الدور الأمريكي في الغزو الإسرائيلي للبنان
الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية على لبنان انتهاك فاضح لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وذروة العداء الأمريكي للعرب والتحالف الاستراتيجي مع العدو الصهيوني.
د. غازي حسين


تعتبر الحروب العدوانية في القانون الدولي المعاصر من أكبر الجرائم ضد السلام وضد الإنسانية ترتكبها الدولة المعتدية ضد سيادة واستقلال وحرمة أراضي الدولة المعتدى عليها. وأصبح منع الحروب وتحريمها منذ تأسيس الأمم المتحدة من أهم سمات القرنين العشرين والحادي والعشرين.
ابتكرت «إسرائيل» ويهود الولايات المتحدة مصطلح الحروب الوقائية والاستباقية، وحق الدفاع الكاذب عن النفس لتبرير هيمنة إسرائيل على شعوب وبلدان منطقة الشرق الأوسط وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على العالم. وبالتالي سيطرة اليهودية العالمية من خلال سيطرتها على الولايات المتحدة الأميركية على البلدان العربية والإسلامية.
يتضمن ميثاق الأمم المتحدة نصوصاً صريحة لتحريم الحروب ومنع الدول الأعضاء من استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقات الدولية، وذلك في ديباجته وفي المادة الثانية منه. ووضعت المنظمة الدولية العديد من العهود والمواثيق الدولية لمعاقبة مجرمي الحرب ولحماية المدنيين وممتلكاتهم وتحريم الإبادة الجماعية والعنصرية والتمييز العنصري.
أعطت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان في أواخر أيار عام 1982 في اجتماع في البنتاغون حضره وزير الحرب الأميركي اليهودي فاينبيرغر ومجرم الحرب شارون ويشير الجميل الضوء الأخضر لمجرم الحرب شارون لغزو لبنان، ولإجبار العرب عن طريق العصا الإسرائيلية الانخراط في التسوية الأميركية وتعميم كمب ديفيد على الساحة اللبنانية وفرض الهيمنتين الأميركية والإسرائيلية على لبنان، وتحويل منظمة التحرير الفلسطينية من حركة تحرر وطني مقاومة إلى سياسية تعتمد المفاوضات برعاية أمريكية لتصفية قضية فلسطين، وشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وإنهاء الصراع العربي ـ الصهيوني.
وتنفيذاً للاتفاق والضوء الأخضر الأميركي غزت «إسرائيل» لبنان في الرابع من حزيران عام 1982، لإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، ولتصفية وجودها السياسي والعسكري والإعلامي في بيروت، وحملها على إسقاط الخيار العسكري والتخلي عن الكفاح المسلح والانخراط في التسوية الأميركية، وإقامة سلطة انعزالية موالية لإسرائيل في لبنان، والهيمنة على الاقتصاد اللبناني وحمله على توقيع اتفاقية إذعان أسوأ من اتفاقيتي كمب ديفيد والقضاء على دوره السياحي والمصرفي والخدماتي والعربي.
تحدد المادة الثالثة والعشرون والرابعة والعشرون من ميثاق المنظمة الدولية مسؤولية مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن الدوليين. وتخوّله المادة 24 بالتحرك الفوري نيابة عن أعضاء المنظمة الدولية للقيام بهذه المسؤولية الأساسية الملقاة على عاتقه. ولكن إدارة الرئيس الجمهوري ريغان أخلَّت بالتزاماتها كعضو في مجلس الأمن ودافعت عن الحرب العدوانية التي شنتها «إسرائيل» واعتبر الممثل الأميركي في المجلس بغطرسة وهمجية منقطعة النظير أن «إسرائيل» المعتدية في حالة الدفاع عن النفس.
واستخدم الفيتو للحيلولة دون إدانتها على حربها العدوانية على لبنان وعلى الشعبين اللبناني والفلسطيني وعلى القوات السورية المتواجدة هناك بموجب اتفاق الطائف. واعترف سفاح صبرا وشاتيلا شارون أنه اخذ الموافقة الأميركية على الحرب، وإن الإدارة الأميركية لم تفاجأ لأنها كانت على علم بها.
أرسلت الإدارة الأميركية على الفور فيليب حبيب لتحقيق الأهداف السياسية للحرب. وتولى مجرم الحرب شارون تحقيق الشق العسكري للحرب العدوانية، فيما تولت الولايات المتحدة تحقيق الأهداف السياسية لها داخل الأمم المتحدة وخارجها، وداخل لبنان ومع قيادة ياسر عرفات، وكلما تعقدت مهمة فيليب حبيب سخَّرت «إسرائيل» طائرات الفانتوم 16 والبوارج والدبابات والصواريخ والقنابل العنقودية والفراغية والفسفورية على بيروت الغربية وعلى المخيمات والقرى والمدن في جنوب لبنان لتدميرها وكسر إرادته وفرض الاستسلام والهيمنة عليه. وعندما كانت القيادة الفلسطينية واللبنانية ترفض الإملاءات الإسرائيلية ـ الأميركية كانت «إسرائيل» تصعِّد من وحشيتها وهمجيتها في ارتكاب المجازر الجماعية ومنها مجزرة النبطية ومجازر صبرا وشاتيلا ونشرت المزيد من الخراب والدمار.
