كشفت رواية احد العائدين الأتراك من الاعتقال عن مدى كره الإسرائيليين لرئيس حكومة تركيا رجب طيب أردوغان. وأوضح أن الجنود الإسرائيليين كانوا يرفسون الجرحى الأتراك على سفينة «مرمرة» صارخين «وان مينيت، وان مينيت».
وعبارة «وان مينيت»، أي دقيقة واحدة، ذهبت مثلاً في مناظرة دافوس الشهيرة التي جعلت أردوغان ينفجر غضباً في وجه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز قائلاً له «إنك تعرف القتل جيداً جداً». ولما حاول رئيس الجلسة ديفيد اغناسيوس إسكاته انفجر أردوغان في وجهه قائلاً له «وان مينيت، وان مينيت»، التي تحوّلت في ما بعد إلى رمز لسياسة الاعتراض التركية على مجازر إسرائيل في غزة وعلى سياسات الغرب القمعية في محاولة إسكات الآخرين.
قد يكون هدف عملية الإرهاب والقرصنة الإسرائيلية ضد أسطول الحرية، وتحديداً سفينة «مرمرة» التركية، هو الانتقام من شخص أردوغان وتخويف منظمي حملات كسر الحصار بحراً، لكن العامل الأساسي هو كبح تنامي الدور التركي في محيطاته الإقليمية، وليس فقط في الشرق الأوسط، قبل أن يستفحل ولا يمكن صدّه أو وقف صعوده خصوصاً بعد الاتفـاق النووي مع إيران.
تكاتفت هذه العوامل لتشكيل حلف دولي وإقليمي لتأديب تركيا وتوجيه ضربة استباقية لها قبل استفحال الأمر، وإبلاغها رسالة دموية قاتلة بأن لتحركها ولدورها ولنفوذها حدوداً ترسمها لها القوى الكبرى، كما كانت ترسم لها الكتلة الأطلسية وإسرائيل سياستها خلال الحرب الباردة حتى وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة.
ووصلت الرسالة بأفظع ما تكون عليه: استهداف السفينة التركية في المياه الدولية، في تعمّد فاجر. الضربة الإسرائيلية ـ الدولية كبيرة جداً، لذا كان لا بد للرد التركي من أن يكون، أو يفترض بذلك، على مستوى الحدث. وضع خطاب اردوغان، الثلاثاء الماضي، الإطار النظري للرد.
خطاب ناري وطني صلب مفعم بالعنفوان وبدموع الغضب، لا الحزن. لكن الاعتدال الذي ظهر على المواقف التركية بعد الخطاب كما بيان مجلس الأمن القومي التركي، مؤشر على أن القيادة التركية تتمهل في دراسة الوضع وتقييم الموقف، لأن دقة الحادثة وخطورتها تتطلبان اتخاذ قرارات استراتيجية، سواء باستكمال المسيرة أو بوقفها أو حتى بتراجعها.

المصدر: السفير - محمد نورالدين