واحــــــة الراهـــــــب
المخرج هو المسؤول الأول والأخير عن نجاح أو فشل العمل الفنيأدوار الشــــــر تعطــــي هامشــــاً أكبــــــر لتقديــــم الشخصيـــــة
واحة الراهب.. فنانة جمعت بين الكتابة والإخراج والتمثيل والرسم، الذي انعكس على روحها الشفافة وهدوئها وابتسامتها الدافئة، تميّزت بجرأتها الإخراجية، وتبنيها قضايا المرأة الاجتماعية التي جعلت منها محوراً هاماً في أفلامها، خطّ فيلمها رؤى حالمة خطاً واضحاً في عالم السينما، وحصلت على جوائز ذهبية وفضية وبرونزية، شاركت في رمضان الماضي بمسلسل عرب لندن، بمشاركة فنانين من دول عربية مختلفة... التقتها البعث وتحاورت معها حول مشروعاتها الجديدة «التلفزيونية والسينمائية»، ورأيها ببعض أعمالها، ومحاور أخرى.. «مؤكدة أنها تحلم بنهضة سينمائية حقيقية».
> واحة الراهب المتجددة دائماً ماذا تحضّر من مشاريع جديدة على الصعيد التلفزيوني والسينمائي؟؟.
>> أنهيتُ كتابة سيناريو فيلم بعنوان «حدّ الهاوية» وسأقوم بإخراجه أيضاً، وهو فيلم اجتماعي، يحتوي على خطوط كثيرة متداخلة مع ما يحدث حولنا، لا سيما أحداث الحادي عشر من أيلول، والاجتياح الأمريكي للعراق، بتعبير آخر إنه يعكس الازدواجية العالمية التي نعاني منها في ضوء تطوّر حركة الشخصيات وتصاعد الأحداث، وفي المرحلة القادمة سيتم البدء بالعمل الإخراجي.
وفي منحىً آخر أعددتُ سيناريو مأخوذاً عن رواية للكاتبة هيفاء بيطار، عنوانها امرأة من طابقين ، تمّ اعتماده من قِبل إحدى المحطات الفضائية، وهناك مشروع ما زال قيد الدراسة وهو كتابة سيناريو لرواية «هوى» أيضاً للكاتبة هيفاء بيطار، سيتم إنتاجه من قِبل المؤسسة العامة للسينما.
ويوجد مشروع لإخراج ثلاثة أعمال لليافعين، كما عُرضت عليّ عدة نصوص للتمثيل، لكنني لم أقتنع بها لأن فيها شيئاً من التكرار لأدواري السابقة، ولا أحبّ أن أكرر الشخصيات التي جسّدتها.
> كيف تنظرين إلى فيلمك رؤى حالمة بعد مضي سنوات عدة على عرضه؟.
>> رغم الجدل والإشكالية التي تعرض لها هذا الفيلم للحصول على الموافقة.. إلا أنه لاقى صدى جماهيرياً واسعاً، واهتماماً ملحوظاً من قبل النقاد والمخرجين، وحصل على عدة جوائز من مهرجانات مختلفة، وتم تبنيه في متحف السينما اليابانية لأربعة قرون كأول فيلم عربي، وبعده أُخِذَ فيلم المومياء.. والآن حينما أنظر إليه نظرة نقدية أشعر بأنني لو كنت في أوضاع أفضل لغيرت من بعض المشاهد، ووجدت الحلول الإخراجية الأفضل لها، وقد حاولت البحث في المضمون الاجتماعي لأجدد فيه بما يتناسب مع التطور، الذي حدث خلال سبع سنوات، لكن للأسف المشكلات التي طرحها هذا الفيلم مازالت قائمة لم تتغير، إنه أشبه بما يقال «ماض بمستقبل» وبقيت الأوضاع الحياتية كما هي.
> أخرجتِ عدة أفلام تلفزيونية مثل «الخرزة الزرقاء- حقيبة لرأس السنة- سهرة عيد الميلاد» ماذا عنها؟.
