الحصار مقدمة للانتصار

بقلم : حسين علي الهنداوي





( و الظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عــــــفة فلعـــــلة لا يظـــــــلم )

إذا كانت مقولة المتنبي السابقة تنطبق على واقع الحال الإنساني فإن الظلم الذي نراه اليوم يمارس على الفئة المستضعفة في هذا العالم إنما يعبر عن موقع الصراع ( القابيلي - الهابيلي ) الذي لا يفتأ
يخلف وراءه الكثير من المصائب ، و إذا كانت مساحة الظلم الإنساني أصبحت بمساحة الكرة الأرضية ، فإن ظلماً من نوع خاص و حيفاُ من طراز متميز يقع في أكناف المسجد الأقصى يتمثل
في استهداف طائفة لا تزال تقارع أعتى عدو على هذه الأرض يستهدف في الإنسان كل شيء ، عدو يرى أن من حقه أن يستهدف هؤلاء المستضعفين بلقمة عيشهم و بالأردية التي يغطون بها سوءاتهم و بالأدوية التي يتناولها أطفالهم و نحن نحيل القارئ لهذه المقالة ليعود ما قدمته التوراة التي حرف الكثير منها أحبار اليهود ليرى بأم عينه أن كل ما يتعلق بالشعب الفلسطيني المسلم هو مستهدف و هو ( عبادة و تقرب إلى إله اليهود ) الذي يطالب اليهود على زعمهم بالإساءة تجويعاً و ترويعاً و قتلاً للشعب الفلسطيني و أن ما يقوم به اليهود من قتل و سفك للدماء الفلسطينية المسلمة هو عبادة على حد زعمهم لله تعالى يستحقون عليها الجزاء الحسن
و إذا كان هذا أصبح مألوفا لدى الكثير من الناس ممن اطلعوا على الثقافة التوراتية المزورة و المتسمة بالهمجية و القتل و الترويع و التي تدعو اليهود إذا دخلوا على أي بلــــد من البلاد أن يقتلوا كل نسمة بشرية أو حيوانية أو نباتية فإن من غير المألوف أن نرى طوائف ممن تظاهروا بالعروبة و بالإسلام هي التي تدفع هؤلاء اليهود إلى هذا القتل بل و تبارك أعمالهــــــم الهمجية
و كأنها لم تسمع قط بأن ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه و لا يخذله ) أما أن ترى من يجوعه و يروعه فهذا ليس من اختصاصها و إذا كان هذا الزمن الذي نعيشه غير مأسوف فيه على أمثال هؤلاء الأعراب الذين فقدوا القيمة العروبية و الإسلامية من قلوبهم فإن من المأسوف عليه أن يقف أكثر من مليار و نصف المليار يتفرجون على ( العرضة البوشية ) يباركون هذا المأفون بعقله و نفسه و الذي لم يعد له همٌّ إلا أن يرى الدم الفلسطيني يسيل في شوارع المدن و البلدات و قديماً قال الشاعر الحكيم زهير بن أبي سلمى ( ومن لا يظلم الناس يظلم ) أي من لا يستطيع أن يري الظالمين أنه يستطيع ردعهم فإنه لا بد أن يضرس بأنيابهم و أن تطأه أخفاف دباباتهم و أن تمزقه صواريخ طائراتهم 000 نعم إن من أعجب العجب أن نرى عدو المسلمين و العرب يتبختر في مشيته على أرض العرب و يشرب بفمه بترول العرب و يباركه أبناء العرب و كأن الأمر الذي يحدث في غزة أو في فلسطين أو في العراق لا علاقة لهم به 0
و إذا كان الله تعالى قد حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً بين عباده فإن من المستهجن ما يصنعه اليهود في هذه الأيام و ما يرتكبونه من ظلم شنيع أخرج الناس من ديارهم و تركهم فريسة للجوع و المرض و العري و كأن الأمر لا يتعلق بإنسان كرمه الله بخلقه إن هذا الظلم ليذكرنا بإفسادتي اليهود الأولى و الثانية و التي مزقت اليهود و شتتهم على مساحة الكرة الأرضية شر تمزيق و سورة الإسراء شاهد على ذلك و قد ذكرنا الله و ذكرهم بذلك حين قال :




بسم الله الرحمن الرحيم
1. سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ
2. وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً
3. ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا
4. وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا
5. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولاً
6. ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا
7. إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا
8. عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا

و نحن نذكرهم أن داوود عليه السلام عندما استعمل مقلاعه و حجره إنما كان ذلك إحقاقا للحق
و إنصافا للظلم وأما اليوم فإن الحجر الفلسطيني ( السلاح الذي يدافع به المظلوم ليدفع الظلم عن نفسه إنما هو المقلاع الذي سينتصر بإذن الله على أعداء الإنسانية الذين ما تركوا وسيلة من الوسائل إلا و قد استخدموها في محاولة تدمير هذا الكون 0
الظلم ظلمات ترتد على فاعلها وهذا الحصار ليس إلا مقدمة للانتصار وما أشبه اليوم بالبارحة
فقد حوصر نبينا و أصحابه في شعب أبي طالب و اضطروا لأكل الميته و الجلود و غير ذلك و لكنهم صبروا فكان ذلك الحصار مقدمة لانتصار فتح مكة و ها هو اليوم حصار غزة مقدمة لانتصار فتح بيت المقدس الذي سيكون قريباً بإذن الله 0
عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ، يا عبادي ، كلكم ضال إلا من هديته ، فاستهدوني أهدكم ، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم ، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم ، يا عبادي ، إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا ، فاستغفروني أغفر لكم ، يا عبادي ، إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر ، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) . أخرجه البخاري و مسلم
بقي أن نذكر المخلفين من الأعراب الذين ســــولت لهم أنفسهم أن يباركوا هذا الحصـــــار بقوله تعالى :
(قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليم )