وما أدراك ما يطبخون.!
عدنان كنفاني

ليس غريباً أن يستنفر الكيان الصهيوني كل الوسائل الإعلامية،
والمخابراتية، والدعائية ومن ورائه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية،
لشنّ حملات مسعورة على النظام الإيراني لدعمه حق الشعب الفلسطيني في أرضه
وثوابته ووجوده، ورفضه الانضواء تحت وصايتهما، وأطلقت على مدى سنوات،
كمّاً هائلاً من التهم، وتشويه الحقائق، وإشعال الفتن المذهبية، واشتغلت
على مسألة غاية في الأهمية وهي العزف المتواصل على وتر مساعي إيران، التي
خرجت من تحت عباءة الهيمنة الأمريكية والصهيونية مع سقوط مشروع الشاه،
بترويج شائعات مشبوهة تتمثّل في حلم إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية،
من خلال احتلال الوطن العربي، إعلامياً واقتصادياً، ويمكن أن يكون
عسكرياً، وإطلاق حملة إعلامية كبيرة أشد خطراً من خلال إيهام العالم
العربي أن جمهورية إيران الإسلامية تعمل على "تشييع" المنطقة، وأنها
تدعم، وتموّل وتسلّح حزب الله وحركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية
وتجيّشهم لمصلحتها التوسعيّة أولاً، والمذهبية تالياً.
نستطيع أن نفهم وندرك نوايا وتطلّعات الكيان الصهيوني، وحكومة أمريكا على
قاعدة مصالحهم الإستراتيجية أولاً، والعمل على دعم، ونصرة المشروع
الصهيوني في المنطقة، وموقعهما المعادي للشعب العربي، وشعوب المنطقة، هم
أعداؤنا، وهذه حقيقة، والعدو يسلك كل السبل في مساعيه تحقيق مشاريعه،
ودحر المشاريع المواجهة، والممانعة.
أما أن تخرج، دول الاعتدال العربي، والسلطة في رام الله لتردد، وتدعم،
وتحرّض على استعداء النظام الإيراني على هذه التهم، ويصل الحال إلى
مهاجمة حزب الله، والتعاون الاستراتيجي "العلني، والسري" مع العدو للقضاء
على المقاومة في جنوب لبنان إبان حرب 2006 لأنها امتداد للنفوذ الإيراني،
وواحدة من وسائل تحقيق مشروعه، وتأييد الهجوم البربري على قطاع غزّة في
العام 2008/2009 على هذا الإيقاع، وهذه التهم، فهذا والله أس البلاء،
وآخر درجات السقوط في حضن المشروع الصهيوني الأمريكي.
وقد وصل الحال، إلى اعتبار إيران العدو الأول والرئيس للعرب، أما
(إسرائيل) فهي صديق وودود وديمقراطي وإنساني، بل وأكثر من ذلك عندما
تبرر، دول الاعتدال العربي وسلطة رام الله، وتدعم، وتؤيد كل الاعتداءات
التي شنتّها (إسرائيل) على المقاومة في لبنان وفي فلسطين.
إيران، كما تردد (إسرائيل) وأمريكا ودول الاعتدال العربي، وسلطة رام
الله، دولة فارسية، وشيعية، ولها مطامع كبيرة في وطننا العربي، وهي دولة
إرهابية، لا تفهم أصول الديمقراطية ولا أفانينها، الحكم فيها قمعي متسلّط
ودموي، وما يزال العزف على هذه الأوتار قائماً.
الآن تركيا على خط الحق والحقيقة ونصرة الحق والحقيقة، فماذا ننتظر من
هؤلاء "الغيورين" على مصالح الأمّة والدين والوجود.؟
تركيا دولة ديمقراطية بشهادة المجتمع الدولي، وعلمانية، وأكثرية المسلمين
فيها من السنّة، ولها علاقات دبلوماسية متينة مع (إسرائيل) وتعتبر من
حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، وتسعى إلى الانضمام إلى الاتحاد
الأوروبي اقتصادياً وسياسياً، وتشارك في مناورات عسكرية مع الكيان، ولها
علاقات اقتصادية ورياضية واجتماعية مع الكيان، وتبادل تجاري وسياحي.
تركيا، حكومة وشعباً، تقف الآن مع الحقوق الفلسطينية والعربية، ودفعت من
دماء بعض أبنائها ثمن مصداقيتها، وترفض عنجهية الكيان الصهيوني وركوبه
موجات الاستعلاء والتفرّد والقوّة واستهتاره بكل الكيانات الدولية
والقانونية والإنسانية، فماذا يمكن أن ننتظر من (إسرائيل) وأمريكا ودول
الاعتدال العربي، وسلطة رام الله أن تطبخ جديداً ضد تركيا ومواقفها.؟
المطابخ في تلك الدول ناشطة في ابتداع واختراع طبخة جديدة علّها تستطيع
أن تختلق أسباباً "لا يهم مدى صدقيتها"، لتشويه صورة تركيا، ووصمها
بتهمات جديدة على غرار تهمات موجّهة للنظام الإيراني، وحزب الله، وحماس،
وكل منطلق مقاوم للمشروع الصهيوني العنصري.
هل نسمع قريباً أصواتاً جاعرة تنطلق من هنا وهناك تقول بأن تركيا، والحزب
الحاكم فيها، والشعب التركي لا ينتصر للحقوق من أجل "سواد عيون
الفلسطينيين والعرب" بل يسعى لبسط النفوذ "العثماني" من جديد على
المنطقة، وإعادة أمجاد الإمبراطورية التركية، لتصبح تركيا على تلك التهم،
العدو رقم 2 للأمة العربية بعد إيران العدو رقم 1.؟
أم أننا سنسمع تهمات جديدة يمكن أن تبتدعها عقول "الطبّاخين"، في
الولايات المتحدة الأمريكية، و (إسرائيل)، وترددها بنهم دول الاعتدال
العربي، وسلطة رام الله.؟
أيها العقلاء في هذه الأمّة، بربكم، هل من أحد يمكن أن يتصوّر إلى أي درك
من السقوط والعمالة والخيانة وصل الحال بهؤلاء.؟
هل مطلوب منا أن نحني رقابنا للذبح كي "يبرطع" هؤلاء وأسيادهم في
مقاديرنا وأرضنا وحياتنا.؟ ويبيعوا ويشتروا فينا كما يشاء أسيادهم،
ويشاؤون.؟
أليست كل هذه المجريات، والمدى الذي أوصلونا إليه، "دول الاعتدال العربي،
وسلطة رام الله"، والذل والعار وهم يفرضونه علينا كشعوب يستدعي بل يفرض
أن نلقي بهؤلاء إلى مزبلة التاريخ، وننفض عن كواهلنا تهمة الخنوع والضعف
والاستسلام.؟

ـ ـ ـ
5-6-2010