وحدد اليهودي هنري كيسنجر الأهداف الأميركية من الحرب قائلاً: «إن ما حدث في لبنان يفتح المجال أمام دبلوماسية أميركية نشطة على ساحة الشرق الأوسط بكاملها.
وعبَّر الجنرال رابين في خضم المجازر الجماعية التي كانت تقترفها «إسرائيل» بحق المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين في 27 تموز 1982 عن تأييد الولايات المتحدة لحرب «إسرائيل» العدوانية وقال:
«إن إسرائيل تحظى بتأييد واسع جداً في سياستها تجاه لبنان من الإدارة الأميركية برئاسة الرئيس ريغان، وهذا التأييد يفوق تأييد الكونغرس والرأي العام في الولايات المتحدة الأميركية».
ونجحت الولايات المتحدة بواسطة آلة الحرب الإسرائيلية على حمل ياسر عرفات على توقيع مجموعة من الاتفاقيات مع فيليب حبيب أخرجت بموجبها قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقواتها ومؤسساتها من بيروت إلى تسعة بلدان عربية بعيدة من فلسطين. ونجحت واشنطن بحمل السلطة اللبنانية على توقيع اتفاق الإذعان في 17 أيار.
وأرسلت القوات الأطلسية وحاملة الطائرات نيوجيرسي لترسيخ نتائج الغزو الإسرائيلي للبنان، ولكنها أجبرت على الانسحاب على أثر تدمير مقر المارينز في بيروت ومقتل حوالي (300) من القوات الأمريكية.
ونجحت القوى الوطنية اللبنانية وسورية والمقاومة الفلسطينية في إجبار السلطة اللبنانية على إلغاء اتفاق 17 أيار الذي فرضته أميركا وإسرائيل على لبنان.
أخلَّتْ الولايات المتحدة بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها في حفظ السلم والأمن الدوليين كعضو دائم في مجلس الأمن واتفقت مع «إسرائيل» على شن الحرب، واستمرت في شحن الأسلحة والذخائر خلال المعارك، ودعمتها عسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً وإعلامياً، مما شجع مجرم الحرب شارون على ارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا. واستغلت الإدارة الأميركية «إسرائيل» كأداة عسكرية للتعامل مع لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما أظهر بجلاء شراكتها الاستراتيجية مع العدو الإسرائيلي ومعاداتها واستخفافها بالعرب لرسم خريطة جديدة للمنطقة أسوأ من خريطة سايكس ـ بيكو وفرض الهيمنتين الأمريكية والإسرائيلية عليها من خلال إقامة مشروع الشرق الأوسط الجديد.
وبعد يومين من خروج آخر مقاتل فلسطيني من بيروت تطبيقاً لاتفاقيات فيليب حبيب وبالضبط في الثاني من أيلول عام 1982م أعلن الرئيس ريغان مبادرته لتسوية الصراع العربي الصهيوني قبل أيام قليلة من انعقاد القمة العربية في فاس للتأثير في قراراتها، وبالفعل أثرت في قراراتها ووافقت على مشروع الأمير فهد والذي أصبح يُعرف باسم مشروع السلام العربي.
ألغى الشعب اللبناني اتفاق الإذعان في 17 أيار كما حررت المقاومة اللبنانية جنوب لبنان في 25 أيار 2000.
وتكرر المشهد ثانية في الحرب الإسرائيلية ـ الأميركية السادسة على لبنان وبنفس الأساليب السابقة باستخدام حرب الإبادة والتدمير وسياسة الأرض المحروقة لوضع قوات دولية جديدة للمحافظة على نتائج الحرب وعلى أمن «إسرائيل» وتحقيق الاستراتيجيتين الأميركية والإسرائيلية فيه وعلى حساب شعبه وقضية فلسطين والأمن القومي لسورية وهويته العربية، ولكن كسر إرادة الشعب اللبناني والاستسلام لأميركا وإسرائيل غير وارد على الإطلاق في قاموس المقاومة اللبنانية والشعب اللبناني والأمة العربية.
فانتصرت المقاومة الإسلامية في لبنان، وأفشلت حرب تموز العدوانية في عام (2006) التي جسدت تحالف الإمبريالية والصهيونية والرجعية مجسدة بآل سعود الذين باعوا فلسطين لقاء تأسيس مملكتهم ومحافظة الإمبريالية الأميركية عليها.