نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

السبت, 05 حزيران 2010 13:46 علم من أعلام الإبداع الأدبي عاصر النكبة وألم الرحيل وفظاعة الموت وهمجية إسرائيل ودم الأبرياء والأطفال، فقد شقيقه الأديب غسان والمناضل غازي وتحمل مسؤولية أولاد الشهداء، جسد الأدب الملتزم بمجمل كتاباته التي طالت الرواية أولاً والقصة والشعر والمسرحية والمقال السياسي، مثّل فلسطين في عدة مؤتمرات في بلدان عربية وأجنبية ،تميز بلغته القوية وتراكيبه التعبيرية البلاغية، وبراعة الوصف المكاني والزماني من أشهر رواياته/رابعة/ التي كتبها بلسان البطلة واقتحم من خلالها حيثيات المجتمع الفلسطيني، و/بدو/ الرواية التي يعدها سيرته الذاتية: له الكثير من القصص: أخاف أن يدركني الصباح- رؤى- بروق- قبور الغرباء-الجثة ودائرة الرمل والكثير من المقالات والحوارات.. الأديب عدنان كنفاني زار مقر البعث ميديا... ليكون ضيف الموقع وتحدث عن تجربته الإبداعية ورأيه في أمور الأدب والذكرى المؤلمة لاستشهاد غسان كنفاني..

وجدتُ في سورية مكاناً دافئاً

- كتبتَ الرواية والقصة والشعر والمقال.. فكيف بدأت تجربتك الإبداعية؟

--لابد أن سر الإبداع الأدبي يعود إلى الموهبة التي هي هبة من الله تعالى، ثم يأتي التأسيس الأولي في البيت والمدرسة، وقد توافرت لي ولأخي غسان –رحمه الله- الأسس الأولى إذ وجهنا أبي- رحمه الله- نحو الاهتمام باللغة وامتلاك قواعدها والاقتراب من عالم الأدب، ثم يأتي دور المدرسة إذ كان التعليم في الخمسينيات قوياً جداً مكننا أيضاً من القدرة على الكتابة ،هذه العوامل ساهمت في صقل الموهبة الأدبية.. وتوسيع مداركنا لكن مسالة الأدب بصورة عامة تحتاج إلى زمن، إلى مرحلة النضوج..عكس ما يفعله أدباء اليوم الذين يستعجلون النشر والنجاح والظهور.. لقد بدأت بالنشر في مرحلة مبكرة جداً من عمري كنت أنا وغسان ننشر في وقت واحد وهو يكبرني بأربع سنوات، وكانت تربطني به علاقة خاصة، فكنا شركاء في كل أمور الحياة، شركاء الثدي والسرير والحياة والقلم، وكنت أراه مثلي الأعلى ونبع المعرفة الذي أغرف منه.. ثم حدثت النكبة 1948 وغادرنا بحزن كبير يافا إلى عكا، بقينا عدة أشهر، وبعد أن احتُلت غادرنا فلسطين نهائياً إلى لبنان ومن ثم إلى سورية ووجدنا في مدارس سورية مكاناً دافئاً ،ساعدنا على الوصول إلى النضوج والخبرة.. لنكون أدباء نحمل مسؤولية كبيرة، إذ علينا أن نعطي للمتلقي تلك القيم التي حملناها كابراً من كابر، إضافة إلى الهم الوطني والقومي الكبير المتمثل بالقضية الفلسطينية وبما أنني فلسطيني الجنسية عربي الانتماء فكانت القضية الفلسطينية قضيتي بالدرجة الأولى.. وربما كانت المعاناة التي عشناها في مرحلة الكفاح والنضال أسست بذور الالتزام بمسيرة العمر.. أما فيما يتعلق بإنتاجي الأدبي، فأنا قاص وروائي بالدرجة الأولى ومن يمتلك ناصية اللغة يستطيع أن يعممها كما يشاء فيكتب الشعر والقصة والرواية والمقال السياسي، أي كل ما يتعلق بخصوصيتنا الوطنية، التي لا نخرج منها ومن همنا السياسي الذي نحن غارقون به إلى آذاننا –كما يقال- أنا كتبت العديد من المجموعات القصصية والأبحاث والكتب التي تنحو المنحى البحثي والخواطر والحوارات والروايات.. مسيرة غنية جداً على كل المستويات وآمل أن تكون بحجم أمنياتي.. حتى الآن صدرت لي سبع عشرة مطبوعة ملابين القصة والرواية.. إضافة إلى الكثير الكثير من المقالات ومثّلت القضية الفلسطينية في مؤتمرات كثيرة في بلدان عربية، وأجنبية وللمناسبة أنا حريص كل الحرص على الاهتمام بالمواهب الشابة، كي تستمر مسيرتنا الثقافية، كما قال القائد الراحل حافظ الأسد:"الثقافة هي الحاجة العليا للشعوب".

