قبضت على الأحرف الأربعة الأولى من الكلمة وهي ( شيمي ) ويكون هذا هو حل للغز العويص .
ولكن لم يكن بالإمكان أفضل مما كان .

هجرت اللغة الإنكليزية بعد أن منيت بالفشل الذريع في كنفها , وقررت الاتجاه إلى لغة أخرى علني أجد تفسيراً للكلمة الشيمية المستعصية على الفهم والإدراك .
قررت التحول إلى اللغة الفرنسية ( على الرغم من عدم معرفتي بأي شيء عنها ) وشجعني على هذا الانتقال أن اللغات الأوربية متقاربة جداً ومشتقة من أصل واحد هو اللغة اللاتينية .
حسن .... لنبدأ من جديد ...
قدرت أن كلمة كيمياء في الفرنسية هي قريبة جداً من الكلمة نفسها في الإنكليزية وربما تكتبان بنفس الأحرف مع اختلاف بسيط جداُ ( ربما يكون بسبب الاختلاف في لفظ الأحرف الصوتية بين اللغتين ) فلابد أن Chemistry الإنكليزية هي نفسها شيمي الفرنسية ( لا أعرف كيف تكتب بالفرنسية ) وأن الحرفان Ch لفظا في الكلمة الفرنسية (ش) وتابعنا إلى شيمي
أقنعت نفسي بداية بهذا الحل المعقول ,على أمل أن يكون صحيحاً .
بعدها سألت أحد الأصدقاء العارفين باللغة الفرنسية فأكد لي أن شيمي الفرنسية هي نفسها Chemistry الإنكليزية وهي نفسها كيمياء العربية .


مرحى .. وجدتها إذن ...!

- موضوع قمت بتحريره ونشرته سابقاً في أحد المنتديات -