الغرب والإسلاماستمرار المعارك العسكرية واتساع رقعتها (22)مصطفى إنشاصيوقد استمرت الحروب العسكرية والمعارك القتالية وظهرت في كل طرف عدة قوى أثرت في سير حركة التاريخ آنذاك وتحديد معالم المستقبل، ففي الغرب ظهرت قوة الأسبان والبرتغاليين، وفي مصر وبلاد الشام كانت قوة المماليك الإسلامية الصاعدة التي قضت على الوجود الصليبي والمغولي تماماً وأخرجتهم من وطننا وأعادته نظيفاً من أي عدو، وفي أسيا الصغرى والأناضول كانت قوة العثمانيين الصاعدة تشكل خطراً على الوجود الصليبي في أوروبا الشرقية لأنها رفعت راية الجهاد والفتوحات في أوروبا من جديد، فكان لا بد أن تتحرك الكنيسة والدول الصليبية لمواجهة هذا الخطر بالرغم من هزيمتها في بلاد الشام.لذلك حدثت أكثر من معركة كبيرة بين العثمانيين وقوى صليبية متعددة الروافد بدعوة من البابا، وكانت الحماسة الصليبية في نفوس المقاتلين ضد العثمانيين كما كانت في الحروب الصليبية في بلاد الشام، واستمرت تلك الحروب حتى انتهت بدخول القائد محمد الفاتح القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية عام 1453، ذلك السقوط أكد على حيوية الإسلام وقدرته على تجاوز العثرات والنهوض من جديد وأخذ دوره الريادي عالمياً، وقد أقلقت الانتصارات التي حققتها الجيوش العثمانية الذعر والخوف في أوروبا وهزت عرش الباباوية والملوك والأمراء وبعدها بوقوف الجيوش الإسلامية على أسوار فينا عاصمة النمسا وتهديد أوروبا كلها، وأثناء ذلك استطاع العثمانيون استعادة أغلب جزر البحر المتوسط وإعادتها إلى السيادة الإسلامية، ووضع حد لهجمات الاسبتارية والداوية الصليبيين على الشواطئ الإسلامية.وقفة إنصاف للعثمانيينهذه ليست إعادة لما سبق نشره عن الدولة العثمانية لكنها فقرة لم تنشر أنشرها هنا في السياق التاريخي المتعلق بالدولة العثمانية وموضعه هنا. قبل أن نسترسل في الأحداث التاريخية نود أن نوضح نقطة مهمة يأخذها أعداء الإسلام على العثمانيين ويشككوا من خلالها في أهمية ما قدموه للإسلام والمسلمين ويعتبرونهم دولة محتلة، وهي:أنهم لم يهتموا بالجانب العسكري وأهملوا الجانب الحضاري والمدني ولم يقدموا شيء يسجل لهم في هذا الميدان، ذلك كلام فيه شيء من الصحة إلى حد كبير، وليس تبريراً لهم ولكنها هي الحقيقة من وجهة نظري كما أقدرها لهم من خلال معلوماتي المتواضعة:هم قوم مقاتلون بالفطرة وكأنهم لم يُخلقوا للعلم وتشييد الحضارة بمعناها العام إنما خلقوا للجهاد والقتال وقد يكون ذلك تدبير إلهي لعلم الله تعالى أن ساحات القتال وميادين الحروب والمعارك ستتسع وتتعدد وأن الذي يصلح للتصدي لها وتهديد الغرب الصليبي وإفشال كل محاولاته العودة إلى بيت المقدس والقضاء على الإسلام، هم العثمانيون وقد كان العثمانيون مدركون لهذه الحقيقة عن أنفسهم، لذلك عندما اضطرهم ضعف المماليك وعدم قدرتهم على الدفاع عن أراضي الإسلام في إفريقيا وشمال إفريقيا وعُمان والهند وغيرها تحولوا من الفتح ونشر الإسلام في أوروبا ودخلوا بلاد الشام ومصر وغيرها، أمر السلطان سليم الأول بنقل كثير من الكتب والمكتبات والعلماء والحرفيين والصناع وغيرهم إلى الآستانة إدراكاً منه لحاجتهم لأمثالهم ليعلموا أبناءهم تلك العلوم والحِرف والصناعات، وللعلم لم ينقل كل ذلك ليستولي عليه وكأنها غنيمة لكن كان قراره أن يتم نقلها لمدة عامين ثم يعود العلماء والحِرفيين والصُناع والمكتبات لأوطانها، والهدف هو نسخ الكتب وتعليم العثمانيين الحِرف والصناعات ليعتمدوا على أنفسهم.وهناك معلومة قد لا يعلمها إلا القليل؛ أنه لو أمد الله في عمر السلطان سليم الأول كان عازماً على أن يجعل اللغة العربية هي اللغة الأولى والرسمية في الدولة لكن إرادة الله سبقت، وبخصوص ما تم نقله بعد عامان عاد القليل ممن سافر إلى الآستانة والباقين بقوا بإرادتهم لأنهم في السنتان كانوا استقروا وأسسوا حياتهم وبدأوا التأقلم مع واقعهم الجديدة وساعد على ذلك كثرة الأعمال والنشاط التجاري والاقتصادي والعمراني ...أما بخصوص أنهم لم ينشئوا حضارة بالمعنى وإن كان التطور العلمي والاكتشافات في الدولة العثمانية لم تتوقف وتم ابتكار كثير من الأدوات وغيرها إلا أنه ليس بالحجم الذي كان في عهود من قبلهم، ذلك راجع كما قلنا إلى نفسية وطبيعة العثمانيين وميلهم للقتال والجهاد ونشر الدين أكثر من غيره، كما أن الغرب النصراني آنذاك لم يُعطِهم فترات من الشعور بالاسترخاء والاستقرار والتفرغ لإنشاء حضارة بالمعنى لكثرة الحروب التي خاضها ضدهم على مساحة الوطن الإسلامي كله، فروسيا وحروبها لم تتوقف، والحملات الصليبية الغربية على سواحل شمال إفريقيا وعلى السواحل الشرقية لإفريقيا واليمن والخليج العربي إلى أندونيسيا والفلبين وشرق أوروبا وغيرها، ناهيك عن المشاكل داخل الولايات و... كثير كان سبباً في عدم تمكن أو تفرغ العثمانيين للعطاء الحضاري الذي حدث في عهد الدولة العباسية، هذه وجهة نظر ورأي شخصي.