لعم وبشدة
سوسن البرغوتي

لسنا من دعاة سياسة "اللعم" التي أودت بالقضية المركزية للأمة العربية إلى حافة الهاوية، ولا من الذين يجيدون القفز على الخطوط الحمراء والثوابت الوطنية، التي أضحت مصطلحاً عائماً، أو من الذين يتنازلون عن ذرة تراب واحدة من الماء إلى الماء، ويقايضون أرضنا بأرض فلسطينية أخرى. ولا مع (محادثات التقارب) وسقف مطالب بل آوامر "اسرائيلية" لا تنتهي.

أما وقد صادف في هذه الفترة أحداث وتصريحات، منها المربك ومنها الحاسم، وأخرى مشاعر تشوبها هواجس القلق والترقب، فالإشارة في مقال جامع لها، من الضرورة بمكان للتأكيد على اللاءات، والإصرار على،

نعم- لمشروع إستراتيجية المقاومة، الذي أوضحه عدة مرات السيد حسن نصر الله، وامتلك كل مقومات قلب المعادلة البحرية والبرية، والجوية بتصدي الجيش اللبناني لخروقات "إسرائيل" الجوية المتكررة، وبتطوير قدرة سوريا على التصدي لأي اعتداء محتمل، وموقفها الداعم والمساند للمقاومة العربية.

نعم - لرفع الحصار عن شعبنا في القطاع، فأكثر من ثلاث سنوات، وهو في معتقل جماعي، معاقب لأنه اختار الصمود والثبات. محاصر في قوت يومه، وبآلة عسكرية همجية صهيونية، وتوظيف سياسي لسلطة محمية رام الله، لإخضاع الشعب والمقاومة. أخيراً وليس آخراً، محاصر بجدار فولاذي وأنابيب مياه تضخ الموت وتنشر رياح السموم. ليعلم الجميع، أن الحصار بداية لتفكيك جبهة المقاومة في وطننا العربي، وأن القضاء عليها في فلسطين المحتلة - لا قدر الله-، بمثابة بداية انهيار لكل الجبهات المقاومة العربية، وكما بدأ التفريط باتفاقيات التطبيع الرسمي، سينتهي باحتلال مباشر لكل البلاد العربية وسلب إرادة واحتلال العقل العربي.

نعم - للتضامن مع أسطول الحرية، فقد تكبدوا مشاق السفر، وأخذوا على عاتقهم المسؤولية لأي احتمال، تقوم به "إسرائيل" لإجهاض حملة سلمية، بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لذلك فأقل الواجب لدعمهم، ومن أجل عيون أهل غزة، وابتسامات معذبة لأطفال غزة، أن نعلي أصواتنا جميعاً، وندعو كل شعوب العالم، أن تقف موقفاً إنسانياً، ولو لمرة واحدة، طيلة ستة عقود من احتلال فلسطين.
كل ما أتوا به قدر استطاعتهم قد لا يكفي القطاع ليومين، إلا أن حملة الحرية لغزة، لها دلالاتها ورسالتها، بضرورة إنهاء الفصل الكارثي، وسيادة شاطئ غزة العربي، وبهذا يكون أول شاطئ فلسطيني، يشهد التحرير، ويا حبذا لو تصدر القافلة البحرية أحد رؤوساء الدول، ولا أعتقد أنه ضد ما يُسمى القانون الدولي، ولكنه يعطي الحصانة الدبلوماسية للأسطول. وتسيير المظاهرات في كل عواصم العالم والعربية بشكل خاص وفي كل فلسطين المحتلة، رافعين الأعلام الفلسطينية فقط لا غير، ومطالبين بطرد السفراء الصهاينة من بلادنا، ووقف التطبيع الرسمي، الذي بات يشكل خطراً على سيادة الدول العربية، ومحاسبة مجرمي الحرب الصهاينة المعتدين على الجنوبين الفلسطيني واللبناني. والكف عن سياسة استخدام العصا الأمريكية عبر سفاراتها وحكوماتها وقياداتها العسكرية والفرق القاتلة المجرمة، فلم تعد تجدي نفعاً ولم تعد هيمنتها الهشة صالحة للاستخدام ضد البشر والحجر.

