كطالبِ الدبس من النِمس/عدنان كنفاني


كطالبِ الدبس من النِمس
بقلم :عدنان كنفاني


ذهب المحروس إلى المحروسة ليأتينا بوسام الاستحقاق الذي يأمل فيه، معتمداً على مصداقية حلفائه الأمريكان والصهاينة، وبعض الأوروبيين..
ذهب بعد "مطمطة" الوقت لصالح العدوان، وابتداع الأعذار، واستقبال الوسطاء، وبعد أن أدرك مع انقضاء اليوم الحادي عشر للحرب المجنونة المعلنة على شعب غزّة المظلوم، أن آلة الحرب الإسرائيلية المدمّرة، وسلاحه الجويّ الخارق، وصواريخه ودباباته وعتاده ونخبة جنوده، لم تستطع أن تتقدم لتحقيق الأهداف، أو على الأصح "جزء ولو يسير من الأهداف" التي أعلن عنها، والتي نالت شرف موافقة دول "الاعتدال" العرب، واستحسان بل وتأييد السلطويين في رام الله، بل والتي أعلنت عنها "ليفني" من منبر مصر، وبحضور "سبع" السياسة الخارجية في الحكومة المصرية السيد "أبو الغيط"، كما مارس وزير الحرب الصهيوني "باراك" الخداع نفسه مع الدولة التركية التي زارها مطمئناً قبيل بدء الحرب المخطط لها "كما أعترف بعض قادة الكيان الصهيوني" منذ أكثر من ستة أشهر.
ذهب السيد الرئيس محمود عباس إلى مجلس الأمن ليرمي بثقله السياسي تحت أقدام حلفائه على أمل واهم بأن يكون رجاؤه وتوسله لحلفائه لإيجاد طريقة ووسيلة لوقف العدوان، "والله وحده يعلم عن المشروع الذي حمله معه كوسيلة للإقناع" مع ثقتنا بأن أي مشروع سيحمله أو يفكر فيه لن يخرج عن ضرورة القضاء على المقاومة بطريقة ما، وبوسيلة ما، آنية أو على مراحل، حمل معه كل ذلك متصوّراً أنها ستكون شفيعاً له أمام شلال الدماء النازف في غزّة، من باب الدعاية، وحفظ ماء الوجه، فماذا قطف من ذلك كله.!؟
أفشلت أمريكا أي مشروع لوقف العدوان متذرعة بحجج كثيرة لتعطي آلة الحرب الصهيونية مدّة أطول لتتمكن من تحقيق أهداف حربها.
وعاد الرئيس بخفيّ حنين.!
وهنا علينا أن نقف متأملين المشهد، ومستخلصين العبر، والأجدى من ذلك أن يقف عباس وزلمه لتحليل المجريات والنتائج، وقبل ذلك مصداقية التحالف المعلن مع أمريكا والصهاينة.
فأي تحالف هذا.؟ وأي قيمة لتحالف لا يأخذ بعين الاعتبار "ولو من باب المجاملة" طلب الحليف.؟ وهل ننتظر موقفاً للرئيس عباس وزلمه يستنصر فيه لكرامته الشخصية، ويدرك أن التحالف بقضه وقضيضه ليس أكثر من عبث سياسي يضعه وزلمه تحت المساءلة الوطنية، بل واتهامه بالعمالة، والأكثر من ذلك، تأكيداً لما قالته "ليفني" وغيرها من السياسيين أصحاب القرار في الكيان الصهيوني وعلى رأسهم السفّاح شمعون بيرز: بأن هذه الحرب الجهنمية التي أعلنتها وتنفذها آلة الحرب الصهيونية هي بالنيابة عن دول "الاعتدال"، ولتوفير فرصة بسط السلطة برئاسة عباس على كامل القطاع، واقتلاع المقاومة، وكسر إرادة المقاومة، ولو كان ذلك على تلال من جثث الفلسطينيين، وأنهار دمائهم وجوعهم ومعاناتهم.
أم أن سيادة الرئيس عباس سيجد مبررات جديدة يواري فيها إهمال واستخفاف حلفاؤه.!؟
بعد هذا المشهد "التراجيدي" قال لي صديق بأن الرئيس عباس سيعلن عن جديدٍ مفاجئ يثأر لكرامته السياسية والشخصية، ليس أقل من الانتصار للمقاومة وشعب غزة بالعمل، وليس بالقول، وقد يحرّض على انتفاضة ثالثة في الضفة، أو يوقف مشاريع المفاوضات، وأن يخرج من سلّة دول "الاعتدال" ليثبت انتماءه لفلسطين، وشعب فلسطين.!