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيالرواية الفلسطينية

- ما رأيك بمساحة الرواية الفلسطينية الآن؟

--الرواية الفلسطينية في المسار الروائي العربي بشكل عام بدأت بالأسلوب الكلاسيكي وبطرحها المباشرة بالتوجه أي كما يقال:" بالشعاراتية" هذا في مرحلة الخمسينيات والستينيات ،هذه المرحلة التي أسست بذور فهمنا كتابة الرواية العربية.. ومن ثم الفلسطينية وأرى أن الرواية لا تعتمد على الإبداع بالدرجة الأولى، وإنما على البناء والصنعة.. وقد استطاعت الرواية الفلسطينية، أن تجسد الهم الفلسطيني وتقاوم بالكلمة الهمجية الصهيونية الإمبريالية، واستطعت أن توصل الوجع إلى العالم أجمع وليس إلى العالم العربي فقط، إذ ترجم الكثير من الروايات الحية، مثل روايات غسان كنفاني وسميرة عزام وجبرا إبراهيم جبرا هؤلاء ممن رحلوا إضافة إلى الموجودين الآن في الساحة الأدبية مثل حسن حميد ورشاد أبو شاور ويوسف الأبطح والكثير من الروائيين.. يمكننا القول: إن الرواية الفلسطينية حققت وجوداً كبيراً في الرواق العربي، كما حققت وجوداً في الأدب العالمي لأنها تمتلك خصوصية محددة، أتت من معاناة النَفَس الفلسطيني وكانت افضل المؤرخين للأحداث السياسية، وأنا كغيري من الأدباء ساهمت بعطائي المتواضع، وحاولت أن أعالج بعض المشاكل التي طالت الوضع الفلسطيني الداخلي والشتات، والمعاناة الإنسانية يقولون: إن الرواية الفلسطينية تراجعت قليلاً، إلا أنني متفائل بالكتابات واعتقد أنها تأخذ مكانها الصحيح في موضوعة الأدب العالمي.. وأود الإشارة في حديثي إلى مؤتمر الرواية الفلسطينية الذي أُقيم في مكتبة الأسد في بداية هذا العام.. وقد حفل بمداخلات وطروحات كثيرة للبقاء للأفضل والأسلم وأنا لست مع التقسيمات الزمنية، التي حُددت بها الرواية الفلسطينية، والتي ذُكرت بالمؤتمر لتوصيل الرواية الفلسطينية إلى المتلقي.. عموماً أنا مع إقامة هذه المؤتمرات لكل الأجناس الأدبية والثقافة عموماً، لأننا نقدم صورة وافية عن الإنتاج الأدبي وأتمنى أن تكرر التجربة من قِبل جهات خاصة وعامة ونصل دائماً إلى النتيجة المرجوة.

رابعة عالجت التفكك والعمالة

- عالجت رواية الرابعة التقسيمات الفلسطينية وموضوع العمالة وكتبتها بلسان أنثى فهل تعدها افضل رواية لديك؟