نعم - لطرد دايتون، وعدم استقبال غيره، والتخلص نهائياً من عقدة "الدولة"، والتمسك بالتحرير على قاعدة لا حل إلا بالمقاومة المسلحة أولاً، ومن يخرج عن هذا المنطق السليم، هو من يجب أن يخرج من سرب المصلحة العليا والمصالحة الوطنية.

اللاءات كثيرة، في هذا الأسبوع وأكثر هي المعروفة، فلا صلح ولا مساومة ولا اعتراف، أما تلك التي باتت تزيدنا قهراً وغضباً، اعتقال ميرفت المصري وإهانتها على يد الفلسطيني الممسوخ، واعتقال الأسير المحرر حازم الفاخوري، بجريرة آراء المناضلة الحرة لمى خاطر، فالشعارات الكاذبة، ليست إلا قناعاً خادعاً، يتلحف به كل من يتصدر التصريحات المؤكدة على حرية التعبير والرأي، المناهض للفساد والظلم والاغتيالات في سجون الشبح وإذلال شعبنا في الضفة المحتلة. فليطلق سراح أسرى الكلمة المعارضة الحقيقية فوراً، فأين غاب صوت من أطلق على نفسه صفة المعارضة في محمية رام الله، وأرعد وأزبد، حين فعّلت الحكومة المقامة في غزة ضرائب السجائر وغيرها، وأين منظمات حقوق الإنسان العربية وتلك الدولية، التي ترصد (تجاوز) معاقبة العملاء الخونة، ولا ندري ما عقاب من تخابر مع العدو في أي مكان بالعالم، فما بالك إن كانوا أصابع الاحتلال لرصد تحركات المقاومين وأسمائهم وأماكنهم.. فلُتبر هذه الأصابع القذرة، حتى لا تشوه صورة الفلسطيني النظيف الشريف من عقود وحتى تحرير كل فلسطين. ولا للاعتقال على خلفية الرأي السياسي في أي بقعة على أرض فلسطين المحتلة، وإلقاء تهم جائرة.

لا .. وبعدد شهداء وأسرى وسنوات طويلة شاقة لتضحيات شعبنا، لكل القرارات الدولية، فعندما يتوفر التحرير، لا منة ولا فضل من أحد، يعود المهجرون قسراً إلى أرضهم، مع التعويض عن المآسي التي لحقت بالفلسطينيين طيلة زمن الاحتلال. كل القرارات الدولية، تثبت حق "إسرائيل" في الوجود على أرض فلسطين، وهي قرارات الدول الإمبريالية التي صنعت الكيان كقاعدة لها، وبالتالي، فإن من يطالب بها يدعو لإيجاد - (حل للتعايش مع "الجيران")- وأن التسوية ممكنة مع الغزاة، وهذا ما تنكره سنن الشعوب في تحرير بلادها، وما يبغضه شرع الله في الدفاع عن كامل الأرض والمقدسات.

أخيراً، لا لاحتكار القرار والسطو على التمثيل الشامل لكل الشعب الفلسطيني، من أي جهة كانت، ولا لكل من يعبث ويناور للتنازل، وللعلم كل ما يُسمى بالاتفاقيات والتفاهمات واللقاءات، لم تأتِ على ذكر القدس وإنما إرجاء الملف دائماً وأبداً إلى (الاتفاق النهائي)، واتفاق جنيف اللعين أسقط حق العودة، واللاجئون المتحدث عنهم مواربة، هم المهجرون من الضفة والقطاع، وتعويض من سيُرحلون إلى الكنتونات المبعثرة في الضفة ( أرض إسرائيل).. فعلامَ السكوت والصمت، وما الذي تبقى لنا؟، فحتى كرامة الإنسان أُهدرت لمجرد قولة حق أمام سلطان ضارب بيد الاحتلال.

--