* السراى *
................
كنا دائمى التردد على سراى رأس التين . نكتفى بالتطلع ـ من أمام الأبواب التى تفتح وتغلق ـ إلى البنايات والحدائق والجنود ، فى المساحة الممتدة إلى البحر . كانت الحديقة الهائلة المواجهة للسراى هى المكان الذى نقضى فيه أوقاتنا . نذاكر ، ونتبادل الأحاديث ، ونلعب ، ونغنى ..
كانت ليلى مراد مطربتى المفضلة ، وكنت أقلدها ، وبالذات فى أغنيات فيلم " شاطئ الغرام " ..
أعدت النظر إلى ما بدا لى مفاجئاً ، وغريباً ، وقاسياً . كان جنود الحرس الملكى يتدربون على إطلاق النار . مجرد أخذ أوضاع التصويب دون إطلاق الرصاص .. يبدو أن أحد الجنود تصرف بالطريقة نفسها التى جرّت على إسماعيل يس غضب الشاويش عطية ، فانهال المدرب ـ بكعب حذائه ـ على ظهر الجندى الذى تمدد على الأرض ، واحتضن البندقية . ضربات متوالية ، قاسية ، انتفض لها جسد الجندى دون أن يغادر موضعه ..
رنوت إلى زملائى أتعرف إلى مشاعرهم . انعكست رؤيتهم لما رأيت ، حزناً يقطر من الوجوه الصامتة ..
حاولنا أن نستعيد اللحظة التى كنا فيها . أن نذاكر ، نتكلم ، نلعب ، نغنى . لكن الخرس أسكت أفواهنا ..
لملمنا الكتب والكراريس ، ومضينا ـ صامتين ـ خارج الحديقة ..