--على ذكر رواية "رابعة" كل رواية تُكتب بحيثياتها وأنا لا أعدها أفضل رواية لدي، أنا أفضل رواية (بدو) التي هي سيرة ذاتية لي وسأتحدث عنها لاحقاً. حاولت في رواية رابعة أن أعالج عدداً من المشكلات التي نعاني منها في الساحة الفلسطينية، وادخل في صميم التحليل السياسي للفترة الزمنية التي كُتبت بها الرواية، وان ألامس بعض طيوف التفكك في بعض التنظيمات الفلسطينية وهذا ما حدث لاحقاً بسبب التباعد الفكري، وتباين الآيديولوجيا التي نعانيها بين توجه سياسي وتوجه مقاومة، وقد حرصت في موضوعة رابعة أن اركز على المقاومة، وما حققته من نصر لاسيما في حرب 2006 وان نتمسك بالثوابت الوطنية والقومية في جانب آخر حاولت أن أتحدث بإسهاب عن موضوع العمالة والعمالة ليست وافدة على المجتمع الفلسطيني إنها موجودة فيه، وفي أي زمان ومكان المجتمع الفلسطيني له خصوصية عشائرية ، فإذا تبين أن في عشيرة عميلاً فهذا يعني العار على العائلة كلها بل القرية، وقد وجُدت الحل كاجتهاد شخصي بتصفية هذا العميل على يد أحد أفراد عائلته، ليرفعوا العار عنهم ورد هذا بصراحة في رواية رابعة، التي جاءت بلسان أنثى(البطلة رابعة) وهي رابعة أخواتها، دخلت النسيج النضالي وتعرضت في هجوم صهيوني إلى تصويب البندقية إلى ثديها.. لتبدأ معاناتها كأنثى حينما تفقد أحد رموز أنوثتها.. وأتمنى أن أكون قد وفُقت في سرد الرواية بلسان أنثى وفي وصف حالتها النفسية اثر إصابتها... وفي طرف آخر من الرواية أظهرت شخصيات إيجابية جداً، تتمسك بالمبادئ والقيم الوطنية وتحمل لواء المقاومة، ونادر الذي تعرض لإصابة واصبح مقعداً وارتبط فيما بعد بصداقة قوية مع رابعة وحاول جاهداً مع آخرين أن يرسل رابعة للعلاج في أحد مشافي فرنسا لإجراء عملية ثدي اصطناعي لها.. ومن خلال استرجاعات للأحداث ودخولها العمل النضالي تروي سيرة حياتها، وعلاقتها بعمر ونادر، أردت أن أقول شيئاً عبر رموز بأن عملية السلام المشبوه المدعى عملية ناقصة لا يمكن أن تتم بهذه الشروط... حينما أدركت رابعة هذا التوجه في نهاية الرواية، رفضت في اللحظة الأخيرة إجراء عملية وقالت جملتها المشهورة نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيأخاف أن يخطأ المشرط مساره) والمشرط عملية السلام التي تخترق مجتمعنا العربي.. طبعاً نحن مع السلام الآمن وضد شعار السلام الوحشي، الذي يبحثونه على طاولة المفاوضات التي لم تصل إلى شيء.. لقد حاولت في هذه الرواية أن أعبّر عن نماذج مختلفة لاسيما للمرأة الفلسطينية مثل زوجة متعب، التي تعلم أنهم قادمون لقتله وتفسح لهم الطريق، وكذلك ابنه الصغير الذي يندرج بصفوف المقاومة والذي يريد الثأر لجده الذي قُتل على يد الصهاينة، هذه الرواية إذا صنفت بين الروايات الملتزمة، فهي ملتزمة بامتياز.

قلتُ سابقاً من يمتلك ناصية اللغة يستطيع أن يشكلها كما يشاء، ولغتنا العربية غنية بالصور والتوصيفات لو استطعنا أن نضعها بالمكان المناسب ونوظفها في الزمان المتوازي مع الحدث، وبذلك ننشئ نوعاً من التوازن الأدبي والإبداعي ما بين اللغة والفكرة، وهنا تبرز حرفية الكاتب في هذا التوازي، فإذا طغت اللغة على الفكرة تصبح قصة لغة، وإذا طغت الفكرة على اللغة تصبح جافة وباهتة، وفي كتابة أي جنس أدبي أحاول أن اصنع المفردات التي تتميز بنبض موسيقي بلغة شعرية وهذا يميز النص أولاً ثم القدرة على التعبير من خلاله عن أدق الأحداث التي نسعى إلى توصيفها.

