الشام وقوانين السماء...بقلم آرا سوفاليان
هذه النبته الجميلة كان لها أساس هنا، قبل ان يتم إنشاء هذا الرصيف، وعلى الرغم من أن الأرض صحراوية ومن نوع خاص، فلقد انتصرت هذه النبته على الانسان.
جاء من جاء الى هنا وقرر ان يتم انشاء الرصيف في عين المكان، فتم اقتلاع النباتات الموجودة ربما بالتراكس أو بالبلدوزر، وربما بإحراق هذه النباتات التي اعتبرت عديمة الفائدة لأن المشاة أولياء الطريق والرصيف للمشاة، لقد تم قلع النباتات وتم فرش طبقة من الرمل ثم الحجارة الخشنة ثم الناعمة ثم الاسمنت وتم غرس بلاط الأرصفة فوق الاسمنت الطري وتركيب الأطر الجانبية وتدشين الرصيف.
ولكن الطبيعة أقوى من الانسان فعلى الرغم من كل العقبات ومن ندرة الماء فلقد انتش فرع من النبات بعد ان دبت فيه الحياة فزحف يطلب نور الله واخترق الطبقات السابقة وبحث عن حافة البلاط ونفذ منها الى الأعلى مشكّلاً هذه النبتة الرائعة.
منذ اربعة اشهر وفي صباح كل يوم وقبل ان تشرق الشمس ارتدي بدلة الرياضة واذهب في مسار دائري جميل يبدأ من البيت وينتهي في البيت فتطالعني هذه النبتة الجميلة فأراها تكبر كل يوم عن اليوم الذي سبقه، ولم يطأها أحد لا هي ولا صديقتها التي الى يسارها...نبتتين على الرصيف تقول الواحدة للأخرى...لا نعرف متى يتم اقتلاعنا من قبل عامل نظافة، أو يطالنا نعل عابث فيكسر سوقنا، أوعجلة سيارة يسوقها من يستمرئ الصعود بسيارته الى الرصيف...أربعة أشهر ولم يحدث شيء من ذلك...وستبقى هذه النبتة حتى ولو تم اقتلاعها ستبقى عبر ابنائها ثم احفادها تتحدى في كل مرة الاسمنت والرصيف والانسان لأن قانون الحياة هو من قوانين السماء.
ستتحدى الانسان الذي استباح الأرض وما عليها وتسلط على كل المخلوفات فيها...فهو يقتل للمتعة أو للتسلية أو للرياضة وصار اليوم ينهب ويسرق ويحرق ويخطف ويهتك الأعراض ضارباً عرض الحائط بكل الوصايا الالهية، ولا بد انه عندما قتل للمرة الاولى لم يدر في خلده ان يتذوق طعم فريسته ولكنه فعل ذلك في المرة الثانية أو الثالثة أو العاشرة.
واليوم وقبل اليوم بكثير وفي تحدٍ سافر للإنسانية وللطبيعة ولقوانين الخالق...صار الانسان يقتل أخيه الانسان ويمثل بالجثث ويأكل ما يشاء...
للننظر الى الصورة الثانية حيث لا تهمنا التفاحة الحمراء ولا كل القصص التي تدور في فلكها...بل تهمّنا القبضة...ويقصد بالقبضة، اليدّ المكوّرة والاصابع التي تحيط بالتفاحة...لنتخيل الآن شكل اليد المكوّرة بدون التفاحة...هذا الشكل عالي الجمالية ومستمد من رحم الطبيعة ويوصل الى بديهية معروفة وهي: إن الشكل التشريحي للإنسان يوحي بأنه نباتي فلا يوجد في فمه أنياب لتمزيق اللحم وليست له مخالب يثبت فيها فريسته على الارض ليلتهمها...الانسان لم يقتل حيواناً من قبل إلا في حالة الدفاع عن النفس، الانسان ليس اكثر من يد مكوّرة تمتد الى الشجرة لتقطف تفاحة واحدة في كل مرة...الانسان أقدم على القتل بدافع الأذى والقهر وأحب ذلك وافتتن به، واستخدم القتل كاسلوب للترويع ولقهر من يعتقد انهم اعدائه واعتبر أن القتل اكتشاف واختراع...يستخدمه ليفرض ارادته على الأضعف، وهذا الاسلوب في الترويع هو الاسلوب الأشد لأن نتائجه كارثية ورهيبة فالموتى لا يعودون...وأحب الانسان هذا الاختراع وسخرّه في مخالفة شرع السماء... والزمان اليوم هو زمان مخالفة كل الشرائع: حيث تدور كل الكتب السماوية في فلك هذه الوصايا.
انا هو الرب إلهك لا يكن لك إله غيري
لا تحلف باسم الله بالباطل
احفظ يوم الرب
اكرم اباك وأمك
لا تقتل
لا تزني
لا تسرق
لا تشهد بالزور
لا تشتهي امرأة قريبك
لا تشتهي مقتنى غيرك
الانسان اجترح قوانين اخرى يجعل نفسه بواسطتها سيد الارض وكل ما عليها ويستبيحها بحيواناتها ونباتاتها وجماداتها ويقتل ويسرق ويحرق ويغتصب ويخطف ويطلب فدية تجمع صبراً وتدفع قسراً... فيقبض ثم يقتل رهينته ...ووصل تعديه اليوم الى قتل أخيه الانسان لمجرد التسلية وصار يمثل بجثث القتلى ويلتهم أجزاء منها...وهذا تقليد لم يكن مألوفاً ولا معروفاً في شامنا من قبل، هذا التقليد أعادنا الى أيام السلطنة العثمانية وعصور عبد الحميد وجماعة الاتحاد والترقي وعصور الهمجية والوثنية والجاهلية وعصور التتر والمغول تلك العصور التي اعتقدنا انها غادرتنا بلا رجعة...هذا الارث صار غريب لا نعرفه ولا يعرفنا ولا نريده ولا يريدنا بالرغم من فظاعة الذين أوصلوه الى شامنا، هذا الارث نبذه الدين الحنيف ونبذناه نحن في شامنا ومنذ أمدٍ بعيد...ولكنه عاد اليوم وبقوة يخترق حدودنا...لأن القفز يصبح سهلاً فوق السور الخفيض... ولكن وفي النهاية ستكون الحقيقة الآتية: قوانين السماء أقوى من الانسان وإرادة خالق السموات والارض هي البداية والمستقر، فعلى الرغم من كل العقبات ومن ندرة الماء فلا بد أن ينتش فرع بعد ان تدب فيه الحياة فيزحف ليطلب نور الله ويشق طريقه، ويبحث عن حافة البلاط لينفذ منها الى الأعلى ليتلقى نور الله.
آرا سوفاليان
كاتب انساني وباحث في الشأن الأرمني
07 02 2014