صديقي هذا حالم.. فكيف يمكن أن يخرج الرئيس عباس من "عبء" التحالف وهو لا يملك أدنى، أو أقل ورقة ضغط بعد أن جرّد الضفّة من سلاح المقاومة، وبعد أن شارك في قتل وأسر المقاومين، وبعد أن غرق هو ورهطه في مستنقعات الفساد.؟
كيف يتنكّر لأصدقائه الصهاينة وينقلب عليهم.؟ وهذا السلوك ليس من شيم العربان..
وكيف لا يتماشى مع حكام مصر وتفسيراتهم الغريبة وتحليلاتهم "السوبرمانية" لما يمكن أن يحدث في المنطقة من تغييرات بسبب المدّ "الفارسي"، أو كما أعلن حاكم مصر: إن فتح معبر رفح لمد شعب غزة بأسباب الحياة، "الغذاء والدواء والوقود" سيعمل على تقسيم فلسطين.!!
أو كما قال في وصفه لأعداء الأمّة: (أشقاءنا الإسرائيليين)..! وأنه بعد كل الذي يجري في شوارع مصر من هبّة شعبية مخلصة وشريفة، (لن يفتح معبر رفح لأن من حق الدولة المحتلّة "الصهاينة" أن تراقب وتعرف إذا كان سيدخل للفلسطينيين من معبر رفح المصري العربي سلاح أو ذخيرة.!) ومن يدري إذا كان الغذاء والدواء من صنوف الأسلحة أو الذخائر..!
فهل يمكن للتاريخ أن يتناسى هذه المواقف المتخاذلة.؟
وهل نستطيع أن نتجاهل الدور التركي العظيم الذي أعلنه "أردوغان" بشجاعة بعد أن أدرك ولمس حقيقة ما يجري..؟
إن وقفة رئيس وزراء تركيا الشريفة المحقّة التي أعلنها من مجلس النواب التركي، والتي قوطعت بالتصفيق تأييدا من أعضاء المجلس، إضافة على أنها وقفة حق وعدل وصدق، فإنها وصمة عار على جباه الرؤساء "العرب المعتدلين" المتخاذلين الغارقين في العمالة.
إن الرهان الأساسي الآن يتمثل في صمود الشعب الفلسطيني في غزّة، وفي صمود المقاومة ومواجهتها وتصديها لآلة الحرب الصهيونية، وفي مواصلة إطلاق الصواريخ، التي وإن كانت "عبثية..!" فقد حققت بما لا يقبل التأويل توازن الرعب.
بعد ذلك كله، ونحن نعيش الآن نهاية اليوم الثاني عشر من بدء الحرب على قطاع وشعب ومقاومة غزّة، والعدو لم يستطع أن يحقق أي هدف من الأهداف التي أعلن عنها، رغم وحشية وجنون القصف والتدمير والقتل الجماعي لهي بشرى للمناضلين، وبشرى للشرفاء القابضين بأرواحهم وأنفاسهم على صمود المقاومة وشعب غزّة..
إن العدو الصهيوني وهو يعلن في كل مناسبة على ألسنة أصحاب القرار في الكيان الصهيوني، وساديي الحرب، وخبراء القتل، عن مواصلة المضي في تنفيذ مخططاته الإجرامية، يواجَه الآن بصمود مقاومة وشعب غزة، ويدفع ثمن جنونه وغطرسته، ويحرضنا ونحن وسط هذه المجريات، لأن نقف بكل ما نملك من قوّة، وكلّ من موقعه، لتصعيد الضغط على الحكومات العربية المتخاذلة، وأن نسمي الأشياء والأفعال والأشخاص بأسمائها، ونقف وراء مقاومة شعبنا الأبيّ..
إن الموقف التركي الرسمي يدفعني لأقيم مماثلة بين موقفه المعلن، وبين مواقف المتخاذلين، ويحرضني على أن أمضي أكثر وأعلن عن استطلاع للرأي في أوساطنا العربية، لنتبين رأي الناس فيمن هو أكثر كراهية في أوساط عالمنا العربي من الرؤساء العرب "المعتدلين"، فقد نستطيع أن نحفر اسمه على جدران حاويات مزابل التاريخ ليكون في المكان الذي اختاره له الشعب، وعلامة عمالة وخيانة وسقوط، وليكون عبرة لكل من تسوّل له نفسه الاستخفاف بضمير الناس، وانطلاقتهم بالفعل المقاوم للحرية والتحرر وتحقيق الانتماء.

ـ ـ ـ