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعيبدو سيرة ذاتية

-ماذا عن رواية بدو التي كتبتها خلال أربعة عقود؟

-- بدو اسم قرية فلسطينية تقع شمال غرب مدينة القدس بدأت بكتابة هذه الرواية 1955 وتابعتها بعد أربعة عقود في 1999 وأنا اعتبرها سيرة ذاتية، لحياتي وحياة أسرتي ومعاناة كل الفلسطينيين، وفيها جانب كبير من حياة غسان واستشهاده.. في هذه الرواية سردتُ حياتي منذ أن كنت طالباً في مدرسة قلنديا، ثم كيف غادرنا يافا إلى عكا ومن ثم إلى لبنان ثم إلى سورية، وبدأت الأحداث مع صديقي سليمان بطل الرواية، ثم ألقيت بأوراق هذه الرواية في الدرج بعد استشهاد غسان، وقررت أن أتوقف عن الكتابة كي ابقي الضوء مسلطاً على بطولة غسان التي دفع حياته ثمناً لها، وعلى قوة الكلمة التي أخافت إسرائيل فقتلته لقد توصلت إلى هذا القرار، وأنا أسير بجنازة آخي غسان التي لم تشهد بيروت مثلاً لها، وكنت آنذاك في الثانية والثلاثين من العمر، وقد فرض علي الكثير من الإغراءات والمناصب رفضتها كلها حتى لا يقال: إنني تسلقت على سيرة غسان والسبب الآخر لتوقفي عن كتابة هذه الرواية بالذات أنني فجأة وجدتُ نفسي أباً لأولاد الشهداء ،إذ استشهد أخي غازي وكان مهندساً في إحدى عمليات النضال وترك لي أربعة أولاد إضافة إلى ابنة وابن غسان وأولادي الخمسة وإخوتي الأربعة الصغار من أبي فتركت غمار الكلمة والقلم، وعشت حياة عادية من أولى اهتماماتي الإشراف على الأولاد، ثم مرت السنوات وأجبرني صديقي الشاعر خالد أبو خالد على مواصلة النشر... وعلى سبيل الذكر لم أنقطع يوماً عن الكتابة، وإنما كنت اكتب ولا أنشر، وبعد عودتي للنشر انتشرت كتاباتي بسرعة كبيرة في الوطن العربي فتذكرت تلك الرواية المنسية في أحد أدراجي.. عدت إلى أوراقها الصفراء لأخلصها من الفجاجة، وأعود إلى مفاتيحها بعد أربعة عقود.

مونودراما

- توجد لك تجارب مسرحية من أشهرها(شمة زعوط) وهي مونودراما فهل أنت مقتنع بهذا النوع من المسرحيات؟

-- مونودراما، مسرحية من بطولة شخصية واحدة رجل فلسطيني تجاوز التسعين من العمر، وجدت أنموذجاً للرجل الذي يتمسك بأرضه ووطنه اسمع موسى الخالص، يعيش في القدس، وأنا لا يهمني (الاكشن) ما يهمني التمس بالأرض والوطن، عُرضت في مسارح سورية ولاقت صدىً واسعاً، مثلها تاج الدين ضيف الله، وهو سوري من الجولان، وأخرجها زهير البقاعي، كما عُرضت في دول الخليج ومصر والأردن ويوجد بين أدراجي الكثير من المسرحيات أتمنى أن تجد طريقها للنور.. الحدث فرض نفسه في شمة زعوط وهذا لا يعني أن كل مسرحياتي من هذا النوع والمونودراما جيدة وفيها تركيز على الحدث.

- فازت قصة إيقاع الذاكرة بجائزة فهل هي أيضاً ضمن مسار الفلاش باك؟

-- إيقاع الذاكرة ..مجموعة قصصية، تأتي ضمن مساري الأدبي الملتزم حازت على جائزة د. نبيل طعمة للإبداع، وفازت بالدرجة الثالثة، تعبّر من العنوان عن استرجاعات الذاكرة الوطنية، وهي أهم الثوابت التي يجب أن نتمسك بها ونحافظ عليها.. وهذا أسلوب سردي متبع في عالم السرد.

الشعر والنبض الموسيقي

- من المعروف أنك توظف الشعر في كتاباتك فهل أنت مع اختراق الأجناس الأدبية؟

-- استطاعت بعض المواهب الأدبية أن تكسر الحواجز بين الأجناس الأدبية ولا يعني ذلك تفوق جنس على جنس آخر وتماذج الأجناس وقربها يشكل رافداً في موضوعة الحداثة، وتقنية التجريب في توظيف الشعر في النصوص النثرية، يكون مساراً للفكرة والحدث معاً، وهذا التجريب دخل في اكثر قصصي لاسيما في إيقاعات الذاكرة، وأنا أحبذ توظيف الشعر في الحدث ضمن المسار بصورة ألا يكون صادماً أو مضاداً.

