دَرسٌ عَرُوضِيّ !!
..
( أُرِيدُ دَرسًا عَرُوضِيًّا بِلا رَهَبِ )=قالَتْ ؛ فَقُلتُ : ( إِذا ما شِئتِ فاقتَرِبي
أَنا أَمِيرُ البُحُورِ ؛ الشِّعرُ يَبسِمُ لِي=إِذا ابتَسَمتُ ؛ وَ يَخشَى الشِّعرُ مِنْ غَضَبِي
يَزُورُنِي الشِّعرُ وَ الفُولاذُ قارَبُهُ=فَيَستَقِرُّ عَلَى شَطٍّ مِنَ الذَّهَبِ
يَمُدُّ كَفَّيهِ نَحوِي حَيثُ لا لَغُةٌ=إِلَّا لَدَيَّ ! وَ لا فَنٌّ سِوَى أَدَبِي !
لَئِنْ أَرَدتِ ؛ فَمُرِّي بِي هُنالِكِ فِي=بَيتِي تُلاقِي أَناغِيمًا مِنَ العَجَبِ )
فَأَومَأَتْ ؛ ثُمَّ قالَتْ لِي مُداعِبَةً :=( لَسَوفَ تَغضَبُ مِنْ جَهلِي وَ مِنْ شَغَبِي )
مَضَى النَّهارُ كَأَنَّ الشَّمسَ عالِقَةٌ=فِي قُبَّةِ الكَونِ تَرمِي الأَرضَ بِالشُّهُبِ
وَ رِزمَةٌ مِنْ كَرارِيسٍ مُبَعثَرَةٍ=تَئِنُّ فِي جانِبَيِّ المَكتَبِ الخَشَبِي
وَ ساعَةٌ وَقَفَتْ - تبًّا - عَقارِبُها=وَ أَرجُلُ الوَقتِ قَدْ شُلَّتْ مِنَ التَّعَبِ
حَتَّى إِذا ما أَتانِي اللَّيلُ يَحمِلُها=جَمَعتُ نَفسِي كَأَشلاءٍ مِنَ الحَطَبِ
وَ لُذتُ بِالبابِ فاستَقبَلتُ نَظرَتَها=تَشُقُّ قَلبِي بِطَعناتٍ مِنَ الهُدُبِ
فَسابَقَتنِي بِإِلقاءِ التَّحِيَّةِ ؛ إِذْ=وَقَفتُ وِقفَةَ مَذهُولٍ وَ مُضطَرِبِ
وَ سائَلَتنِيَ فِي مَكرٍ : ( أَتُدخِلُنِي ؟=أَمْ سَوفَ تَبقَى بِلا رَدٍّ تُحَدِّقُ بِي ؟ )
فَقُلتُ : ( أَهلًا ؛ وَ مِنكِ العُذرُ آنِسَتِي=فَلتَصفَحِي ؛ وَ اغفِرِي جَهلِي ! فِداكِ أَبِي )
مَدَدتُ كَفَّيَّ إِذْ مَدَّتْ أَصابِعَها=فَصافَحَتنِي ؛ فَدَبَّ الوَهنُ فِي عَصَبِي
وَ قَدْ لَمَحتُ يَدَيها فِي مُحاوَلَةٍ=خَرقاءَ تَختَلِسانَ اللَّمسَ فِي عَتَبِ
رَمَتْ عَباءَتَها فَوقَ الأَرِيكَةِ ؛ وَ ار=تَمَتْ إِلَى جانِبِي فِي مَقعَدِ القَصَبِ
جُلُوسُها - المُستَفِزُّ - الخَصرُ يَفضَحُهُ=فَتَستَلِذُّ يَدِي ما فِيهِ مِنْ رِيَبِ
وَ ناهِداها وَ قَدْ شَفَّ القَمِيصُ هُما=هُما كَما فِي تَصاوِيرِي بُراقُ نَبِي
الأَبيَضُ اليَقِقُ الفَتَّانُ يَدفَعُنِي=لِكَي أُجَرِّبَ ما أُخفِيهِ مِنْ صَخَبِ
وَ الأَحمَرُ القانِيءُ الدَّامِي بِحَلمَتِها=يَشُدُّنِي خَلفَ أَستارٍ مِنَ الحُجُبِ
كَأَنَّنِي وَ احتِرارُ النَّهدِ يَلفَحُنِي=أَصُبُّ نارًا عَلَى كَرمَينِ مِنْ عِنَبِ
رَأَيتُها وَ اختِناقُ الشَّوقِ ثالِثُنا=تَشدُو بِأُغنِيَةٍ فِي مُنتَهَى الطَّرَبِ
تَلُفُّ رِجلًا عَلَى رِجلٍ ؛ فَتَرفَعُها=حِينًا ؛ وَ تَخفِضُها حِينًا ؛ بِلا سَبَبِ
وَ مُقلَتايَ كَصَيَّادَينِ قَدْ رَبَضا=يُراقِبانِ اندِفاقَ النُّورِ عَنْ كَثَبِ
لَثَمتُها وَ خُيُوطُ الشَّيبِ تَخذِلُنِي=وَ ما عَرَفتُ بِأَنِّ القَلبَ قَلبُ صَبِي
حَلَفتُ قَبلَ اختِراقِي سِرَّ قُبلَتِها=أَلَّا أُكَرِّرَ ! لَكِنْ خانَنِي كَذِبِي
جَذَبتُها فَوقَ صَدرِي وَ التَحَمتُ بِها=وَ صِرتُ أُفصِحُ عَنْ تَوقِي بِثَغرِ غَبِي
سَأَلتُها : ( هَلْ عَرُوضُ الشِّعرِ تَجمَعُنا=غَدًا ؟ أَمَ انِّيَ قَدْ أَلحَحتُ فِي طَلَبِي ؟
أَيُّ العَرُوضِ ؟ وَ أَيُّ الشِّعرِ ؟ مَوعِدُنا ؟=وَ أَيُّ شَرحٍ ؟ وَ هَذا الدَّرسُ مِنْ لَهَبِ ؟ )
فَجاوَبَتنِي : ( وَ هَلْ تَحتاجُ أَجوِبَةً ؟=مَنْ جَرَّبَ الطَّرقَ لا يَخشَى مِنَ العَطَبِ )