>> أستغرب قلة إنتاج التلفزيون لهذه الأفلام سابقاً، هذه الأفلام تشبه الأفلام السينمائية، فيها ومضات إخراجية إبداعية متكاملة مع مؤثرات العملية الإخراجية، إضافةً إلى أنه يختزل الأفكار، التي ربما يعرضها الفيلم السينمائي، وفي الوقت نفسه يثير الانتباه إلى ذروة الحدث والمشكلة التي يعرضها، وبالمناسبة أنا لا أشجع المسلسلات الطويلة المؤلفة من ثلاثين حلقة أو أكثر، لكن المشاهد العربي اعتاد على هذا النوع من المسلسلات الطويلة، التي يجد فيها الكثير من الأحداث والمفاجآت، وكذلك المسلسلات الطويلة جداً، كما في المسلسلات التركية والمكسيكية.
> تعقيباً على كلامك هل تؤثر المسلسلات التركية المدبلجة على إنتاج الأعمال السورية الدرامية؟؟ وما رأيك بها؟؟.
>> ببساطة أرى أن موضوعاتها ليست مهمة، وتعرض أفكاراً بعيدة عن عاداتنا وتقاليدنا وحياتنا، وفيها تكرار واضح لتصاعد الأحداث وحركة الشخصيات، لكن الشيء الإيجابي فيها الذي لفت انتباه المشاهد يتلخص بجمال الطبيعة، وحركة الشخوص والديكور، أي تَعْرِض مستوى إخراجياً متميزاً، فيه إبداع ومؤثرات و«أكشن»، والنجاح الحقيقي لهذه المسلسلات هو قدرة الممثل السوري على تجسيد روح الشخصية وجذب المشاهد بصوته وعفويته وتلقائيته، مما يشعره بأنه أمام شخصية حقيقية أمام الممثل السوري، ربما لو دُبْلِجَتْ لغير اللهجة السورية لما حققت هذا النجاح، وأرى أنها تؤثر بشكل أو بآخر على الدراما السورية، إذ يوجد استسهال من «قبل المنتجين» لإنتاج ودبلجة هذه الأعمال على حساب الأعمال الدرامية السورية، وأعتقد أن الحل برأيي بتقديم دراما متجددة متطورة وبأشكال إبداعية متجاوزة حدود الرقابة الصارمة حتى تحافظ على مستواها، نلاحظ الآن نقص عدد المسلسلات لأسباب إنتاجية، واعتماد دبلجة المسلسلات التركية، وأيضاً للتقليد، فكثير من المحطات الفضائية التي كانت تعتمد على الأعمال السورية، غدا لها مسلسلات درامية خاصة بها.. مما قلّل من شراء المسلسلات السورية، فالدراما السورية بحاجة إلى دعم الجهات المسؤولة لتحافظ على النجاح الكبير الذي وصلت إليه.
> كثر ارتباط بعض المخرجين والفنانين بأعمال عربية مثل «هشام شربتجي- مأمون البني- جمال سليمان- سوزان نجم الدين- تيم حسن» برأيك هل يؤثر هذا على الدراما السورية؟؟.
>> قبل أن أجيب علينا أن نسأل لماذا حدث هذا؟؟.. شارك المخرجون والفنانون في أعمال عربية- مشتركة لأنهم وجدوا إنتاجاً كافياً من الأعمال السورية، التي تستوعب طاقاتهم، وأرى أن الفن خطوة نحو الوحدة العربية التي ننادي بها، وجسر نحو التواصل القومي العربي، والتكامل المشترك، وقد حقق الفن ذلك فعلاً، فلماذا (يُهاجَم) البعض، ما المانع أن يقدم المخرج أو الفنان عملاً سورياً، وعملاً عربياً مشتركاً، وللمناسبة أقول لم يذهب المخرجون المتميزون، والذين حققوا شهرة ذائعة الصيت فقط، المخرجون الشباب وجدوا فرصاً أيضاً، وهذا دليل على إبداع الفنان والمخرج السوري وعلى نجاح الدراما السورية «في مصر خاصة»، وحينما يقدم أي فنان أو مخرج عملاً في أي بلد عربي، فإنه يقدم الحضارة السورية بأسمى أشكالها، ويعطي صورة حقيقية عن عالم الدراما السورية، وإذا كنا نريد أن نحافظ على كوادرنا وطاقاتنا الإبداعية، فلنقدم لها حقها مادياً ومعنوياً.