الحب بعمق النسيج الوطني

- ما هي مساحة الحب في كتابات عدنان كنفاني؟

-- الحب هو الله وهو الحياة، ولا يمكن أن ننتج أي عمل مادي أو معنوي إذا لم نكن نملك طاقة من الحب، قادرة على الأخذ والعطاء، ولا يمكن أن نصل إلى المستوى المرجو من كل جهد، وفي كتاباتي أحاول أن أوظف الحب الذي هو سر الهي في موضوعة الالتزام الوطني، فالمرأة الفلسطينية رغم معاناتها وهمومها وواجباتها، تستطيع أن تقاوم وتنجب، علاقة الحب بين المرأة والرجل ادخلها بالنسيج الكامل للقصة بعمقها الإنساني، وليس هناك أقوى من الحب حينما يوظف في القضية الفلسطينية

- ما رأيك بالأدب النسائي والذكوري؟

-- كثيرون يقولون: يوجد أدب نسائي وأدب ذكوري ،برأيي الأدب أدب سواء كتبته امرأة أم رجل، لكن المرأة الأقدر على التعبير عن مشاعر المرأة، وكذلك الرجل إلا أنه توجد خروقات إذ كتبت رواية رابعة بلسان أنثى وكتبت أحلام مستغانمي(ذاكرة الجسد) بلسان رجل.

الصعيد الشخصي

-على الصعيد الشخصي ما هو الطقس الذي تكتب فيه؟ وما هي هواياتك ومتابعاتك؟

-- أنا لا أحب الطقوس والعادات، اعتدت على التكيف مع كل الأوضاع، لستُ من الأدباء الذين يفضلون الكتابة صباحاً أو ليلاً أنا أكتب وسط ضجيج أحفادي، أكتب في غرفتي وغرفة الجلوس والمطبخ، وقد يستغرب القارئ أن زوجتي أحياناً تطلب شيئاً من السوق فأترك الكتابة واذهب إلى السوق ثم أعود مرة ثانية إلى خواطري..

وللمناسبة أنا أكتب مباشرة على الكمبيوتر ولا استخدم القلم والأوراق، الطقس الوحيد الذي أحافظ عليه هو أنني ارتشف الكثير من القهوة والشاي.. أما عن هواياتي الخاصة فكنت أرسم وأمارس الرياضة ولاسيما كرة القدم، وكرة السلة، أما الآن فاقتصر كل شيء على القراءة والكتابة.. ومتابعاتي الأساسية الأخبار ،إذ أتابعها في عدة محطات فضائية.. أما الشيء الخاص جداً فهو أنني لا احب المظاهر والأضواء وأكتب بصمت وأنشر لمن يحبني وللقضية الفلسطينية .

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي- ما الذي يؤلمك في الذاكرة؟

-- اكثر ذكرياتي ألماً استشهاد غسان كما قلتُ لك تقاسمت معه السرير والنكبة والرحيل والغربة والدراسة وحب الأهل والكتابة، غسان كان الحب بالنسبة لي، تعلمت منه أبجدية الالتزام ونهلت الهم الوطني والقومي، غسان لخص مرحلة تاريخية مهمة جداً ومتميزة على المستوى الأدبي والسياسي والوطني، وكان رائداً في كل المستويات وتوّج بالشهادة وأعتقد انه لم ينل مناضل وشهيد ما ناله غسان من حب الأجيال وسيبقى رمزاً لفلسطين للقدس، التي ننتظرها، أصعب لحظة عشتها وما تزال ماثلة أمام عيني لحظة استشهاد غسان ولحظة تلقي النبأ الفاجع والسفر مباشرة إلى بيروت، في اللحظة ذاتها استشهدت معه ابنة أختي لميس نجم ذات (17) ربيعاً – كان جسد غسان ممزقاً أشلاء أشلاء لملمته من أغصان الشجر باستثناء القسم العلوي من صدره ورأسه وكان وجهه مبتسماً فرحاً بالشهادة وبالجنة التي وعده الله بها، تعجز الكلمات واللغات والحروف عن وصف هذه اللحظة التي تدل بالتأكيد على همجية إسرائيل وخوفها من الكلمة الصادقة المعبّرة التي وقفت في طريقها، لقد تربت الأجيال على قصص غسان وستبقى لتنهل منها البراعم القادمة، وعلى سبيل الذكر وصفت كل ما يتعلق باستشهاد غسان وجنازته في مجموعة قبور الغرباء، لتكون شاهداً على العصر... على استشهاده وخوف إسرائيل -كما قلت- من الكلمة.

حوار: مِلده شويكاني

البعث ميديا