الإعلام الفلسطيني المخدوع إلى أين ؟
بقلم : صلاح صبحية


الخطاب الإعلامي الفلسطيني على جميع مستوياته الرسمية والفصائلية
والشبكات الخاصة يحتاج منا إلى وقفة جادة ومسؤولة لابدّ لنا من وقفتها
أمام هذا الانهيار الأخلاقي الإعلامي الفلسطيني ، فالإعلام هو تعبيرٌ
عن موقف أو حالة أو رأي باتجاه الآخر ، وهو أيضاً رسالة لا بدّ لأي جهة
من أن ترسلها باتجاه الهدف الذي تريد الوصول إليه ، وحتى يحقق الإعلام
غايته عليه أن يمتاز بالصدق والموضوعية ولو كان موجهاً نحو العدّو ، كما
على الإعلام الابتعاد عن الغوغائية لأنه لن يحصد من وراء ذلك إلا الخسران
المبين ، ولا تظنن أي جهة كانت بأنها يمكن أن تقنع الآخرين إن كانت
منطقية في رسالتها ولكنها في المضمون كانت قائمة على الكذب والخداع ،
فالخطاب المنطقي شيء ومضمونه شيء آخر ، وهذا ما يمكن أن نسميه باللعبة
الإعلامية التي يمارسها الأعداء فيما بينهم ، منطقية في الشكل وكذب وخداع
في المضمون والمحتوى .

ولكنّ الإعلام الفلسطيني يبتعد اليوم عن خوض معركته الأساسية
باتجاه العدّو الصهيوني ، حيث أصبح هذا العدّو في مأمن من الهجوم
الإعلامي الفلسطيني وذلك بسبب أن الفلسطينيين أصبحوا يعيشون معارك داخلية
تتجدد وتتواصل يومياً وبالتالي أصبح الإعلام الفلسطيني إعلاماً لا
أخلاقياً سياسياً ومعرفياً واجتماعياً وحتى اقتصادياً لأنّ مهمته أصبحت
هي النخر في الجسد الفلسطيني المنهوك ، فلم يعد الإعلام الفلسطيني
معنياً بالصدق والموضوعية والمعرفية بقدر ما هو معني بأسلوب الشتم والسّب
والقذف والاتهام والإساءة للآخر الفلسطيني بكل ما يتاح إلى ذلك سبيلا ،
بل أنّ العديد من الشبكات الإعلامية الخاصة على الشبكة العنكبوتية تعتمد
في مصدر معلوماتها على العدّو الصهيوني ، وهذا قمة الإسفاف الأخلاقي في
الخطاب الإعلامي الفلسطيني الداخلي ، ونحن نقرأ المقالات السياسية
المنطقية في سردها ولكنها المعتمدة من ألفها إلى يائها على ما يقوله
العدّو الصهيوني ، وهذا ما يؤكد نجاح إعلام العدّو الصهيوني في اختراق
الداخل الفلسطيني ، فالعدّو الصهيوني وعبر صحافته المكتوبة وخاصة معاريف
وهاآرتس ، وفضائياته المتعددة وخاصة القناة العاشرة وعبر الناطقين
الإعلاميين الصهاينة يبث بشكل مستمر الأكاذيب التي تتحول إلى حقائق لدى
البعض الفلسطيني إن لم يكن نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين وعلى كافة
المستويات ، وتتحول أكاذيب العدّو الصهيوني إلى حقائق يستميت بعض
السياسيين والإعلاميين الفلسطينيين في الدفاع عنها من خلال توجيه التهم
إلى الآخر الفلسطيني إلى درجة الاتهام بالخيانة ، وتسري أكاذيب العدّو
والتي حوّلها بعض الإعلام الفلسطيني إلى حقائق بين الجمهور الفلسطيني
سريان النار في الهشيم ، وهذا يكرّس يومياً المزيد من التناحر الفلسطيني
الفلسطيني والمزيد من تفتيت المجتمع الفلسطيني ، وهنا الطامة الكبرى التي
أراد أن يصل إليها العدّو الفلسطيني من خلال أدوات فلسطينية وقعت ضحية
الإعلام الصهيوني الكاذب الذي حقق هدفه في إيجاد مزيد من الشرخ داخل الصف
الفلسطيني ، فكيف يقع الإعلامي الفلسطيني في مصيدة الإعلام الصهيوني
الكاذب ، وكيف يتحول الإعلامي الفلسطيني في خطابه نحو تفتيت الداخل
الفلسطيني ومساهماً في تعضيد الإعلام الصهيوني في هجومه على الكل
الفلسطيني ، فالإعلام الصهيوني القائم على نفي وجود الشعب العربي
الفلسطيني عن أرض فلسطين التاريخية لا يمكن أن يكون صادقاً في إعلامه
الموجه للشعب الفلسطيني ، ولكنّ العدّو الصهيوني يدرك جيداً الناحية
العاطفية الموجودة داخل كل فلسطيني فيعمل على استثارة هذه العاطفة ويحسن
كيفية توجيهها ، ومن المؤسف حقاً أن تتم استثارة عاطفة بعض الإعلاميين
الفلسطينيين ، ولكن من المؤسف أكثر أن ينخدع هؤلاء بإعلام العدّو
الصهيوني بحيث يتحوّل هذا العدّو إلى عدّو صادق مخلص حريص على وحدة الصف
الفلسطيني ، بل أنّ الحقيقة أكبر من ذلك في لعبة الإعلام الصهيوني
الخادع ، إذ يبعث هذا الإعلام بمادته الكاذبة لتتحوّل إلى حقيقة لدى
أطراف فلسطينية لها مصلحة خاصة في تصفية حسابات شخصية وفئوية مع بعض
القيادات الفلسطينية ، والأخطر من ذلك هو وقوع قوى فلسطينية وجهات عربية
وإقليمية في مصيدة الإعلام الصهيوني الخادع وأيضاً من أجل تصفية حسابات
خاصة .

وليس الانهيار الأخلاقي للإعلام الفلسطيني ناتج عن قدرة الإعلام
الصهيوني على توجيه بعضه ،بل هو ناتج أيضاً عن سوء فهم دور الإعلام في
تكريس وحدة الصف الفلسطيني التي أصبحت معدومة بشكل كلي عن الساحة
الفلسطينية ، فبدل أن يعمل الإعلام الفلسطيني بكل تصنيفاته وتبعياته إلى
التخلص من حالة الانقسام والانفصال التي نعيشها ، نجد أنّ هذا الإعلام
الفلسطيني يكرّس الانقسام أفقياً وعامودياً ، وبدل قيام الإعلام
الفلسطيني والتابع لكل الجهات بدعوة الجميع إلى كلمة سواء فلسطينية نراه
ينصاع إلى حسابات إقليمية خارجية لاترى في اللحمة الفلسطينية مصلحة
لها ، فإلى متى سيبقى الإعلام الفلسطيني رهيناً لحسابات شخصية وفئوية
وإقليمية ؟، وإلى متى يبقى الإعلام الفلسطيني مخدوعاً بإعلام العدّو
الصهيوني؟
فلسطين – ترشيحا في 23/6/2010 صلاح صبحية
salahsubhia@hotmail.com