موقف الفاروق من أسرى بدر آخر تحديث:الجمعة ,14/01/2011
أ .د . قصي الحسين نزلت سورة الأنفال، في أحداث موقعة بدر الكبرى، حيث خرج النبي صلى الله عليه وسلم في الثامن من رمضان سنة 2 هـ/624م، ومعه كبار الصحابة وأكثر من ثلاثمئة من المسلمين . وكان يرافق النبي كبار الصحابة: أبوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وحمزة بن عبدالمطلب وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وزيد بن حارثة رضي الله عنهم .
وكانت هذه الغزوة أولى الغزوات التي قام بها النبي . ومن خبرها أن أبا سفيان بن حرب قدم مع ثلاثين رجلاً بعيرٍ لقريش . فندب النبي عليه الصلاة والسلام الناس إليهم . فبعث أبو سفيان بذلك إلى مكة، فقدم منها أبو جهل بتسعمئة وخمسين رجلاً، فيهم مئة فارس، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة لثلاثٍ خلون من رمضان سنة اثنتين للهجرة بثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً فيهم فارسان، ومعهم من الإبل سبعون يتعاقبون عليها . ونزل بهم بدراً وجلس هو وأبوبكر على عريش بني لهما، وأتى أبو جهل بمن معه . وبرز منهم عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة . فأخرج النبي صلى الله عليه وسلم لهم عمه حمزة وعلي بن أبي طالب وعبيدة بن الحرث بن المطلب . فقتل حمزة شيبة، وقتل علي الوليد، ثم كرا على عتبة فقتلاه، واحتملا عبيدة، وقد قطعت رجله، ثم مات . ونشبت الحرب صبيحة الجمعة في 17 رمضان .
نصر من الله
وخرج النبي من العريش يحرض الناس على القتال . وأخذ من الحصباء حفنة رشها على قريش قائلاً “شاهت الوجوه” ثم قال لأصحابه “شدّوا عليهم” . فهزموا قريشاً وقتلوا سبعين بينهم أبو جهل، وأسروا سبعين منهم، وقُذف في قليب بدر بعد القتال أربعة وعشرون من صناديد قريش . وفي هذه الغزوة، نزل قوله تعالى (إذ تستغيثون ربكم، فاستجاب لكم أني ممدكم بألفٍ من الملائكة) [الأنفال: 8] .
ومن أسرى بدر: وداعة بن ضبيرة السهمي وسهيل بن عمرو، وعمرو بن أبي سفيان، وأبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي، والمطلب بن حنطب المخزومي، وسيفي بن أبي رفاعة المخزومي، وأبو عزة، وعمرو بن عبدالله، ووهب بن عمير .
وفي طريق العودة إلى المدينة المنورة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضرب عنقي رجلين من الأسرى هما: النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط، وكانا من أشد الخصوم أذى للمسلمين . ولم يكن قد وضع بعد، نظاماً معيناً للأسرى .
ثلاثة مواقف
وذكر العلماء في أسباب نزول سورة الأنفال، واقعة بدر وأسراها . وقال الله تعالى (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى، حتى يثخن في الأرض، تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة، والله عزيز حكيم . لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم . فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً، واتقوا الله، إن الله غفور رحيم) [الأنفال: 67 و68 و69] .
وللمفسرين روايات عدة في سبب نزول هذه الآيات، وكلها ذات صلة بموقفٍ وقفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيما تروي هذه الروايات . ومن تلك الروايات، ما رواه ابن أبي شيبة والترمذي وابن المنذر والطبراني والحاكم، وغيرهم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال “لما كان يوم بدر جيء بالأسارى، فقال أبوبكر رضي الله عنه: يا رسول الله، قومك وأهلك، استبقهم، لعل الله أن يتوب عليهم . وقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله، كذبوك، وأخرجوك، وقاتلوك، قدمهم فاضرب أعناقهم . وقال عبدالله بن رواحة: انظر وادياً كثير الحطب فأضرمه عليهم ناراً . وقال العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان بين أسرى بدر، وقد أخرجته قريش معها على غير رغبة منه، وقد أسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما يقول: أقطعت رحمك؟ فدخل عندها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئاً، فقال أناسٌ: يأخذ بقول أبي بكر، وقال أناس: يأخذ برأي عمر . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين، وإن الله ليشدّد قلوب رجال حتى تكون أشدّ من الحجارة، ومثلك أيا أبا بكر مثل إبراهيم عليه السلام، قال “فمن اتبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم” ومثل عيسى عليه السلام “إن تعذبهم فإنهم عبادك، وإن تغفر لهم، فإنك أنت العزيز الحكيم” ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى سيدنا عمر رضي الله عنه وقال: “ومثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال “رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا” ومثل موسى عليه السلام إذ قال “ربنا اطمس على أموالهم وأشدد على قلوبهم، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم” ثم قال صلى الله عليه وسلم “أنتم عالة فلا ينفلتن أحد منهم إلاّ بفداء، أو ضرب عنق” . فقال عبدالله بن رواحة: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا سهيل بن بيضاء، فإني سمعته يذكر الإسلام . فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم . فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع عليّ الحجارة مني في ذلك اليوم، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إلا سهيل بن بيضاء” فأنزل الله تعالى: (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) .