> قلتِ في أحد حواراتك: إنك تميلين نحو أدوار الشر، ألا تفكرين بتجسيد أدوار إيجابية؟.
>> أي عمل أؤديه، أدرس فيه التركيبة الإنسانية والنفسية، وأدوار الشر تعطي هامشاً أكبر لأقدم النفس البشرية بأعمق أشكالها، لأن الإنسان لا يحمل الخير المطلق، ولا الشر المطلق، إنه مزيج، وتختلف هذه النسب من إنسان لآخر، من الصعوبة تأدية أدوار الشر لأنها معقدة ومركبة وبعيدة عن نفسيتي، الدور الإيجابي أسهل من حيث التمثيل واستيعاب الشخصية لأنه يتجانس ويتفق مع طبيعتي المسالمة المتسامحة الطيبة، وأرى حينما أقدم أدوار الشر أبثّ رسالة أكبر، لأنها تشرح الأسباب والدوافع التي جعلت هذه الشخصية شريرة، فنلقي الضوء على المشكلة الأساسية، لكن هذا لا يعني أنني لا أجسد أدوار الخير والأدوار التي تتعلق بالعلوم الإنسانية والأدوار الإيجابية مثلاً: قدمت عفراء في البركان، وزبيدة في غضب الصحراء، وعبلة في اللوحة الناقصة، أنا لا أرفض الأدوار الإيجابية... المهم أن تكون غنية فكرياً.
> هل تعزين نجاح مسلسل النقمة المزدوجة إلى الخط البوليسي الذي تلاحم مع أحداثه؟؟.
>> في النقمة المزدوجة.. تلاحم بوليسي اجتماعي نفسي خيالي ضمن جوانب سياسية اقتصادية ثقافية، كل هذه الخطوط المتشعبة شكّلت خليطاً، لا يقف عند جانب معين، بل يعكس نظرة شمولية للعمل ككل، وتميز بمؤثرات قوية و«أكشن» وغموض وغرابة إخراجية من حيث طبيعة الأزياء، والشخوص المختارة، مثلاً كاريزما الشخصية لجمانة مراد التي ترسل أشعة من عينيها، وتملك قدرة تدميرية إضافة إلى شخصية المحقق باسم ياخور والطبيبة النفسية ريم علي، وقد وجد فيه المشاهد التداخل الخيالي وفي الوقت نفسه الواقعي، وجسد مقاطع فيها تورية متداخلة ما بين المباشر وغير المباشر والوعي واللاوعي، كل هذه الأمور عملت على إنجاح «النقمة المزدوجة».
> كونك مخرجة وممثلة، فهل صادفتك إشكالية ما مع الجهة المنتجة، أو مع الممثلين في أعمالك الإخراجية؟؟.
>> خلال عملي الإخراجي لم تصادفني مشكلة مع الجهة المنتجة من حيث اختيار أماكن التصوير، أو اختيار الممثلين، لكن أثناء إخراجي لمسلسل ما حدث مرة تدخل من أحدهم أثناء تنفيذ المشهد /لكنني/ لم أسمح بالتدخل أبداً، لأن المخرج هو قائد العمل، وهو المسؤول أولاً وأخيراً عن نجاح العمل أو فشله، وليس مضطراً لأن يشرح رؤيته الشمولية عن تنفيذ العمل، ولا وجهة نظره، فكما لا أسمح لنفسي أن أتدخل بعمل المخرج حينما أكون ممثلةً، كذلك لا أسمح لأحد أن يتدخل بعملي حينما أكون مخرجةً، أنا أسمح للممثل بالتدخل فيما يتعلق بدوره فقط من أجل تطويره.
حوار: مِلده شويكاني