منذ أحداث 11 أيلول الشهيرة في أمريكا، والتي أصبحت بدءاً لتاريخ جديد، لم تزدهر فقط أعمال الفضائيات العالمية وموزعي الأخبار بالصورة والصوت «والأكشن»، بل ازدهرت معها أيضاً أعمال المحللين والمستشرفين وضاربي الرمل والودع وقرّاء الكفّ والسحرة والمشعوذين، كلّ يدلي بدلوه، ويبرز معرفته في استشراف أين ستكون ضربة الثأر الأمريكية.؟ من قال هنا ومن قال هناك إلى أن وقعت الواقعة ونزلت الضربة القاسية بشعب أفغانستان الفقير البريء.

وفي فورة الأحداث تلك، وضجيج الحرب، ازدهرت أكثر أعمال المحللين العسكريين وانهالت على مسامعنا تصوّراتهم عن الخطط الهجومية والدفاعية وحجم الضربة ونوع الأسلحة، وما إن أعلن طاقم الحرب الأمريكي انحسار الموجة عن أفغانستان، إلا وبدأت نشاطات محمومة تحلّل أيضاً وتستشرف أين ستكون الضربة التالية؟.
وغاص المحللون وغصنا معهم في متاهات لها أول وليس لها آخر.!
وجاءت الضربة وقتذاك لتقصم ظهر العراق.
وبدأنا نطالع في كل يوم، أثناء حمأة الحرب، وجوه رجالات، محللون عسكريون من ذوي الرتب السابقة الكبيرة يطلّون علينا من شاشات الفضائيات، «وقناة الجزيرة على وجه الخصوص، التي استقطبت المشاهدين العرب في ذلك الوقت»، يتحفوننا في كلّ ساعة باستشرافهم للآتي عن حيثيات المعارك، وراح بعضهم يرسم الخطط من وجهة خبرته العسكرية، وراح بعضهم الآخر بأريحية ليس لها نظير يقوم بتزويد المدافعين أو المهاجمين بنصائح مستقاة من خبراتهم الطويلة بفنون الحروب، وعلمهم الموسوعي بصنوف الأسلحة ومداها وتأثيرها والوقاية من أضرارها.
كنت مثل غيري «بطبيعة الحال» أتابع بحرص وبدرجة عالية من التوتر المجريات، لكنني فجأة وقفت حائراً أمام سؤال قفز على لسان حفيدي
سألني ببراءة: كيف يستطيع هؤلاء المحللون معرفة الخفايا.؟
قلت: لأنهم ضباط سابقون متقاعدون ولهم خبراتهم العسكرية، وخاضوا معاركنا..
قال ببراءة أيضاً: يعني الحروب التي تعرّضنا فيها إلى هزائم ساحقة..!
أعترف أنه أسقط في يدي، ولم أجد لسؤاله جواباً، لكن هذا لم يمنعني من متابعة تحليلات المحلّلين.
أعلن جورج دبليو بوش انتهاء العمليات العسكرية بالنصر على العراق بعد أن دمر ما دمر وقتل ما قتل واقتلع عبر حرب في أيام، تاريخ شعب له أكثر من بصمة على مسيرة الحضارة في العالم.
فهل انتصرت عنجهية القوّة على المقاومة في العراق.؟
وهل انتصرت آلة الحرب الطاحنة الهائلة الصهيونية على مقاومة الشعب العربي في فلسطين منذ نصف قرن ونيّف.؟
وهل أعلن أحدهما النصر الحاسم على انتفاضات الشعوب هناك وهناك.؟
موجة تحليلات جديدة وبحوث ونظريات بدأت محمومة تبحث أين ستكون الضربة التالية بعد العراق؟!.
سورية.. إيران.. السعودية.. السودان، والجميع ينتظر.!
الأمر العجاب أيها السادة هو هذا حفيدي، وقد استشعر، كما نحن جميعاً، هذا الحشد المحموم للانقضاض عسكرياً على سورية.
قال لي، وأنا هنا أرتب أقواله ليس أكثر ولا أضيف عليها.
قال: (ما دامت أمريكا لم تتّعظ من غوصها في مستنقع العراق إبان غزوها للعراق، وضربات المقاومة العراقية اليومية كانت تربكها، وتفقدها القدرة على التركيز، وتحرجها أمام شعبها، وكذلك عن انسحابها القسري من أفغانستان، وما دامت (إسرائيل) تواجه انتفاضة الفلسطينيين بين وقت ووقت، وتُربكها أيضاً، تستنزف اقتصادها وناسها، هل يمكن أن تجد إحداهما أمريكا أو (إسرائيل) فرصة للتفكير في غزو سورية أو أيّ دولة أخرى بعد ذلك.؟)
هذا رأي حفيدي، وقد تمنيت مخلصاً لو أن أحداً من المحللين الفلكيين الأشاوس يقول بالفم الملآن، وعلناً: إن دعم محور المقاومة المسلحة في العراق وفلسطين ولبنان وسورية «المستهدف الجديد على قائمة الغزو» بكل الوسائل، هو فعل الحماية الأجدى من كل كلام، وهو قائدنا إلى النصر، فهل لكم آذان تسمع.. يا.!