ـ من أنت أيها الغريب..؟
أنا..!
دعوني أبحث عن نفسي في فراغات الزمن، وفي مطاوي الغيابات التي أنهكتني بحثاً عن شيء كان يسمّى أنا.. وعندما استفاق هذا الأنا على ذاك الذي كان، تغيّرت ذاكرة التاريخ، وتوشّحت بخطوط رمادية، كنتُ وراءها، طيفاً بلا ملامح..
أنا.. أيها الزمن الغارق في مجاريرٍ طفَحَ فيها الأسَن، ألا تعرفني..؟
أيها العالم الغارق أيضاً في متاهات فضاء أوغلَ فيك التعب، وأوصل شبَقك إلى آخر نفق الزيف...، ليتك تخرج من قوقعة الشبهات، وتسألها..
تلك المنتظرة في آخر حدود الغرب، وأنا في ركن الشرق، أراها منارة، تعرفني.. وتعرف من أنا.. كم مرة تنفَّستْني، وتنفَّستُها، وكم مرة لامسنا معاً وضاءَة النجوم، وكم ذرَفت بين أيدينا نثراتها الماسيّة.
هي التي أحبها، وتعرفني.. تعرف أنني أنا، جئت من صلب الحقيقة، ومن رحمِ أمٍّ يجرى في عروقها زيت زيتون عكا، ضفائرها معطّرة بالحناء، وثوبُها المزركش مكتظٌّ بألوان الطيف، وضمامات الزعتر والحنّون، وما زال بحر يافا يخفقُ في مداها الذي لن ينتهي..
أنا.. أيها الغرباء، فلسطيني، أعرف أعشاشَ النوارس..
تعرفني حبيبتي.. تعرف من أنا، وتعرف اسمي وعنواني ولون بشرتي..
إنها تنتظرني..
وننتظر معاً لحظة فرح، توحّدنا في عشّ الحقيقة..
ع.ك