ساقية الموت في حمص ..
آخر ضحاياها طفل لم يتجاوز الحادية عشرة..


[ ملفات بلا صدى ]

تتكئ مدينة حمص على كتف العاصي الذي تنساب مياهه بين بساتينها يرسل الحياة في عروق مساحاتها الخضراء..
وبفضل المهندسين المجتهدين تم جر ساقية من نهر الحياة "العاصي" عند سد بحيرة قطينة، من أجل إرواء السهول، وسميت تلك الساقية في حينها ساقية الري ..

لكنها بدلاً من أن تكون مصدر خير للأرض والبشر، أضحت كابوساً يؤرق الأهالي الساكنين على ضفتيها أو في محيطها ..
فتلك الروافد من الساقية أصبحت تمر بين الأحياء السكنية مكشوفةً دون أسلاك أو غطاء مما جعل من مياهها الدافقة المكشوفة ملاذاً يستقطب الأطفال ويغريهم بسباحة مجانية تزود عنهم حر الصيف وسطوة القيظ .. وهم غافلون عن حجم الخطر الكامن في عمقها ودفقها ..

السباحة المجانية التي لا يتقن معظمهم أساليبها ولا يطلب أكثرهم من حسنها إلا برودة مياهها تخفي ورائها الموت الكامن ..
وتتكرر في هذه الساقية ضربات القدر لتتحول إلى قضاءٍ يسلب الأطفال حياتهم وينشر المآتم ..
العزاء نتيجة حتمية تحل في بيوت الجوار في كل صيفٍ بتكرار .. بديلةً عن ساعات الفرحة لطفولة اختارت اللعب بغياب الأمان والتحذير و..
والموت في مغامرة المصطافين السابحين الأطفال هي البديل .. كما هي الساقية خيارهم المحدود والمحصور في مجانية الماء هرباً من حر الصيف وقيظه..

أطفالنا الذين نحتفل بعيدهم كل عام يفتقرون إلى مسابح شعبية أو إلى حدائق عامة تملئها الألعاب.. بعيداً عن أشداق الساقية التي كانت في زمن إنشائها الذي مضى على بعد أميال من الأحياء السكنية والتي أضحت كالذئب الضروس في مساكن الحملان ..

اليوم هذه الساقية أصبحت في قلب أحياء سكنية شعبية وشوارع ممتلئة بالأطفال، في طريق الذهاب والإياب، والمدارس التي أغلقت أبوابها ليتحول دفقها إلى قاتل يكتم نبض اللاهين الأبرياء..

الإحصائية الأخيرة في شهرين من 15/4/2010-25/6/2010م بلغت أكثر من ستة عشرة ضحية من مختلف الأعمار..
وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل إلى متى سيبقى الرقم في تزايد لكي يلمح أصحاب القرار خطورة الحال ..
ومتى سيهتم المسؤولون ويلتفتوا إلى حلول تمنع موت الأطفال الغافلين العابثين ..
هل يعجز القائمون على حماية ورعاية البسطاء من المواطنين عن إيجاد حل حازم وسريع لساقية الموت ..

لا أظن أياً من القائمين يرضى لطفلٍ سمع ضحكته يوماً أو لاعبه يوماً، أن تغفو عيناه موتاً على مشهد منه ..
فكيف بجمع من الأطفال تأخذهم الغفلة قرابين لساقية الموت .. لمجرد أنه ماء بارد لا مال في حوذتهم ليلعبوا ويسبحوا في سواه..

ساقية الموت بلا أسوار أو غطاء أو تحذير.. جدرانها مستقيمة ملساء، بنت عليها الطحالب اللزجة، والماء فيها يحري على عمق أكثر من ثلاثة أمتار، دون توقف أو تريث لصيحة طفل يغرق في سراب اللهو بلا كلفة ..

لذلك لا بد من إغلاقها أو رفع سور يمنع مرور الأطفال، أو حلٍ يأتي به الغيورون المجتهدون.. على الأقل في بعض المكتظ من الأحياء ..

فهل من جهد سيبذل أو اهتمام سيبذل .. من أجل دمعة وقطرة ونبض ..

آخر طفل أخذته الساقية كان "عادل عروب" الذي لم يتجاوز الحادية عشرة من عمره..
فهل يكون آخر ضحاياها .. ساقية الري... ساقية الموت .. ؟؟

أصداء الوطـن ـ علا أبو صالح
المصدر