غزة: البطلة الضحية!/ مصطفى ابراهيم
30/5/2016
باسم قداسة غزة وطهارتها نعمل على تعهيرها وليس مساعدتها على حل أزماتها والاعتراف بها، ويشعر الانسان بفجيعة مُرة لأنه لا يمر يوما من دون ان نوجه الاتهامات لبعضنا، وعدم احترام تاريخنا، ونجامل ذواتنا ونرفض نقاش الازمات علناً ونسمح لأنفسنا بالوشوشات في الصالونات المغلقة والحديث عن ظواهر إجتماعية وجرائم خطيرة تزداد وتهدد امن وسلامة المجتمع وهي موجودة منذ الازل وليست حكراً على غزة.
غزة البطلة الضحية كانت احدى سماتها الوحدة الاجتماعية والتضامن وميراث نضالها الجماعي والوطني والمهني سابق على انقسامها وحصارها، وحياكة المؤامرات ضدها من الذين يتمنون رؤيتها في البحر، فقدت قوتها وجمالها بسبب الحصار والانقسام والتهميش والبؤس والاجحاف من الشقيق والصديق الذي يتماهى مع العدو في خنقها.
ما يجري هي حرب شعواء يشنها كلٌ على الأخر، هي حرب أكثر ضراوة من الحرب ضد الاحتلال ومشاريعه، والدفاع عن القضية الوطنية وفضح ممارسات الاحتلال، أو الحرب ضد الحصار والانقسام ومخلفاته.
تتطلب الشجاعة أن نعترف أن الظواهر حقيقة، وليست جديدة، فالخطوة الأولى لكي نتجاوز الحال المرضية التي تدفع الجميع لتلويث الجميع، وهي حال موضوعية لها أسباب ذاتية، لا تخص فريقاً بعينه، وأسباب موضوعية تتعلق بالتطورات التي حدثت بعد الانقسام وتحدث في الوطن وبين صفوف الشعب الفلسطيني وثقافته وأخلاقه، وتأثيراتها على الجميع.
وما الحرب الدائرة الأن بين ذواتنا ما هي الا العجز عن تقديم التضحيات من أجل ردم الهوة والعودة عن حال الانقسام إلى الوحدة.
هذا هو الكفر الذي يزيد من تفكك المجتمع وتشظيه، ويجب تشجيع الحوار والنقاش حول مكانة وقداسة الوطن وطهارة المجتمع وليس مكانة النظام والحزب والأفراد. الكفر بما يجري في غزة وحصارها وأزماتها المستعصية اليوم وامس وهي الصيرورة والأكثر اثارة في حياة أهلها.
ومن المسؤول عن إصدار الاحكام القيمية وتشويه صورة المجتمع، ومن هم الاطهار وأولئك الاشرار الذين لا يتحلوا بالمسؤولية الاخلاقية والاجتماعية ووسمهم بوسم عدم الوطنية وبيع الوطن وشراؤه بالسفر والتصاريح، ومنح هالة من القداسة على الذات.
معاناة غزة والعقاب الجماعي المفروض عليها ليس قدراً مكتوب عليها ان تبقى كذلك، هي تحاول التغلب على مشكلاتها وفصلها جغرافيا وعزلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في كانتوت مغلق على نفسه، هي تكيفت مع ازماتها، لكنها لم تستسلم لها.
في غزة تعود الناس أن يعملوا معاً كشركاء، كل واحد لديه خلفية التاريخ والنضال والقمع والاستغلال سواء كان من مخيم او قرية او مدينة، منهم من كان سجيناً، أو أصيب بشظايا صاروخ في إحدى دورات العدوان الاسرائيلي المستمر، او اطلاق نار في مظاهرة بالانتفاضة الاولى، او هدم منزله، وامهات فقدن ابنائهن وشقيقات فقدن اشقاؤهن من ذات السلاح الإسرائيلي.
باختصار الشعب الفلسطيني يعيش أسوء حالاته، وضائقته كبيرة، والشعب بحاجة إلى إحياء مفاهيم الحرية والديمقراطية وحرية العمل السياسي والتنظيم النقابي وحرية التجمع السلمي والتعبير عن الرأي والشراكة وليس حكم الحزب الواحد او الفرد.
غزة لم تعد منذ زمن غزة ويتم استغلال الاسم كبقرة مقدسة ملعونة من أجل استمرار الحال ومنع التغيير والاصلاح، واعادة الأمن والثقة للمواطن الفلسطيني مدخله الحرية والديمقراطية والحد من البطالة والفقر، فأمام الفقر والخوف يندفع كثيرون للجريمة وانتشار ظواهر شاذة وبسبب الفوارق الاجتماعية. إننا بحاجة إلى إحياء ضميرنا الجمعي كفلسطينيين، وان الاصلاح هدفه حماية المجتمع ليس بتعزيز الامن، انما بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وليس التجسس على الناس ورقابتهم وتخويفهم وتكفيرهم.